“سررتُ اليوم أن ألتقي الإمام التونسي الفرنسي حسن الشلغومي في تل أبيب، خلال زيارة يقوم بها إلى إسرائيل. مقابلةُ أشخاص كالشلغومي فرصةٌ سانحة لتتعرف على المسلم الذي يتخذ من السلام سلاحًا في مواجهة الإرهاب، ومن التعايش رسالة. فوطئتَ أهلًا وحللتَ سهلًا يا صاحبي”. بهذه الكلمات غرّد افيخاي أدرعي المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، مرحّبًا بحسن الشلغومي، إمام مسجد درانسي ورئيس منتدى أئمة فرنسا (وهي مؤسسة لا تحظى بتأييد الكثير من أئمة فرنسا)، ناشرًا صوره وهو على الجبهات الساخنة يعانق جنود الاحتلال ويدعو لهم بالنصر. وتناقلت وسائل إعلام إسرائيلية صور الشلغومي، وهو يعانق هؤلاء الجنود في تل أبيب، حيث ظهر وهو يقول: “إنّ إسرائيل لا تعادي المسلمين بل “الإرهابيين”، مثل حزب الله وحماس والحوثيين والنظام الإيراني، وإنّ إسرائيل ستجلب الأمان والسلام للمنطقة والمسلمين”. ويظهر في الفيديو أدرعي وهو يرد على الشلغومي بعد دعائه بالنصر للجيش الإسرائيلي، قائلا: “أنتم من القلائل الذين تتفهمون الخطر الذي نعانيه من غزة والحدود الشمالية”؛ فيما نشر حساب “إسرائيل بالعربية” التابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية على تويتر، صورًا من زيارة الشلغومي مع تعليق: “هذا ما يقوله رئيس الأئمة المسلمين في فرنسا حسن الشلغومي الذي يزور إسرائيل”.
لم تكن هذه الزيارة الأولى له، فقد سبق أن زار الكيان الإسرائيلي بعد العدوان على غزة عام 2009؛ لذا فلا غرابة أن يحتفي به الكيان بهذه الحفاوة.
وحسن الشلغومي فرنسي من أب جزائري وأم تونسية، نشأ في أسرة متواضعة في تونس، وفيها تلقى تعليمه في مؤسسة العلوي، قبل أن يُظهِر اهتمامًا بالدين في السنوات الأخيرة من مراهقته، وبعد حصوله على شهادة البكالوريا سافر إلى سوريا وتركيا وإيران وباكستان والهند، حيث اكتشف الصوفية والتقى رجال جماعة الدعوة والتبليغ، وهما الحركتان اللتان يعتبرهما الشلغومي “مسالمتين وروحانيتين”. وفي عام 1996 التحق بأخيه الأكبر في فرنسا واستقر في مدينة بوبيني شمال باريس، حيث كان إمامًا للصلاة وتنقل بين حِرف وأعمال مختلفة في قطاعات النقل والصناعة والتجارة، وما لبث أن استقر في مدينة درانسي في الضاحية الشمالية للعاصمة الفرنسية باريس، وذلك في عام 2000، حيث استطاع بعد سنتين أن يطلق مشروع بناء مسجد “النور” في مكان يرمز إلى ترحيل حوالي سبعين ألف يهودي من فرنسا. وحسب الكاتبة آسيا حمزة في موقع “فرانس 24” فإنّ الشلغومي سرعان ما أدرك “أنّ علاقات المسلمين باليهود في فرنسا تشوبها آثار مترتبة على نقل الصراع في الشرق الأوسط إلى فرنسا ومتأثرة بجملة من الأفكار والأحكام المسبقة”. وقد شارك عام 2006 في تظاهرة مراسم إحياء ذكرى ترحيل اليهود في درانسي، وندد “بالظلم الذي ترمز إليه “المحرقة””.
في ظني أنّ حسن الشلغومي هو صورة ناطقة لمن اتخذ الدين حرفة وصناعة لا عقيدة حارة دافعة، وممن يحرفون الكلم عن مواضعه؛ ويؤولون النصوص القاطعة خدمة للغرض والهوى؛ فالرجلُ له مواقف كثيرة تثير الجدل بين الناس؛ ففي مقابلة مع إذاعة مونت كارلو الدولية – مثلا – اتهم السلطات الأمنية والقضائية الفرنسية بالتهاون والتقصير في التصدي للحركات المتشددة، التي تنتشر وسط الجالية المسلمة، ودعا إلى التعامل بصرامة مع مواقع التواصل الاجتماعي التي تروج لما أسماه “خطاب الكراهية والعنف”، وقد أيد قرار الحكومة الفرنسية منع الحجاب في الأماكن العامة، بأن قال “إنّ الحجاب ليس أمرًا دينيًا.. إذ هو حرية شخصية، لكن علينا حظره على الفتيات”؛ ولم يكتفِ أن يكون ملكيًا أكثر من الملك، بل زاد على ذلك، عندما أثار غضب الجاليات المسلمة بفرنسا، بسبب تصريحه لقناة “جي” الفرنسية بأنّ “الأولى أن نقول: فرنسا أكبر لا الله أكبر.. فهي التي أعطتنا قيمتنا وأعطت حسن الشلغومي الإقامة والقيمة”، وعُدَّ هذا التصريح استفزازًا كبيرًا للمسلمين، فيما يؤكد هو أنه يناضل من أجل إسلام “الأنوار”، وقالت عنه قناة “فرانس24” إنه بعيدًا عن التصنيفات والتسميات التي يوصف بها أقرانه وزملاؤه من أئمة المساجد في فرنسا، فإنّ الشلغومي، يخوض حربًا ضروسًا على الأصولية الإسلامية، ويدعو إلى الحوار بين الأديان وخصوصًا بين الإسلام واليهودية، وقد ضمّن مجمل أفكاره في كتاب صدر مؤخرًا بعنوان “الإسلام والجمهورية: لنتحرك قبل فوات الأوان”، وهو سلسلة مقابلات أجراها معه الصحافي الفرنسي ديفيد بوجاداس.
ينادي حسن الشلغومي بالتسامح وقبول الآخر، ويقول: “من أجل تغيير العقليات يجب التخلي عن النظرة التي ترى في الإسلام دينًا هجوميًا”، ويقول أيضًا: “ينبغي حب الآخرين، لكي نحصل في المقابل على حبهم”، ويرى أنّ “الشريعة الإسلامية هي حب الإسلام وقدسية الحياة، وليست قتل الآخرين”، وإذا كان محِقًّا في هذه الآراء والقناعات – إن كانت قناعات حقًّا – فإنه ينساها تمامًا عندما يتعلق الأمر بالإسرائيليين الذين يقتلون شعبًا أعزل بريئًا، ويشرّدون الناس وينكلون بهم شر تنكيل، ويصل به الأمر إلى زيارة مواقع جيش الاحتلال الإسرائيلي وتأييده علنًا بأن يصف المقاومة بأنها إرهاب.
إنّ حسن الشلغومي واحد من كثيرين ظهروا في الآونة الأخيرة ينادون بالتسامح. والتسامح – في الأصل – محمود، والدينُ الإسلامي أصلا دين تسامح، ولكن هناك فرق أن تنادي بالتسامح وأنت قوي، عكس أن تنادي به وأنت في حالة ضعف، فذلك ليس تسامحًا، إنما هو تميّع واستسلام، وليس من التسامح في شيء تأييد الجيش الإسرائيلي – كما فعل الشلغومي – أو المداهنة وتقديم التنازلات في العقيدة والأخلاق والمبادئ، تحت مسمى “الحرية الدينية” و”التعددية”، وما شابههما من المسميات، بحجة تحسين صورة الإسلام والمسلمين في أذهان الغربيين؛ فالذي أراه أنّ نتائج دعوات كهذه – مع انتشار موضة الدعوة إلى الشذوذ والانسلاخ من الأخلاق – ستكون نتائجها مستقبلا وخيمة؛ إذ ستنشئ جيلا لديه ردة فعل عنيفة تجاه ذلك، وهي ردة فعل طبيعية ومتوقعة في حالات كهذه، وفي التاريخ أكثر من دليل.
بقلم: زاهر بن حارث المحروقي
جريدة عمان: عدد الأثنين 31 يوليو 2023م