أيها الإنسان كن على يقين تام بأن الله هو الصمد، الحفيظ، اللطيف، الغفور، القريب، فلا يستطيع العالم بأسره أن يمسك بسوء لم يرده الله لك، ولا يستطيع العالم من الإنس والجن أن يدفع عنك سوءًا قدره الله عليك، فإذا حاصرتك الحاجات، وداهمتك الخطوب، والتفت من حولك الهموم والغموم، فالجأ إلى الله الصمد الذي سيمدك بكل ما تحتاجه لتكون قويًا في هذه الحياة، وتتغلب على كل المصائب والمصاعب والنوائب. إن في أعماق كل إنسان، وداخل كل خلية، وحول كل شريان، أشياء تعرف الله جيدًا، وتسجد له وتسبحه، فالحياة بكل تجلياتها تهمس وتقول لك الذي تبحث عنه إنه الله على عرشه يسمعك”الرحمن على العرش استوى”.
فلا تحملوا أنفسكم أيها الإخوة والأخوات أكثر من طاقتها، ولا بد من التعرف على كيفية التحكم بضغوط وأعباء الحياة، فيحكى أن أحد المحاضرين في محاضرة له عن التحكم بضغوط الحياة، رفع كاسًا من الماء وسأل طلابه، ما الوزن الذي تعتقدون أنه يزنه هذا الكأس؟ فتراوحت الإجابات بين 50 إلى 500 جم، فأجاب المحاضر: لا يهم الوزن المطلق لهذا الكأس، فالوزن هنا يعتمد على المدة التي ستظل ممسكًا فيها هذا الكأس، فلو رفعته لمدة دقيقة لن يحدث شيء، ولو حملته لمدة ساعة فستشعر بألم في يدك، ولكن لو حملته لمدة يوم فسيستدعون سيارة إسعاف، فالعبرة هنا كلما ظلت الهموم والأحزان والمشاكل في نفوسنا مدة طويلة أثرت علينا وأصبحنا متأثرين بها وفي حالة نفسية صعبة.
ويتوجب علينا أن لا ننتظر المشاكل تقع علينا حتى نجد حلولا وخيارات أفضل لحياتنا، بل علينا بين فترة وأخرى وضع خُطط وسُبل لتحسين حياتنا، كما فعل الحطاب الإفريقي، الذي كان يسلك لمدة عشرين عامًا طريقًا واحدًا للغابة؛ ليحتطب ويكسب قوت أولاده، وذات يوم هطلت أمطار غزيرة، وسدت الطريق صخرة كبيرة، فلم يستطع الحطاب أن يصل إلى الغابة من ذلك الطريق الذي لا يعرف غيره من عشرين سنة، ولكنه حاول أن يجد له طريقًا آخر يوصله للغابة لكي يحتطب، فوجد طريقًا أقرب من الطريق السابق، ونوعية الحطب أفضل وأحسن جودة من السابق، وهنا يتبين لنا أن علينا البحث عن الحلول وتجاوز الصعوبات والتحديات وترك الهموم والأحزان، والبحث دائمًا عن حياة أفضل لنا ولأولادنا وأسرنا، وعدم الاستسلام واليأس، وترك الخوف والقلق لأن الله معنا وهو اللطيف الخبير.
ونحن لدينا الحلول إن فكر بها، ولكن الأمر يتطلب أولًا أن نغير قناعاتنا السابقة القديمة السلبية المعشعشة في عقولنا، وسنكتشف بعدها أننا قادرون على تجاوز الكثير من الأمور، وقصة “مسألة الرياضيات مستحيلة الحل”، هي خير مثال على ذلك، ففي إحدى الجامعات في كولومبيا حضر أحد الطلاب محاضرة مادة الرياضيات، وجلس في آخر القاعة ونام، ثم استيقظ بعد مُغادرة المحاضر القاعة، فوجد المحاضر قد كتب على السبورة مسألتين؛ فنقلهما وخرج من القاعة، وعندما عاد إلى البيت بدأ يفكر في حل المسألتين، ومكث أربعة أيام حتى تمكن من حل المسألة الأولى، وعندما قدم الواجب إلى الدكتور المحاضر، تعجب الدكتور وقال بأنني لم اعطكم أي واجب، والمسألتان اللتان كتبتهما على السبورة كانتا أمثلة كتبتها للطلاب للمسائل التي عجز العلم عن حلها. وهنا لو كان الطالب مستيقظًا وسمع كلام الدكتور؛ لما فكَّر في حل المسألة، فالقناعة السلبية جعلت الكثير من العلماء لا يفكرون حتى في محاولة حل هذه المسألة، وللعلم هذه المسألة ما زالت بورقاتها الأربع معروضة في الجامعة.
علينا الثقة بالله وتعلق القلب به، وأن مرحلة الأحزان والوساوس والكروب ستنتهي تمامًا إن وجه الإنسان بوصلة اهتمامه إلى رب السماء، فعندما انقطعت الأمطار، وأصبحت الدنيا قاحلة على عهد نبي الله موسى عليه السلام، خرج هو وقومه وهم مئات من الرجال والنساء والأولاد، فرأى موسي عليه السلام نملة خرجت رافعة يديها إلى السماء صامدة إلى رب السحاب، فعلم موسى عليه السلام أن هذا الصمود، وهذا الذل من النملة لن يعقبه إلا هطول السماء بماء منهمر، فقال لقومه، ارجعوا فقد كُفيتم، فعادوا على صوت الرعد، ورذاذ المطر! من ينجي السفن من الغرق، وركابها من الموت، والرياح والإمواج في البحار تعصف بهم سوى الله جل جلاله، فلا عبور لأي رغبة إلا من طريق الله، ولا وجود لأي حاجة إلا في ساحة الله، ولا إمكانية لحدوث شيء إلا بالله، فإنه وحده الذي لا حول في الوجود ولا قوة إلا به، ولا يمكن لخلية أن تتحرك، ولا لذرة أن تكون، ولا لقطرة أن تتبخر، ولا لورقة شجر أن تسقط، إلا بحول الله وقوته، فاجعل وجهك خالصًا لله، والجئ ظهرك لله، وفوض أمرك كله لله.
إذا شعرت أن حياتك في خطر، والمرض يهدد صحتك، ومالك قد تخسره بأكمله، وخشيت على ولدك من الضياع، فاعلم أن الله هو الحفيظ، الحافظ على صحتك وحياتك، والحافظ على أموالك وأولادك، والذي يحفظ كل شيء في هذه الحياة، فيا أيها القلب اطمئن، فالحفيظ يحفظ أوليائه من كل شر ومكروه، ويحفظهم من الوقوع في الذنوب والهلكات، ويلطف بهم في الحركات والسكنات، لذلك نستودعه سبحانه وتعالى أحبتنا عندما نفارقهم ونقول: أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، ومن المستحيل أن تضيع الودائع التي أسبغ عليها الله حفظه وأحاطها برعايته. ولاسم الحفيظ مع كل مخلوق قصة، فهو لا يخلق خلقه ثم يتركهم، بل يحفظهم ويمدهم بالوسائل التي يتغلبون بها على صعوبات الحياة، والله يدافع عن المؤمنين، فهو لعباده المؤمنين حفيظ، فلا يتسلل الخوف إليهم، وتتشتت المخاوف، وتزول الرهبة، ويذوب التوجّس، ويقول الشاعر:
وإذا العناية لاحظتك عيونها // نم فالمخاوف كلّهن أمانُ
فالله يحفظ عباده بالملائكة، فمن يقرأ آية الكرسي قبل أن ينام، أوكل الله به ملكًا يقوم على رأسه يحفظه مما لم يقدّره الله عليه حتى يصبح، واجعل قلبك أيها الإنسان معلقًا بالله، رغم ضعفك، وفقرك، وقلة حيلتك، وردد:
الزم يديك بحبل الله معتصمًا // فإنه الركن إن خانتك أركان
وتأملوا الحديث الشريف جيدًا: “يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة”. ولا همّ ولا غمّ ولا كرب يقارب هم وغم وكرب ذي النون نبي الله يونس عليه السلام، في ظلمات ثلاث: ظلمة البحر، وظلمة الليل، وظلمة بطن الحوت، يا لها من حياة بئيسة تلك التي ستقضيها إلى أبد الآبدين في بطن الحوت، في ظلام، وضيق، واختناق، ثم يواجه ذلك الكم من الكروب بكلمات بسيطة ولكنها عظيمة: “لا إله إلا انت سبحانك، إني كنت من الظالمين” فتصعد تلك الكلمات فتخترق ظلمة الحوت، وظلمة البحر، وظلمة الليل، فتصعد هذه الكلمات إلى السماء، فتقول الملائكة: يا رب صوت معروف من مكان غير معروف! فيأتي من الله الفرج والعفو، فيلقيه الحوت بالساحل، وينبت عليه الحفيظ شجرة من يقطين. كلنا في هذه الحياة كذو النون، والحياة قد تكالبت علينا بكروبها، ولن ينجينا منها إلا دعاء ذا النون: “لا إله إلا أنت سبحانك،إني كنت من الظالمين”.
حمد الحضرمي / محامٍ ومستشار قانوني