ضجة كبيرة ثارت في مواقع التواصل الاجتماعي، حول خطبة الجمعة الماضية التي كانت بعيدة كلّ البعد عن الواقع، بعد أن تناولت موضوع التسول، في وقت يخوض فيه الفلسطينيون معركة مشرفة نيابة عن الأمة كلها.
أعلم تماما أنّ خطب الجمعة لا تأثير لها للمتلقي؛ إذ هي مجرد كلام ينتهي بانتهاء الخطبة. هذه حقيقة يجب أن نعترف بها، ولكن نقول -مع ذلك- هناك أمور ينبغي مراعاتها في إعداد الخطب، ومنها أن تعايش الواقع، وأن تتناول الموضوع المناسب في الوقت المناسب، وألا تكون في واد والناس في واد آخر، مثلما حدث يوم الجمعة الماضية، فقد فصَلت الخطبةُ الناس عن الواقع، وكانت بعيدة كلّ البعد عمّا يشغلهم في يومهم من الصباح والليل، وهو عملية «طوفان الأقصى» التي أصابت أسطورة إسرائيل الأمنية والعسكرية والاستخبارية في مقتل، وفضحت هشاشة التحصينات والجدران التي أنشأتها لحماية وعزل نفسها عن الفلسطينيين المحاصرين أكثر من سبع عشرة سنة.
الموقف العماني الرسمي والشعبي ثابت مع القضية الفلسطينية، وقد جدده جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم أثناء رئاسته لاجتماع مجلس الوزراء يوم الأربعاء الماضي (11 أكتوبر 2023) عندما أكد تضامن سلطنة عُمان مع الشعب الفلسطيني الشقيق، ودعمه لكافة الجهود الداعية لوقف التصعيد والهجمات على الأطفال والمدنيين الأبرياء، وإطلاق سراح السجناء وفقًا لمبادئ القانون الإنساني الدولي، وضرورة اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤولياته لحماية المدنيين وضمان احتياجاتهم الإنسانية، ورفع الحصار غير المشروع عن غزة وباقي الأراضي الفلسطينية، واستئناف عملية السلام لتمكين الشعب الفلسطيني من استعادة كافة حقوقه المشروعة بإقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وفق مبدأ حل الدولتين ومبادرة السلام العربية وجميع القرارات الأممية ذات الصلة، حسب بيان مجلس الوزراء. كما أنّ سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي مفتي عام سلطنة عمان قد وجّه كلمة الجمعة الماضية (13 نوفمبر 2023) حيّا فيها المقاومة الفلسطينية، ودعا إلى نصرة الإخوة الفلسطينيين وشد أزرهم، ومساندة قضيتهم العادلة، «لأنّ القضية ليست قضية قومية أو إقليمية؛ وإنما هي قضية عقيدة».
وإذا كان الموقف العماني الرسمي المعلن هو هذا، وموقف مفتي عُمان هو هذا، فما الضير أن تتناول الخطبة ما تتعرض له غزة، وما يتعرض له الفلسطينيون؟!
قد يرى البعض أنّ الحديث عن «طوفان الأقصى» في الخطبة هو مجرد كلام مثل الكلام عن التسول، لكن المسألة هنا تختلف تمامًا، إذ إنّ تناول الموضوع بعد اجتماع مجلس الوزراء هو إظهار التضامن والتعاطف مع الأشقاء الفلسطينيين، مصداقًا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»؛ فالذي لا يهتم بأمور المسلمين والدفاع عنهم في ظروف كهذه حتى ولو بكلمة، فهو قد يكون بعيدًا عنهم، وهذا هو الحاصل الآن إذ يُضطهد المسلمون في الهند والحبشة وميانمار وفي أكثر من قُطر في قارات العالم، ولا يجدون نصيرًا ولو بخطبة منبرية.
لقد تابعتُ الخطب في بعض الدول الشقيقة، وكانت معظمها عن غزة والدعاء لأهلها بالنصر والتمكين، وذلك أضعف الإيمان، ولا أتحدّث في مقالي هذا عن المواقف العربية المُخذِلة والمخزية؛ فذلك موضوع آخر ليس مكانه هنا، ولكن ما أود قوله أنّ تناول طوفان الأقصى في الخطبة، يبعد الاحتقان عن الناس، بل يبعدهم عن المظاهرات؛ لأنّ هناك من عبر عنهم رسميًا بعيدًا عن وسائل التواصل الاجتماعي.
موضوع خطبة الجمعة أصبح شائكًا ويحتاج إلى مقالات كثيرة.
وإذا كنتُ قد أشرتُ سابقًا إلى ضرورة اختيار الموضوع المناسب في الوقت المناسب، فإنّ أيّ تأخير في تناول موضوع غزة الآن لا قيمة له، فهو يشبه أن يذهب الناس إلى الحج بعد انتهاء الموسم. وما زلت لا أعرف سبب تجاهل غزة في الخطبة، رغم الموقف الرسمي المشرف والمعلن عنه رسميًا، ورغم المواقف الشعبية العمانية المؤيدة للقضية الفلسطينية.
زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم بالشأن العربي ومؤلف كتاب «الطريق إلى القدس»