ينطلق طرحنا للموضوع من القناعة بأنَّ نجاح سلطنة عُمان في تطبيق منظومة الحماية الاجتماعيَّة، وتعزيز جاهزيَّة صندوق الحماية الاجتماعيَّة لتنفيذ أحكام قانون الحماية الاجتماعيَّة الصادر بالمرسوم السُّلطاني (52/2023) يستدعي وجود قواعد بيانات وطنيَّة متكاملة ومحدَّثة ومنتجة وقادرة على الدخول في تفاصيل هذا الحدث التاريخي الوطني واستيعاب متطلباته وتقديم صورة نموذج للمواطن في استعداد الصندوق نَحْوَ تقديم خدماته المستحقة للمواطنين بكُلِّ كفاءة وجدارة ودقة واحترافيَّة، آخذة في الاعتبار الاستفادة من ارتفاع الرصيد المعنوي للمواطن واستبشاره بإصدار منظومة الحماية الاجتماعيَّة في تعظيم مفهوم أعمق للمواطنة المنتجة والمشاركة الفاعلة والالتزام والمسؤوليَّة، في تجاوز لكُلِّ التكهنات والممارسات العشوائيَّة المتكررة الناتجة عن القصور في البيانات والمعلومات وانعكاسات ذلك على قناعات المواطن وثقته.
لذلك فإنَّ التحدِّي الأكبر في التطبيق النموذج للمنظومة يرتبط بالدرجة الأولى بمدى كفاءة وجودة وحداثة البيانات، التي شكَّلت على المدى البعيد تحدِّيًا أمام الجهات المعنيَّة بالتشغيل والتوظيف، خصوصًا في ملفات الباحثين عن عمل والمسرَّحين الذي يشهد تضاربًا وتباينًا في البيانات النوعيَّة التفصيليَّة المرتبطة بالمتغيرات الكميَّة والنوعيَّة وأعدادها، الأمر الذي كان له انعكاساته على طريقة التعامل مع هذه الملفات، وعدم وضوح مسار العمل فيها نظرًا لهذا التضارب في البيانات والأعداد والتداخل في التخصصات، وأعداد الداخلين والخارجين من القِطاع الخاصِّ وغيرها مما كان سببًا في بطء القرار المرتبط بهذه الملفات وكثرة التقسيمات التنظيمية التي تمَّ تأسيسها بشأنه سابقًا (وزارة القوى العاملة، سجل هيئة القوى العاملة، المركز الوطني للتوظيف…إلخ). ونعتقد بأنَّه من الأهمِّية البدء الآن في إيجاد منظومة إلكترونية متكاملة لضمان تحديث البيانات الوطنيَّة وتجديدها وتكييفها مع معطيات منظومة الحماية الاجتماعيَّة، سواء منها يتعلق بالبيانات الشخصيَّة في السجلِّ المَدني بشُرطة عُمان السُّلطانيَّة والجهات الأخرى ذات الصلة، أو ما يتعلق منها بالبيانات الكميَّة والنوعيَّة العامَّة في المؤسَّسات الأُم التي عليها أن ترفدَ المركز الوطني للإحصاء والمعلومات بالبيانات الخام، وأن يمارسَ الأخير دَورًا محوريًّا في المرحلة القادمة تخطيطًا وتنفيذًا وتنظيمًا وتصحيحًا وتجويدًا للبيانات، في قدرة المركز على معالجة الحلقة المفقودة في متابعة نتائج مسوحاته وإحصاءاته، ويعيد إنتاجها بما يتناغم مع معطيات المستقبل وتعظيم دَوْر المؤشرات الإحصائيَّة الاجتماعيَّة الوطنيَّة ذات الصلة، وفق أدوات واضحة للمتابعة ومؤشرات التحقق والتنفيذ، بالاستفادة من الميزة التنافسيَّة للمركز بنقل تبعيَّته إلى مجلس الوزراء وفق المرسوم السُّلطاني رقم (15/2022) كونه مرجعيَّة وطنيَّة لتلبية احتياجات ومتطلبات سلطنة عُمان من الإحصاءات الرسميَّة والمعلومات الموثَّقــة لاستخدامهــا فـي وضــع السياســات وبناء البرامــج والخطط على المستـوى الوطنــي والإقليمــي والدولي فـي ظلِّ رصدٍ مستمر وفق أحدث الأدوات والآليَّات والمسوحات للمتغيرات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة المتسارعة، وتلبية متطلبات كافَّة الجهات بالجهاز الإداري للدولة فـي الحصول على المعلومات الكافية فـي المجالات التنموية ذات الصلة، وهو اليوم يشكِّل أهمِّية كبيرة في توفير البيانات التي تقوم عليها مستهدفات رؤية عُمان 2040؛ وبالتَّالي استحقاقات هذه التبعيَّة في ظلِّ تدشين مجلس الوزراء الموقَّر للبرنامج الوطني للاقتصاد الرَّقمي، وما إذا كان ذلك سيوجِّه الأنظار إلى الإسراع بإنشاء قاعدة بيانات رقميَّة وطنيَّة متكاملة تلبِّي متطلبات المرحلة وتجسِّد روح التكامل بَيْنَ القِطاعات وتكشف جوانب الخلل والهدر التي ما زالت حاضرة في قواعد البيانات الوطنيَّة في أبعادها الاجتماعيَّة والمتغيرات الديمغرافيَّة المرتبطة بالسكَّان والحالة الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والزواجيَّة والإسكانيَّة وغيرها كثير.
إنَّ ما طرحه قانون الحماية الاجتماعيَّة من برنامج المنافع النقديَّة للعُمانيين يستدعي اليوم جهدًا وطنيًّا يكافئ روح التحوُّل الشامل التي جاءت منظومة الحماية الاجتماعيَّة لتأصيلها في سلطنة عُمان من حيث تعزيز كفاءة وجودة ووفرة البيانات ودَوْر الإحصاءات والمؤشرات الوطنيَّة في تحقيق أهداف منظومة الحماية الاجتماعيَّة وتنفيذ متطلبات تطبيق القانون، وذلك من خلال تعظيم إنسانيَّة هذه البيانات والمعلومات والمؤشرات الإحصائيَّة وحيويَّتها ونقلها إلى واقع حياة المواطن وتناغمها مع متطلبات قانون الحماية الاجتماعيَّة والمستجدات والمتغيِّرات والظروف التي تعيشها الحالة العُمانيَّة، لضمان وصول هذه المنافع لمستحقيها وتحقيق العدالة في هذا الشأن؛ وبالتَّالي تبنِّي نظام إلكتروني متكامل وتطبيقات وبرامج ومبادرات لتعزِّزَ كفاءة البيانات وسهولة تداولها في خدمة النظام وسرعة تنفيذ أحكامه، وأن تشهدَ الفترة القادمة حراكًا وطنيًّا على أكثر من مسار لضمان سرعة وصول البيانات إلى صندوق الحماية الاجتماعيَّة، وتبنِّي استراتيجيَّات أو أدوت التحديث الإلكتروني الذَّاتي المستمر لها من واقع البيانات الوطنيَّة، وتعزيز كفاءة المؤشرات الاجتماعيَّة، خصوصًا ما يتعلق منها بفئات الأرامل والمطلَّقات أو غيرها؛ وبالتَّالي أهمِّية موقع أو برنامج أو تطبيق إلكتروني معتمد لتحديث جميع بيانات المواطن يستخدمه في إنجاز مختلف معاملاته، سواء المتعلقة بالأحوال المدنيَّة أو البنوك أو الإسكان أو الحالة الزواجيَّة أو غيرها، وهي بيانات يتمُّ تحديثها من المواطن عَبْرَ رابط يوجَّه له، الأمر الذي من شأنه أن يسهِّلَ من عمليَّة تحديث المواطن لبياناته ويقلل من الهدر الحاصل في الوقت والجهد، بالإضافة إلى الحدِّ من حالة الازدحام الحاصل في خدمات الشُّرطة أو غيرها من المؤسَّسات، وتسهيل إجراءات التحديث واختصار الوقت والجهد، كما أنَّ من الفات المستهدفة أو المستحقة للمنافع غير قادرة على الذهاب للمؤسَّسات للعجز وكبر السِّن والأُم المُرضع أو غيرها من الأمور، وبالتَّالي سيسهل وجود هذا التطبيق المتاح للمواطنين تسجيل وتحديث بياناتهم وإضافة المستندات في ذلك، وتقديم تفاصيل ديمغرافيَّة وسكانيَّة وإسكانيَّة نوعيَّة دقيقة عن حالة الأُسر وظروف المعيشة، وحالة المبنى، وعدد أفراد الأُسرة، والفئات الخاصَّة مِثل، كبار السِّن والأشخاص ذوي الإعاقة والأطفال، بالإضافة إلى الدخل الشهري للأُسرة، والأعمال الإضافيَّة الأخرى للأُسرة والقوَّة الشرائيَّة والصرف اليومي ومستوى وجود موارد ماليَّة أخرى لرب الأُسرة غير الراتب الشهري، ومدى كفاءة المبنى السَّكني وغيرها كثير من التفاصيل التي اقتضت الحاجة أهمِّيتها وحضورها في قواعد البيانات الوطنيَّة لتسهيل عمليَّة الوصول إلى هذه الفئات وتوفير احتياجاتها والحدِّ من تقاطع مسارات العمل، والازدواجيَّة في البيانات والهدر، الناتجة عن سوء عمليَّات التنظيم وقلَّة الكشوفات العدديَّة والنوعيَّة التي تعطي تفاصيل واضحة وواسعة وعميقة عن كُلِّ السكَّان القاطنين في محافظات سلطنة عُمان.
وبالتَّالي يطرح إعلان شُرطة عُمان السُّلطانية بشأن تحديث بيانات المواطنين في السجلِّ المَدني للاستفادة من منافع منظومة الحماية الاجتماعيَّة، أهمِّية وجود قواعد بيانات وطنيَّة متكاملة للمؤسَّسات تتَّسم بالدقَّة والمعياريَّة والتحديث المستمر بما يضْمَن تقديم بيانات وإحصاءات وطنيَّة دقيقة لكُلِّ المستفيدين من المنافع النقديَّة لمنظومة الحماية الاجتماعيَّة والداخلين في البرامج التأمينيَّة، وأن تتضمنَ قواعد البيانات كُلَّ المتغيِّرات والتفاصيل الدقيقة التي تحتاجها منظومة الحماية الاجتماعيَّة في الوقت الحالي والمستقبلي وتراعي التطوُّر العمري والزمني للمواطن لحين خروجه من مظلَّة منفعة الأطفال، وكذلك دخوله لاستحقاقات منفعة كبار السِّن أو غيرها من المنافع التي تشترط العمر الزمني كاستحقاقات للصرف؛ وأن تتبنَّى المؤسَّسات ذات العلاقة برامج موثوقة عَبْرَ تطبيق شُرطة عُمان السُّلطانيَّة أو تطبيقات البنوك لضمان تفعيل روابط إلكترونيَّة تُتيح للمواطن متابعة تحديث بياناته وإرفاق المستندات الرسميَّة والثبوتيَّة لذلك، للإسراع في إنجاز معاملات التحديث وتقليل احتماليَّة الازدحام في مراكز الخدمات بشُرطة عُمان السُّلطانيَّة، وأن يتبنَّى المركز الوطني للإحصاء والمعلومات آليَّة لعمل المؤسَّسات لرفد المركز بالبيانات الإحصائيَّة من الجهات المعنيَّة بشكلٍ دَوري وتلقائي ويتمُّ إسقاط هذه البيانات في جداول إحصائيَّات المركز بعد مراجعتها والتأكد من مصداقيَّتها وعدم تضاربها مع بيانات سابقة، وأن يوفرَ المركز برنامج ربط مع مختلف مؤسَّسات الدولة وقِطاعاتها لتعزيز البيانات الوطنيَّة في شكلها الإجمالي أو القِطاعي أو حسب الفئات والأعمار والنَّوع وغيرها من المتغيِّرات التي تراعي فيها معطيات منظومة الحماية الاجتماعيَّة واحتياجاتها من البيانات.
وعليه، يصبح التحوُّل الرَّقمي اليوم ضرورة ملحَّة ويتناغم مع التوجُّهات الوطنيَّة وتدشين التحوُّل الرَّقمي الذي أقرَّه مجلس الوزراء، فإنَّ احتياج المنظومة الحماية الاجتماعيَّة إلى هذا التحديث المستمر ضرورة، تستدعي التفكير خارج الصندوق في تعزيز كفاءة البنية الرقميَّة الإلكترونيَّة في تحديث البيانات من قِبل المواطن، وأيضًا أن تتجاوبَ مؤسَّسات الجهاز الإداري للدولة وفق آليَّة يتمُّ العمل بها في رفد المركز بالبيانات بصورة ديناميكيَّة، الأمر الذي يحدُّ من التأخر والبطء الحاصل في المؤشرات الاجتماعيَّة وفي أعداد الباحثين والمسرَّحين وأعداد الطلاق والزواج والترمُّل أو الموالد والوفيات، وغيرها ممَّا باتت الحاجة إليه ضرورة لتفعيل وتشغيل منظومة الحماية الاجتماعيَّة وتقليل الفاقد الإحصائي، خصوصًا فيما يتعلق بالطفولة وقَيْد الطلبة في المدارس، وعدم قَيْد بعض الوقائع في نظام السجلِّ المَدني مِثل الوثائق المطلوبة لتحديث بيان واقعة الزواج، والوثائق المطلوبة لتحديث بيان واقعة الطلاق، أو الوثائق المطلوبة لتحديث العنوان الحالي، وتحديث بيانات الأشخاص ذوي الإعاقة، وتحديث بيانات كبار السِّن، وإرفاق المستندات المطلوبة التي أشارت إليها شُرطة عُمان السُّلطانيَّة في حالات مختلفة مِثل: ملكيَّة المنزل وعقد الإيجار وفاتورة الكهرباء ورقم الهاتف وغيرها.
ومع تعزيز كفاءة وجودة البيانات والإحصائيَّات تأتي الحاجة إلى تفعيل دَوْر المراكز العلميَّة والبحثيَّة في الجامعات لتقديم الدراسات والبحوث والإحصائيَّات التي تقرأ منظومة الحماية الاجتماعيَّة والأبعاد الأمنيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة الناتجة عَنْها، في ظلِّ اعتمادها على منهج علمي تحليلي وتشخيصي رصين يتَّسم بالشفافيَّة والوضوح، مبنيًّا على تعدُّد أدوات التقصِّي والبحث والرَّصد في الحصول على المعرفة والمعلومة الصحيحة، باستخدام المنهج الوصفي والنَّوعي ودراسات الحالة والدراسات التتبعيَّة وقياس الأثر مع الاستفادة وإعادة توظيف النشرات الإحصائيَّة الشهريَّة والإحصائيَّات التخصصيَّة، والمسوحات الإلكترونيَّة الَّدوريَّة، واستطلاعات الرأي، وغيرها، لتشكِّلَ في مجملها رصيدًا معرفيًّا وإنتاجًا فكريًّا يوثِّق البيانات بطريقة منهجيَّة ويفرعها وفق متغيرات واسعة، يستفيد منها الباحثين والأكاديميين والطلبة والمؤسَّسات، فإنَّ المبادرات الجادَّة التي تُقدِّمها مراكز البحوث الاجتماعيَّة والنفسيَّة والاقتصاديَّة والأُسريَّة والتخصصيَّة المعنيَّة بالإرشاد الأُسري والطفولة وكبار السِّن وذوي الإعاقة وغيرهم، سوف تقف على جوانب التقدُّم الحاصلة وأوْجُه تعزيزها، والإخفاقات والتحدِّيات وتضع خطَّة علاج وحلول عمليَّة واضحة المعالم لها، فإنَّ من شأن هذا التوجُّه أن يعزِّزَ من الخيارات والفرص التي تتيح الوقوف على نواتج التطبيق القادمة.
أخيرا، لمَّا كانت البيانات التي تتطلبها منظومة الحماية الاجتماعيَّة، ليست حالة وقتيَّة نظرًا للاحتياج إليها في الدخول أو الخروج من دائرة الاستحقاق، لذلك تبقى عمليَّة التحديث فيها مستمرة والمراجعات لقوائم ومستندات ووثائق المستحقين للمنافع مستمرة، وبهذا الأمر فإنَّ مسألة مراجعة المواطن للجهات المعنيَّة لاستكمال المستندات بات من الصعوبة والتعقيد الذي يتطلب التفكير خارج الصندوق، نظرًا لطبيعة بعض الحالات وما يرافقها من ضعف أو عجر مثل: كبار السِّن وذوي الإعاقة، أو نتيجة تعدُّد المستحقين للمنافع في البيت الواحد، وهو ما يشكِّل عبئًا على ولي الأمر في إيصال المستحقين في الأُسرة إلى خدمات الشُّرطة أو البنوك أو غيرها من الأماكن ذات الصلة بتخليص إجراءات استحقاقات المنافع المنظومة، لذلك يجِبُ أن يتَّجه العمل فيها إلى تبنِّي آليَّة وطنيَّة في التحديث الإلكتروني وتوفيره لمختلف الأوقات، وأن تتبنى في برامجها وتطبيقاتها الإلكترونيَّة آليَّة إخطار المواطن بانتهاء أيِّ وثيقة يتطلبها النظام، سواء ببطاقة أو عقد إيجار أو عقد عمل أو غيرها، عَبْرَ رسائل نصيَّة مع إرسال الرابط للمواطن للدخول فيه لتحديث البيانات وإرفاق المطلوب من المستندات.
د.رجب بن علي العويسي