معركة طوفان الأقصى الدائرة منذ فجر اليوم 7 أكتوبر 23 تسجِّل حالة تحَوُّل كُبرى في إطار الصراع العربي ـ الصهيوني، فهي المرَّة الأولى التي يُنفِّذ فيها أبطال المقاومة الفلسطينيَّة مبدأ المبادأة في القتال بهذا الحجم من الصواريخ والقوَّات الراجلة التي استطاعت اختراق غلاف غزَّة والقتال داخل المستوطنات. ولا شكَّ أنَّ الأخبار والصوَر التي بُثَّت على وسائل الإعلام من قِطاع غزَّة ومن مختلف مناطق فلسطين المحتلَّة، حيث وصلت إليها صواريخ الشرف والكرامة، وحيث اقتحم الأبطال راجلين في غلاف مستوطنات غزَّة، لا شكَّ أنَّها أثلجت صدور أبناء الأُمَّة العربيَّة، وجمعت مشاعر العالَم الإسلامي على نبض واحد هو فلسطين، الله أكبر والعزَّة لله ولرسوله وللمؤمنين.
اليوم كتبت المقاومة في ذاكرة الصراع والتحرير والتاريخ حدثًا عظيمًا؛ إذ امتلكت زمام المبادرة، وهذا يحمل دلالات كبرى في إطار المواجهة، فمنذ انتفاضة الحجارة 87م وانتفاضة الأقصى المباركة 2000م مرورًا بجميع المواجهات مع العدوِّ المحتلِّ الصهيوني مِنْها عدوان يوليو ـ تموز 2006م، وعدوان 2008ـ2009م، وعدوان 2012م، وعدوان 2014م، وانتهاء بمعركة سيف القدس 2021م، في كُلِّ تلك المواجهات كان الصهيوني هو البادئ بالقتال، ولكنَّه لَمْ يستطع تحقيق أيَّة نجاحات على المستوى الحربي والاستراتيجي، وكُلُّ النتائج جاءت لصالح الفلسطينيِّين، وخصوصًا سيف القدس التي تسوَّل فيها الصهاينة لطلب الهدنة «قَتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ» صدق الله العظيم.
اليوم وفي الذكرى الـ50 لنصر أكتوبر المَجيد لعام 1973م، وهو آخر انتصار عربي حقَّقه العرب مُجتمعين على العدوِّ الصهيوني، اليوم يقول التاريخ إنَّ عجلة التحرير قَدْ بدأت منذ انتفاضة الحجارة ومَضتْ تصاعديًّا في كُلِّ المواجهات، ولكنَّها اليوم تفرز متغيِّرًا استراتيجيًّا، وهو أنَّ المبادأة والمبادرة سجَّلتها المقاومة في تغيُّر تاريخي لافت في حركة الصراع وعجلة التحرير، وبالتأكيد أنَّ هذا المُخطَّط الذي وضعته المقاومة قَدْ أعدَّت العدَّة لِمَا بعده وهي تعْلَم أنَّ قوَّات الاحتلال ستحاول الردَّ بعد امتصاص الصَّدمة، وهي تعْلَم أنَّها (أي المقاومة) قَدْ أعدَّت العدَّة. فعِندما اختار العدوُّ التوقيت كانت المقاومة على الموعد بالردِّ القاصف وصدحت صواريخها في أقصى شمال فلسطين المحتلَّة، ووصلت إلى مناطق الجليل الأعلى، وهكذا كان عِندما تجاوبت تلك الصواريخ في شهر رمضان المبارك 2022م في ترجمة عمليَّة بطوليَّة لمعادلة القدس ـ غزَّة. وهنا تؤكِّد المقاومة اليوم وهي قَدِ اختارت التوقيت أنَّها قَدِ استعدَّت لمجابهة أيِّ ردٍّ محتمل، وأنَّ صواريخ سيف القدس التي وصلت الجليل ويافا وعكا وصلت إلى مرحلة متقدِّمة لسانُ حالِها يقول نحن في معركة مقدَّسة بَيْنَ نصر واستشهاد معمدة مشروع التحرير العظيم على أرواح الشهداء وعلى بطولات أبناء الشَّعب الفلسطيني، وإنَّ غدًا لناظره قريب، وإنْ عُدتم عُدْنا والمقاومة على أتمِّ جاهزيَّة للردِّ والمواجهة، ومن في نهاية المطاف سيطلب الهدنة، هكذا هي المقاومة التي تكتب مشروعها بأحرف من نور.
وحدة السَّاحات غاية عظيمة يجِبُ أن تتحققَ اليوم مع انطلاقة ملحمة المقاومة الفلسطينيَّة، ويجِبُ أن تلتحمَ السَّاحات من الضفَّة إلى جنوب لبنان إلى مختلف السَّاحات التي تلتقي على نَفْسِ الأهداف المشروعة وهذا ما نأمله. اليوم الكيان الصهيوني يتصدَّع من الداخل، ويجِبُ استثمار هذه المرحلة بوحدة السَّاحات، وهي لا شك واحدة من ملاحم التاريخ، فهنيئًا لكم أيُّها الأبطال أنتم بَيْنَ نصرٍ واستشهاد، وهنيئًا لهذا الشَّعب الفلسطيني العظيم الذي يقدِّم اليوم ملحمة تاريخيَّة في سجلَّات الشرف والكرامة لِيرسمَ مشروع التحرير الذي لا مناصَ عَنْه الله أكبر والعزَّة لله ولرسوله وللمؤمنين.
خميس بن عبيد القطيطي