وهنا الكلام عن الوطن “عُمان”؛ فعُمان هذه قد بُنيت لأجلها القلاع والحصون، ولعُمان أنشئت السفن والأساطيل البحرية، ولسلامة عُمان وسيادتها عُقدت الألوية الحربية بالجيوش، ولأجل حماية عُمان طهّرت الأساطيل العُمانية البحار والخلجان من رجس الغزاة الغربيين المجرمين، عشاق الجماجم وجذع الأنوف، ولخاطر عُمان وتقديراً لقوتها، اقتطع الجزء الغربي من المحيط الهندي وسمي بـ”بحر العرب” وكذلك سُمي البحر الرابط بين رأس الحد ورأس مسندم بـ”بحر عُمان”، لن تجد بلاداً عربية حظيت بهذا الاحترام والتقدير غير عُمان.
واليوم يَحزُّ في النفس، أن يأتي بعض المُتلكئين والمتذمرين، وأن يقيِّموا عُمان بقيمة الريال والدرهم، فينظرون إلى الوطن “عُمان” نظرة اليأس والبؤس والدونية، فأقول لهم هزلت والله كما هزل فكركم المهزوز والمهزوم من الداخل، ونحمد الله أن عُمان قامت وتكونت بتلك القوة والعظمة، وذلك قبل قدومكم لها، وإلا كانت اليوم كغيرها من البلدان الحديثة والطارئة على الجغرافيا، لا يعرف رأسها من ساسها.
إنّ الأمر الذي جعلني أكتب هذا المقال على هذا النحو، هو تلك التغريدات التي يرسلها البعض من كواليس مُظلمة، فيتلقفها بعض الناس بحسن نية على أنها حقيقة واقعة، وما خالفها مجرد تضليل وتطبيل للحكومة وخنوع، ودعم للفساد والمفسدين، وأن الوطن مملوء بالخيرات، ولكن لا يحصلون هم على شيء منها، وأنا وغيري نحسبها كذلك فهي ملأى بالخير -بإذن الله- ولكن ليس كما يزعم البعض أنه حجر على المتنفذين في الدولة، وأن الجميع يتنعّمون بخيرات هذا الوطن، وليست فئة دون غيرها، وحتى أولئك الذين تتحدثون عنهم لهم في الخير العُماني نصيب، وعند اكتشافهم سوف تطبق العدالة في حقهم، والدولة لها رجال مخلصون في تقفي أثر الفاسدين والمجرمين، وبعضهم نقل من سكن القصور إلى سكن السجون، ولن تكون هناك مُحاباة لفاسد أضر بعُمان، فمنهم من سقط في شر نفسه، ومنهم من ينتظر السقوط، والأمور لا تتحقق بين عشية وضحاها، وعُمان القوية لا تحتاج إلى شهرة من وراء التشهير بفاسد، فيكفيه الحكم الذي يوقع عليه.
وإنَّ القائلين بأن الفساد ينتشر في طول البلاد وعرضها، وقد بنوا هذه الأحكام المسبقة على تغريدة في الفضاء الرقمي من وراء الحدود، وصدقوا مثل هذا الكلام المرسل، وأعاد البعض نشر التغريدة، ودلل على صدقيتها بالأمثلة من تلك التي أوردها غيره، وكانت تدغدغ مشاعر الناس، فاصطف صفه الكثير ممن يعيشون في المنطقة الرمادية بين الشك واليقين، واعتبر ذلك المغرد في الحال أنه إنسان شجاع لا يخاف في قول الحق لومة لائم، ولكن قد يستوقف ويسأل عن أصل المعلومة التي زعم أنَّها صحيحة، فعندئذ سيعود ليعتذر، وقد يصل اعتذاره للبعض، فيقال: تم الضغط عليه للتراجع عما قال من قبل.
إنَّ الذين عاشوا حلو عُمان وحداثتها، ويسعون إلى نيل رغيد العيش بلا حول منهم ولا قوة، يصدقون أنَّ الحياة سهلة جداً، ولا تحتاج إلى عناء أو تعب، فقط يتمنون أن يأتي إليهم مندوب الحكومة ليأخذ أرقام حساباتهم في البنوك، وبعد ذلك يعمل على تحويل المقسوم إليهم، وهو نصيبهم من الدخل القومي للبلاد، على أن يعدهم بأن تقضى كل طلباتهم من الحكومة دون تعب أو مشقة عليهم.
وإن هذه الحكومة ليس لها هم إلا رفاهية المواطن، فلا أمن ولا دفاع ولا صحة ولا تعليم ولا طرق ولا موانئ ولا مطارات ولا تصنيع ولا تنمية ولا تجارة ولا اقتصاد ولا أية التزامات أخرى مع الخارج، ولا أي شيء يهمها أكثر من رفاهية المواطن، ويظنون أن كل هذه الأشياء الظاهرة أمامهم اليوم، هي موروثة وجاهزة وقديمة قِدم الدولة، وأن شيئًا من الدخل القومي فقط للصيانة والترميم وتسيير الأمور المستدامة.
أمَّا جيل ما قبل السبعين الذي عاش الفقر والجهل، والتخلف، والسفر، والغربة.. بحثاً عن لقمة العيش، متخلياً عن الكرامة وعزة النفس، بعمل جسدي مرهق، مقابل عُشر قيمته المالية، وفي أحيانٍ كثيرة كان يُطرد الشخص تعسفاً من العمل، وذلك عند نهاية الشهر ليؤتى بضحية أخرى محله.. وهكذا دواليك.
لذلك؛ فإنَّ المواطن الذي يشعر أن عُمان كنانته وكرامته، لن يذهب وراء تغريدة مدسوسة من حاسد أو عدو ناقم، لأن الوطن في نفسه يمثل له قيمة عظمى، ولا شيء يضارعه في هذا الكون، فهو العزة والكرامة، وهو العزوة والنخوة والشهامة، وهو الكنز الذي لا يفنى، ولا يعجز عن العطاء، وذلك مهما ضن الآخرون عليه، ثم اسأل نفسك أيها الإنسان عن أي وطن تتكلم إنَّها “عُمان” العزة والكرامة والتاريخ، فهي كفانوس علاء الدين، إن أنت عرفت كيف تفتح أبوابها فتحت لك كل الأبواب.
وأقول للمتلكئين والمتذمرين؛ لا ترهقوا أنفسكم بمقارنات غير عادلة مع بلدان الجوار نتيجة القيل والقال، لأنَّ كل مقارناتكم لن تكون عادلة ومنصفة، إن لم تجر تلك المُقارنات مع عُمان نفسها، فتساءلوا كيف كانت عُمان قبل السبعين؟ أو حتى الثمانين؟ حتى لا أذهب بكم في متاهة عميقة، فيصعب عليكم تصديقها، لأن ما قبل السبعين كان ظلاما دامسا بمعنى الكلمة، أما في عام الثمانين فهناك شيء من النور بدأ يُشرق على عُمان، وإن كان في الأفق البعيد.
واليوم.. أقول للمتلكئين، اذهبوا إلى ولاية نزوى، أو ولاية بهلاء، أو ولاية الحمراء، وسترون الناس هم من يذهب إلى الخير ويأتون به، ويجعلونه طوع أيديهم، لكنهم لا يجلسون ينتظرون الخير أن يأتيهم من تلقاء نفسه، والحياة كد وكدح وعمل، وليست نقدا وقدحا وذمًّا وتمنياً بأن يأتيهم ما بالغيب بالشيء العجيب، وأن مبلغ 325 ريالا حقاً لا يكفي، لكنه يساعد، وأنا أعرف شخصاً ما، كان يحصل على راتب في حدود 2000 ريال لكنه أُحِيل للتقاعد فجأة، وانخفض الراتب 1100 وأخذت القروض نصيبها منه، وتبقى له 350 ريالا، لكنه حافظ على كرامته، وعاش مستور الحال هو وعائلته، وهذا هو الشيء الأصعب.
حفظ الله عُمان وشعبها الأبيِّ وسلطانها المبجل، وإلى مزيد من الرقي والتطور يا عُمان الخير والسلام.
حمد بن سالم العلوي