منذُ تولِّي حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم مقاليد الحُكم في البلاد وضع في أولويَّته بناء الإنسان العُماني وتحقيق العيش الكريم له كأولويَّة في أجندة التنمية ورؤية «عُمان 2040»، وجاء نهج جلالة السُّلطان المُعظَّم بوضع المواطن في أولويَّة العمل وبوصلة التوجُّه، والمُحرِّك الأساسي لفلسفة التغيير المتسارع، تعبيرًا أصيلًا وتجسيدًا عمليًّا لإنسانيَّة النهضة العُمانيَّة والثوابت والمرتكزات التي بُنيت عليها، وانتقلت بالإنسان العُماني في كُلِّ مراحل التطوُّر التي مرَّت بها، آخذةً بكُلِّ احتياجاته، مراعيةً ظروفه واهتماماته، متجاوبةً مع تطوُّر حياته، وتعاظم طموحاته، حيث جسَّدت النهضة في كُلِّ مراحلها مفهومًا أعمق لإنسانيَّة الإنسان والثقة في المواطن، وقَدْ جاء في خِطاب جلالة السُّلطان «إنَّ الانتقال بعُمان إلى مستوى طموحاتكم وآمالكم في شتَّى المجالات، سيكُونُ عنوان المرحلة القادمة بإذن الله، واضعين نُصب أعيُنِنا المصلحة العُليا للوطن، مسخِّرين له كافَّة أسباب الدعم والتمكين».
لقَدْ حمَل الخِطاب السَّامي في دلالاته مرحلة جديدة بدأ العمل الشَّاق والمُضني فيها لتعزيز منظومة الحماية الاجتماعيَّة؛ وهي منظومة وطنيَّة شاملة متكاملة تسع الجميع ويعيش تحت مظلَّتها كُلُّ شرائح المُجتمع وفئاته، مُحققةً الآمال والطموحات، واضعةً الإنسان أولويَّة البناء، ومدخل التحوُّل وطريقه، وعمل جلالة السُّلطان المُعظَّم على إسداء توجيهاته السَّامية الكريمة إلى الجهاز الإداري للدولة نَحْوَ وضع أجندة منظومة الحماية الاجتماعيَّة موضع التنفيذ، متابعًا بنَفْسِه مستجدَّات العمل بها، وفق خطَّة مدروسة، وآليَّات عمل مُحكمة، واستراتيجيَّات أداء دقيقة، وأن تجسِّد توجُّهات الحكومة واستراتيجيَّتها في الأداء الكفؤ المُحقِّق للإنتاجيَّة، والضامن لتنفيذ مستهدفات رؤية عُمان 2040 «مُجتمع إنسانه مبدع معتز بهُوِيَّته، مبتكر ومنافس عالميًّا، ينعم بحياة كريمة ورفاه مستدام»، حيث جاء قانون الحماية الاجتماعيَّة وترجمة فعليَّة لمحور الإنسان والمُجتمع وأولويَّة الرفاه والحماية الاجتماعيَّة في رؤية «عُمان 2040» في أهدافها: مُجتمع مغطَّى تأمينيًّا بشبكة أمان اجتماعيَّة فاعلة ومستدامة وعادلة؛ والهدف: مُجتمع واعٍ متماسك ممكن اجتماعيًّـا واقتصاديًّــا، خصوصًا المرأة والطفل والشَّباب وذوي الإعاقة والفئات الأكثر احتياجًا؛ والهدف: حماية اجتماعيَّة متكاملة موجَّهة للفئات الأكثر احتياجًا لتمكينها من الاعتماد على الذَّات، والمساهمة في الاقتصاد الوطني، لتنسج أولويَّات الرؤية ذات الصِّلة بالرفاه والحماية الاجتماعيَّة خيوط الارتباط في تجاوبها مع توقُّعات المواطن وطموحاته وأولويَّاته، وتذليل الصعوبات والتحدِّيات التي يواجهها في ظلِّ الظروف الاقتصاديَّة الحاصلة، مستوعبة في قراراتها مستجدَّات الواقع، قادرة على احتوائه والأخذ بِيَدِه، والعمل من أجْله، مسعفة لضروراته في الظروف العاديَّة مِنها والاستثنائيَّة، شاقَّة له طريق الأمل بمستقبل مُشرِق، ممكِّنة له فرص اكتشاف ثروات وطنه والاستثمار فيه، مسخِّرة طاقاتها وإمكاناتها في كُلِّ ما من شأنه تحقيق فرص العيش الكريم الآمن له. فجاء صدور المرسوم السُّلطاني رقم (33/2021) في شأن أنظمة التقاعد والحماية الاجتماعيَّة، والمرسوم السُّلطاني (50/2023) بشأن نظام صندوق الحماية الاجتماعيَّة، والمرسوم السُّلطاني (51/2023) بإصدار صندوق تقاعد الأجهزة العسكريَّة والأمنيَّة، وليُمثِّلَ صدور المرسوم السُّلطاني رقم (52/2023) بإصدار قانون الحماية الاجتماعيَّة وعدًا تحقَّق، ونهجًا أصيلًا بدأته نهضة عُمان المتجدِّدة منطلقًا لأجندة عمل قادمة تحققها في مَسيرة البناء والتطوير، ورفع سقف الأنساق الاجتماعيَّة لأبناء شَعبه الوفي وعَبْرَ تغطية وحماية اجتماعيَّة مستدامة لمختلف فئات المُجتمع، محقِّقةً أفضل معايير البناء الاجتماعي القائم على تعزيز كفاءة وجودة الحياة وتحقيق الرفاه والعيش الكريم للمواطن، وتحقيق الأمن الاجتماعي والحياة الكريمة للمواطنين من خلال تحسين مستوى المعيشة، لتتَّجه رؤية المنظومة في تعزيز جودة الحياة وتحقيق الرفاه النَّفْسي والاجتماعي للمواطن، وترسيخ مبدأ الاستثمار الاجتماعي بما يُعزِّز من استدامة التنمية ويؤصِّل لروح التغيير في فِقه المواطن نَحْوَ الأفضل، وبما يحفظ حقوق الأجيال الحاليَّة والمستقبليَّة.
وجاء نظام الحماية الاجتماعيَّة ـ وعد تحقَّق ـ شاملًا لمختلف فئات المُجتمع، متوازنًا فيما طرحه من منافع وبرامج وفرص وتوجُّهات وأُطر، يتواكب مع احتياجات المواطن العُماني منذ مراحله الأولى آخذًا بطبيعة وظروف كُلِّ مرحلة عمريَّة، أو ما يحصل فيها من تغيُّرات وظروف طبيعيَّة أو عارضة، كما يستشرف في ظلِّ المنافع التي يُقدِّمها جانب التحوُّل الحاصل في حالة الأُسرة والسلوك الاجتماعي. ولعلَّ ما يتَّسم بها القانون من استيعابه لكُلِّ مُكوِّنات وأطياف المُجتمع العُماني، ضِمْن نظام وطني تشريعي وتنظيمي متكامل راسخ في مرجعيَّة، واضح المعالم، محدَّد الأُطر، متكامل الأدوات، متناغم الأهداف، متفاعل مع الأحداث والمستجدَّات، مُحقِّق طموحات المواطن، مستجيب للظروف والمتغيِّرات ويمتلك حدس التوقُّعات بطبيعة التحوُّلات القادمة، تحمل في معانيها الكثير من الدلالات المعنوية؛ ترسيخًا للعدالة في الحصول على المنافع النقديَّة. فمسار الاتِّساع والشموليَّة في النظام يظهر من خلال ما تضمَّنه القانون من شقَّين رئيسين هما: برنامج المنافع النقديَّة للعُمانيين حيث تنوَّعت المنافع النقديَّة لتشمل فئات: منفعة كبار السِّن، ومنفعة الأطفال، ومنفعة الأشخاص ذوي الإعاقة، ومنفعة الأيتام والأرامل، ومنفعة دعم دخل الأُسرة، بالإضافة إلى البرامج التأمينيَّة في منظومة الحماية الاجتماعيَّة، حيث تشمل فروع التأمين الاجتماعي للفئات: كبار السِّن والعجز والوفاة، وإصابات العمل والأمراض المهنيَّة، والأمان الوظيفي، وإجازات الأمومة والأبوَّة، والإجازات المَرضيَّة والإجازات غير الاعتياديَّة، ونظام الادخار، وبِدَوْره يراقب الصندوق الأوضاع الماليَّة للبرامج التكميليَّة التي تديرها جهات أخرى.
عليه، فإنَّ هذه الصورة الإيجابيَّة التفاؤليَّة التي يحملها نظام الحماية الاجتماعيَّة وأطَّرها القانون؛ جاءت عاكسة للظروف والمتغيِّرات، ومشخِّصة للواقع، وواضعة الحلول للكثير من التحدِّيات والمشكلات التي أفرزتها المتغيِّرات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة وألْقَتْ بظلالها على حياة الفرد والأُسرة والمُجتمع، إذا ما نظرنا لأثَر البُعد الاقتصادي والمعيشي وتداعياته على الأمن الاجتماعي ذلك أنَّ رفع واستقرار المستوى المعيشي للمواطن سوف يقلِّل من الجرائم بمختلف أشكالها وأصنافها، خصوصًا مِنها الجرائم الاقتصاديَّة والواقعة على المال التي شكَّلت ما نسبته 32% من بَيْنَ تصنيف الجرائم في سلطنة عُمان في عام 2021، خصوصًا تلك المتعلِّقة بالسرقة والابتزاز والاحتيال والرشوة والتزوير، بما يشير إلى أنَّ البُعد الاقتصادي يُمثِّل اليوم التحدِّي الأكبر الذي يواجه المُجتمع، والسَّبب الرئيس لانتشار الجريمة وزيادة عدد الجناة، وبالتَّالي سيضْمَن تطبيق التقليل من ارتكاب هذه الجرائم. فعلى سبيل المثال، شكَّل الجناة الأحداث ممَّن هم دُونَ سنِّ 18 عامًا ما نسبته 3.8% من نسبة الجناة في سلطنة عُمان، وبالتَّالي التوقُّعات بتراجع نسبة الجناة العُمانيين والجرائم ذات الصِّلة بالأموال في ظلِّ استشعار المواطن بما تُقدِّمه له هذه المنظومة من منافع نقديَّة، وأنَّه جزء من هذه المنظومة يشارك فيها بفاعليَّة؛ كونه يصنع مِنْها مساحة أمان لبناء أرضيَّة صلبة تقف عليها المنظومة ويستشعر مسؤوليَّته نَحْوَها وضرورة محافظته على هذه المكاسب المتحقِّقة وعدم العبَث بها، بل أن يكُونَ عونًا لأن تصلَ إلى مستحقِّيها من الفئات المحدَّدة في منظومة الحماية الاجتماعيَّة، على أنَّ ما يؤكِّد هذا الأثر الإيجابي القادم في دَوْر هذه المنظومة في تحقيق الأمن الاجتماعي والإنساني أنَّ هذا الاتِّساع والشموليَّة في الفئات والبرامج التأمينيَّة ارتبط بمفهوم إدارة المشاعر ووضعت المواطن أمام استحقاق وطني بكُلِّ ما تعنيه الكلمة من معنى، فهو المقصود من هذه المنظومة، ونجاح المنظومة يعتمد بالدرجة الأولى على مستوى الوعي المُتحقِّق والتفاعل النَّوعي والاستشعار النابع من القلب بما يُمكِن أن تحقِّقه له هذه المنظومة على المدى البعيد، وأنَّ عليه أن يتخلَّى عن ما علق بذاته من أنانية وأثَرة، وتغيير قناعاته حَوْلَ الكثير من التوجُّهات الوطنيَّة والصورة السلبيَّة القاتمة التي بات يسقطها البعض على المشروعات المستهدفة من قِبل المؤسَّسات، ليثبت في قرارة نفسه وقناعات ذاته وللآخرين ويسطِّر للأجيال القادمة عبارات الولاء والعرفان، لهذا الوطن العظيم وسُلطانه المُعظَّم بأنَّ منظومة الحماية الاجتماعيَّة تجسيد أصيل لإنسانيَّة الإنسان في فكر جلالة السُّلطان، وإعلاء من شأنه وفتح نوافذ الأمل له لقادم أفضل، وأنَّ ما تحمله هذه المنظومة من فرص ونجاحات واستحقاقات وتعابير ومشاعر إيجابيَّة وفرح وابتسامة وتبديد للقلق والخوف من المستقبل إنَّما يجِبُ أن ينعكسَ على قراءته لرؤية «عُمان 2040» وتوجُّهات الدولة في مختلف القِطاعات؛ ذلك لأنَّ نظام الحماية الاجتماعيَّة إنَّما هو أحد مستهدفات رؤية «عُمان 2040» كما أشرنا سابقًا، ويُمكِن القول إنَّ نظام الحماية الاجتماعيَّة أولى بوادر النجاح المتحقِّقة للرؤية والمُحقِّقة لطموحاتها والطريق لتحقيق التحوُّل الشامل، الذي يجِبُ أن يبدأَ من الإنسان، ويُعبِّر عن ما يُمكِن أن يُحقِّقَه هذا الإنسان في مستقبل الوطن. وهنا يأتي دَوْر المواطن اليوم في أن يصنعَ من نظام الحماية الاجتماعيَّة محطَّة تحوُّل وتجديد للذَّات والتقاط الأنفاس ومدخل التغيير القادم وإنتاج الوعي ورفع حسِّ المبادرة، كأساسيَّات تحتاجها رؤية عُمان وتستلهم مِنْها الإخلاص والتفاني في خدمة الوطن والحفاظ على قِيَمه ومكتسباته وصون أمْنِه واستقراره والإسهام في نمائه وازدهاره.
ويبقى صدور قانون الحماية الاجتماعيَّة محطَّة لقراءة الوطن شموخه وقوَّته وعزَّته ونهضته وتجليَّاته في ما يؤسِّسه نظام الحماية الاجتماعيَّة من مرتكزات في العمل الوطني المسؤول والأداء المؤسَّسي الكفؤ، في عطائه المتجدِّد واحتوائه لكُلِّ أبناء عُمان ليصنعَ مِنْهم قوَّة قادمة للبناء والتطوير، ويجدِّد فيهم عزيمة الإرادة وحسَّ الشعور وثقافة الوعي وبناء الضمير، ويمنحهم مساحة أكبر للتنافس وإثبات الذَّات وتجريب القدرات، وامتثال القدوة والنموذج والمثال في التعامل مع المواقف وإدارة الظروف، خيوط ممتدَّة للمحافظة على المكاسب ورفع سقف الفرص، واستحقاق وطني يتناغم مع مرتكزات بناء عُمان المستقبل؛ فإنَّ ما يُمكِن أن يحقِّقَه نظام الحماية الاجتماعيَّة في ظلِّ مرتكزاتها وأهدافها وغاياتها والطموحات الوطنيَّة نَحْوَها، وما باتت تسقطه من براهين وشواهد نجاح، أو باتت تحمله للمستقبل من فرص العدالة الاجتماعيَّة وتكافؤ الفرص، في استنهاض للذَّات العُمانيَّة وإعادة إنتاج لمسار التفكير بما أفصحت عنه ردود الأفعال الإيجابيَّة في منصَّات التواصل الاجتماعي استبشارًا بصدور قانون الحماية الاجتماعيَّة، مبعث فخر واعتزاز، وولاء وعرفان لمجدِّد النهضة المباركة.
أخيرًا، أوَدُّ التأكيد على أنَّ هذه الصورة التفاؤليَّة المُشرِقة والإيجابيَّة والفرح والسرور التي تلقَّى بها المواطن قانون الحماية الاجتماعيَّة يجِبُ أن تستمرَّ، وأن تظلَّ في أعلى مستوياتها، بما يلقي على صندوق الحماية الاجتماعيَّة والقائمين على صياغة بنود وأحكام اللائحة التنفيذيَّة من مسؤوليَّات أخلاقيَّة ووطنيَّة واجتماعيَّة في المحافظة على هذا الشعور، والعمل على تعزيزه بحيث تجسِّد اللائحة التنفيذيَّة روح القانون، وأن تأتيَ على درجة عالية من السهولة والبساطة والمرونة، وأن تتجنب وسلوك التعقيد والتقييد المُفضي إلى السلبيَّة والذي يشعر فيه المواطن بنَوْع من الإحباط، بل أن تمتلك مساحة أكبر للخيارات وفرصًا أوسع للتفاعل مع الظروف وتقدير الأوضاع وتحقيق مبادئ الرحمة والعطف، متناغمة مع الغاية الكبرى والمهمَّة العظيمة التي جاء من أجلها نظام الحماية الاجتماعيَّة. إنَّ إصدار قانون الحماية الاجتماعيَّة والدلالات التي حملها في قناعات المواطن والمكاسب التي حقَّقها، والفرص التفاؤليَّة التي أصَّلها في قناعات المواطن يجِبُ استثمارها اليوم بشكلٍ كبير في تعزيز وعي المواطن، والمحافظة على استحقاقات البناء الوطني في أن يكُونَ داعمًا للتطوير والتجديد في ظلِّ ما بات يظهر من إحباط وقلق حَوْلَ بعض الملفات والمستقبل الغامض الذي يكتنفها ليبدِّدَ قانون الحماية الاجتماعيَّة ولائحته التنفيذيَّة كُلَّ المخاوف والشكوك والضبابيَّة، ويفتح للمواطن آفاقًا رحبة لجودة الحياة والعيش الكريم.
د.رجب بن علي العويسي