على بساطٍ أحمديٍّ في مؤسسة لتعليم اللغة الإنجليزية بالمملكة المتحدة، و في لقاء حواري جميل، دار حديثٌ ماتع مع السيدة شيرو (المكلفة بإدارة المدرسة في فترة إجازة مالكها تيم ومديرتها زوجته أماندا) تخلله تطواف حول الكثير من الجماليات المعرفية والاجتماعية والتربوية وغيرها.
بدت شيرو بشغفٍ كبير و هي تحاول التعرف على طبيعة وجغرافيّة بلادنا العزيزة (سلطنة عمان) التي لم تزرها بعد، وأسهبت كثيراً في محاولة الإلمام بالجوانب الاجتماعية والثقافية والأشياء الجميلة والإيجابية، مستمتعةً بالحديثِ عن الأخلاقيات والممارسات المجتمعية.
عرّجَتْ بعد ذلك للحديث عن بعض تجاربها في الحياة، حيث أنها -في الأصل- من سُكّان مدينة الضباب (لندن) وُلدتْ ودرست وكبرت فيها (حيث تقول: قد تلاحظون ذلك من خلال لهجتي وطريقة كلامي) وكوّنت العلاقات الاجتماعية وعملت فيها، ثم انتقلتْ إلى مدينة ليفربول بعد سنوات من زواجها، بحكم أن زوجها تعود أصوله إلى تلك المدينة و لم يبقَ له في العاصمة شيء بعد عودة والديه إلى مسقط رأسيهما (ليفربول).
و هي تواصل حديثها، تنهّدت قليلا، وقالت: (أتعلمون ما هو السبب الحقيقي وراء بقائي مع زوجي بعيدا عن لندن؟!) إنها والدته !! نعم والدته الكبيرة في السن، فقد تكفلت برعايتها منذ عجزها وعودتها إلى مدينتها..
تلقائياً قلت لها: أنت محظوظة إذن !! قالت: (سأخبركم بأمر، نحن نعلم أن ثقافتكم تحتّم عليكم رعاية المسنين والأطفال والنساء وجميع فئات المجتمع) قلت لها: بل ديننا يوجب علينا ذلك!! ثم قالت: (في الحقيقة أنتم المحظوظون، أنا وغيري نتعلم منكم الكثير، تمسكوا بقيمكم النبيلة هذه)!
كانت السيدة شيرو تشير إلى الأخلاقيات التي تعلمناها في مجتمعاتنا المحافظة، و تؤمن أن فيها ما يحقق الإيجابية والسعادة المجتمعية، وكان مما قالته في حديثها: (أنا أؤمن أن رعاية الكبار في السن والإحساس بالآخرين ومساعدة الناس تجلب البركة، وأنتم تتفوقون في ذلك) و بلا شك فإن حديثها هذا كان مصدر فخر لنا بثقافتنا التي نستمد منها الترابط الأسري والرعاية الاجتماعية والتكافل الإنساني.
و في الواقع هي محقة تماماً، فهذه المنهجية التي نتّبعها في رعاية كبير السن أو الطفل أو المرأة أو أي فرد في المجتمع، إنما نستمدها من ثوابت عقدية اجتماعية، وأما استجلاب البركة بمثل هذه الأمور، فهو واقعٌ ونتيجة قد يشعر بها من يهتم بهذه الأعمال.
أسهبت شيرو في حديثها عن الجانب الاجتماعي الجميل في مجتمعاتنا، وإعجابها بالممارسات الايجابية فيها، وبكل تأكيد لم تكن هي أول من يثني ويتحدث بهذه الروح الطيبة، فالآخرون ينظرون إلى أخلاقياتنا وسلوكياتنا في التعامل مع مختلف فئات المجتمع على أنها نماذج فريدة ومتميزة.
لذا فإنه حريٌّ بنا أن نحافظ على هذا الإرث الاجتماعي، و أن نحرص على تعزيز هذه النظرة الإيجابية عن منهجنا التربوي في التعامل مع الآخرين، كما أنه حريٌ بنا ألا نقلل من شأن مجتمعاتنا بالحديث السلبي عنها، بل يتحتم علينا أن نكون حريصين كل الحرص على ترجمة هذه الأمور في واقعنا، ثابتين بالأسس والمبادئ المرسومة لسعادتنا وسعادة البشرية كلها.
م. علي بن طالب الشيادي