في فترة الأجيال السابقة كانت تجمعات الأهل والجيران والأصدقاء حاضرة بشكل مباشر، وحتى المارة يجلسون ويتبادلون أطراف الحديث فيما بينهم مع فنجان القهوة ورائحة الهيل والزعفران وعفوية القلوب وسخاء النفوس وتواضع المكان، ومع تلك الأحاديث يأخذون المواثيق والعهود والوعود بأن هذا الكلام في جلستنا ومجموعتنا يعني ( سر ) ولا يخرج من دائرة ومحيط تلك المجموعة، والجميع يعاهد بكتمان ( السر ).
وفي جيل اليوم تطورَ جلوس المجموعات فأصبح على ( النقال ) بمسمى “الجروب”، ومن منّا الآن ليس عضوًا في مجموعة من مجموعات مواقع التواصل الاجتماعي على اختلاف أنواعها، سواءًا على مستوى الأسرة أو العمل أو الأصدقاء، بحيث لا نستطيع الاعتذار عن الاشتراك ولو على استحياء في المشاركة وإبداء الرأي فيما يتم تداوله في هذه المجموعات، ونكتفي في كثير من الأحيان بالسكوت والتحفظ على بعض المتداول والمنشور فيها، نعم أصبح التجمع خلف الشاشات الصغيرة وتركنا التجمعات المباشرة إلا الفئات القليلة من المجتمع وليست مستمرة، على كل حال رضينا بهذا الواقع، ولكن القليل من الأعضاء يعلمون أن هذه “الجروبات”هي بيئات خطرة عندما يتم خلالها تناقل مشاركات ويقول صاحبها هذه المداخلات خاصة لأعضاء هذا الجروب فقط ولا نقبل تداولها، وأنتَ تتابع وتشاهد إشارات التأييد، وكلام ( تم واعتمد وأبشر ولا تحاتي وسرك في بئر نحن رجال ) يمنحك ذلك الاطمئنان، وتقول في نفسك ونِعمَ الرجال حافظين الود وكاتمين الأسرار، ولكن للأسف لحظات بسيطة وتجد رسالتك سواءًا كانت نصية أو صوتية قادمة إليك من أفراد ومجموعات أخرى، وهنا تُصاب بالدهشةِ التي تجعلكَ تعيش في حالة هستيرية، وتتساءل من الشخص الذي يدّعي الرجولة وسربَ رسالتي.
نحنُ نعيش في دُنيا وتمر علينا اختبارات صعبة، وضغوطات نفسية مرهقة للجسم والعقل والفكر تجعلنا أحيانًا نخرج عن المألوف، وتفلت منا الأعصاب بشكل لا إرادي، وفي لحظة غضب تكون مداخلاتنا قوية نوعًا ما فليعذر أحدنا الآخر، وكما أسلفت مجالسنا في هذا الزمن هي ( الجروبات ) ويجب علينا عقد هذه المجالس بالوفاء والأمانة على ما يجري فيها من أمور، وعلينا أن نكتم ونحفظ أسرار بعضنا البعض، ولا يحلُ لنا أن نُفشي عن إخواننا واصدقائنا ما لا يحبون أن يخرج عنهم حتى ولو كانت هناك بين شخص وآخر خلافات وسوء فهم جديدًا كانَ أو قديمًا، جمعنا الله على الود والمحبة وصفاء القلوب وطهارة النفوس دائمًا.
خليفة البلوشي