وما زال الجرح يبوح
بوح الجرح العربي
على حجم السماء لنا ديارُ
ولكن ما لنا فيها قرار
نَفِرّ من المآسي للمآسي
وهل يجدي لنا هذا الفِرار
شدونا والدموع على القوافي
ونبكي حين يوجعنا الصَغار
عروبتَنا، انتشيتِ أسى وحزنا
وقد عصفت عواصفك الكثار
هزِلنا في عواصفنا كثيرا
وعند (الحزم) عاث بنا الغبار
يكون هدوؤنا إلا علينا
وكم جار يُغير عليه جار
وكم حرم أبيح بساكنيه
ولا قربى ترد ولا جدار
عروبتُنا بلا لغة تماري
وحرفاها التعصب والخوار
يمر الليلُ ملءَ مؤامرات
علينا ليس يكشفها النهار
يمر الليل تلو الليل فينا
وملء نهارنا الغافي خسار
فلا موسى لتنقذنا عصاه
ولا خضر ليعرف ما يدار
ولا نوح بفلك فيه ننجو
إذا التنور فاض به الدمار
دمــوعٌ في مآقينا غِزارُ
وآلامٌ على ألــــم ٍتُـثارُ
ويمنعنا عن الآهات صبرٌ
ويمنع دفـقةَ الدمع الوقارُ
ولو أنّا بكينا ما سكتْنا
ولا الآهاتُ يوقفها اصطبارُ
كأنّا قد خُلقنا للمآسي
فلا أرضٌ تقومُ ولا ديارُ
إذا ما الشرقُ من جرح تشكّى
فما للغربِ للشرقِ اعتبارُ
إذا هدأتْ حروفي في شمالٌ
أثار جنوبَها خطبٌ يُدارُ
أرى شوقي يصف لنا المراثي
وينشدها على الجرحى نزار
وتعبر في الجراح يد الرواحي
يضمدها ولا برأ الضرارُ
يضج الحرف في مصر كئيبا
ويشرب نيلها والنيل نارُ
ولي في الشام زيتون ولكن
على زيتونها انطفأ الفنار
وهامُ الشامِ ذابَ التاجُ فيها
ليحرقَها وللشعبِ انصهار
سلامي للعراق فبلغوها
إذا ما زال في النخل اخضرار
إذا ما زال دجلته يغني
وعند ضفافه يشدو الهزار؟
وباليمن السعيد وجوه حزن
تريد السعد إذ فات القطار
سفيني في الخليج بلا شراع
ولا مرسى وقد جمدت بحار
نوارسنا تهاجر بالأماني
بلا عود وقد طال انتظار
وللأقصى الأسيرِ صراخُ ذلٍّ
وقد بُحَّ النداءُ ولا يجارُ
لقد مر الربيع بنا كئيبا
ربيع !! آه ما هذا الهذار
ربيع!! والطيور بلا عشوش
ويخنق نضرة المرج اصفرار!!
يجيء الصيف تلهبنا يداه
وقد كُسرت عن اللبن الجِرارُ
وقومي في شتاء العز ناموا
وداروا حيث مصلحةٌ تدار
فصرنا في بقايانا خريفا
يبعثرنا يمينٌ أو يسارُ
إذا العربيُّ صاح بكل شكوى
فلا سمع لصيحته يعار
وإن هدموا عليه الدارَ عمدا
فليس له ولا حتى اعتذار
لنا في القولِ ألسنةٌ طوالٌ
وفي الأفعالِ أيدينا قصارُ
تَشتتنا، ويجمعنا خلاف
توحدنا، وفرقنا ازورار
لنا التاريخُ آثارٌ لمجدٍ
وللمجدِ امتدادٌ وانحسارٌ
نكررُ عزفَ ماضينا بفخر
ولا يوما يكررُنا انتصارُ
بنو قومي هنا كانوا أباة
وقد مروا وللأثر افتخار
لقد كانوا على صغر كبارا
وهذا الدهر أكبرهم صغار
وقد كانوا على فقر غناة
ولم يوقف فتوحهم افتقار
كأنا لا نعيش هنا بروحٍ
ولا أجدادُنا الأبطالُ صاروا
بغير الحب إنا سوف نفنى
فما للكره بين الأهل دار
متى يأتي معاوية عليا
يقبل رأسه فيذوب ثار
متى يعلو على الجمل التصافي
بلا صفين حين خبا المنار
وعين النهروان متى ستجري
لتخضرَّ القوافي والقفار
متى نعلي الكتاب بكل قلب
بلا سيف إذا احتدم الشجار
متى لمحمد منا رجوع
متى القرآن فينا يستشار
نعود إلى الذين سطوا علينا؟
متى للشاة ذئب مستشار
فمسجدنا التسامح والتآخي
متى سكن المحاريب انفجار؟
أهيل العلم والفتوى أشيروا
فما للشعر في الأمر اقتدار
نبث شكاتنا في كل سطر
لعل يمر بالشكوى قرار
تضيق حياتنا ويضاق منا
إذا ما كان للدين احتكار
يوزَّع كيف شاء أولو الدعاوى
وما للحق سير أو مسار
ألا يا دمعتي احتبسي فإني
كحالك بات يمنعني الحصار
ولي أمل سأحمله لقبري
وآمال الضعيف له شعار
سأهتف ريثما تحكي المنايا
فعند الموت لا يجدي الحوار
هلال بن سيف الشيادي