تحتفل قوات السلطان المسلحة بيوم القوات المسلحة الحادي عشر من ديسمبر، تأريخ مجيد يحمل ذكرى النصر المؤزر الذي حققه أبناء عمان ورجالاتها الكرام على قوى البغي والفتنة في جبال ظفار العصماء، فكان يوم النصر، تخليد عسكري من لدن باني نهضة عمان الحديثة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه، تتويجا لاستحقاقات النصر، وتثمينا لما حققته قوات السلطان المسلحة وأجهزة الامن الساهرة وقوات الفرق الظافرة، ليبقى شاهد اثبات حي، يحمل العزة والفخر بجنود عمان البواسل وجيشها المغوار، وليبقى هذا التاريخ ذكرى يفخر بها كل مواطن عماني، ومدرسة في الجندية العمانية الباسلة يتعلم منها أجيال عمان معاني الصبر والدفاع عن الوطن والتضحية من اجله والوفاء له والولاء لجلالة السلطان، وتعظيم قيم العسكرية العمانية في حياة الناشئة، وفرصة لالتقاط الانفاس، واستدعاء العقل الجمعي العماني في التأمل في تلك الأحداث، وحجم التضحيات التي قدّمها أبناء عمان من اجل وطنهم ، ورفعة شأنه وإعادة أمجاده والانطلاقة به نحو مستقبل مشرق.
وإذ كان الاحتفال بهذا اليوم يمثل محطة تحول في مسيرة البناء الوطني، فإن استشعار عظمته وتعظيم مكانته واستحضار الدروس والعبر منه ، وتعليم الأجيال المفاهيم والمفردات والقيم العسكرية، وما حملته العسكرية العمانية من مبادئ وأخلاقيات ومرتكزات ومنهجيات وأساليب وما ارتبط بها من خصوصية تجلت في شخصية القائد الملهم سلطان عمان الراحل منذ تعليمه في كلية ساندهرست العسكرية ومزون الحكمة العسكرية القابوسية التي حددت النهج، واصلت البناء، وألهمت الشعور الوطني، وقدمت للعسكرية العمانية نموذجا اصيلا حاز على اهتمام العالم كله، ومنحته البرامج العسكرية والكراسي الدولية اهتمامها في صناعة الجندية وبناء ثقافتها في منتسبيها ، فرصة يعكسها احتفال سلطنة عمان بهذا اليوم الماجد، لتجديد العهد ، والعمل المخلص وتعظيم هذا الدور الذي قدمته العسكرية العمانية وجسدته قوات السلطان المسلحة في مسيرتها الظافرة ومحطاتها التنموية الشامخة، وهي اليوم في ظل ما تحظى به من رعاية واهتمام ومتابعة، من لدن المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم القائد الأعلى حفظه الله ورعاه، تصنع لهذا الدور استحقاقات أكبر لبناء عمان الحاضر والمستقبل.
إنّ حديث جلالة السلطان المعظم في خطبه السامية عن دور القوات المسلحة والأجهزة العسكرية والأمنية في بناء عمان والمحافظة على المكتسبات الوطنية وتراب عمان وأرضها الطاهرة، وما يحمله ذلك من اعتزاز وفخر القائد الأعلى حفظه الله بقواته المسلحة؛ تأكيد على استمرار هذا الدعم لقوات السلطان المسلحة والأجهزة العسكرية والأمنية لتقوم بواجبها المقدّس ومسؤوليتاها العظيمة في ظل ما يعيشه العالم اليوم من اضطرابات وحروب ومنغصات، ليؤكد في الوقت نفسه على ربط أجيال هذا الوطن بتأريخهم العسكري وبطولاتهم الماجدة، وحضارة عمان وإمبراطورتيها المترامية الأطراف، ليبني في الأجيال مفهوم أعمق للفلسفة العسكرية العمانية ، وتجسيد الشخصية العسكرية في تفاصيلها وفلسفتها ومرتكزات عملها، وثوابتها المعززة للأمن والأمان والسلام والتعايش والحوار والتنمية والتطوير، وبناء القوة وصناعة القادة ، وانتاج النماذج، وتجدد في الناشئة قيم العمل الجاد المخلص، والطاعة للقائد والولاء للسلطان والانتماء للوطن والمحافظة على درجة التوازنات في السلوك الوطني في إطار من الضبط والربط والمسؤولية وما تحمله الشخصية العسكرية من مزون الحكمة والريادة والقيادة والتفرد والنضج الذي منحها رسوخا وعمقا وتجلت بصماته في كل محطات التحول والتطور والمرحلة الانتقالية التي صنعت من مجلس الدفاع نهجا عظيما في الولاء المتفرد والوفاء المخلص .
إن الحياة العسكرية بما فيها من مبادئ الربط والضبط وقيم الصمود والشموخ، والانجاز والعطاء، وتؤسسه من حس المسؤولية والعمل الجاد والتفكير الاستراتيجي وبناء السيناريوهات والتخطيط والتنظيم والابتكارية والتجديد وصقل الموهبة والتعلم المستمر والحدس والفارسة، إنما تتجه إلى تعظيم تلك الصورة الوطنية التي جاءت بها رؤية عمان 2040 ومرتكزها في” مجتمع إنسانه مبدع، معتز بهويته، مبتكر ومنافس عالميا، ينعم بحياة كريمة ورفاه مستدام ” محطات تمشي على الأرض ونماذج واقعية تستنطق في فقه البناء الفكري للمواطن تلك الثوابت والمبادئ والمرتكزات الوطنية وقيم الوطن والمواطن والهوية والولاء والانتماء والعرفان والحب لعمان وجلالة السلطان، ونستنهض فيه الواجب الوطني القائم على بناء القدرات وتوظيف الملكات وتمكين الممكنات وما تبره من صفات واستعدادات ومواهب وقدرات وأنماط في الشخصية العسكرية، المتلازمة مع كينونة الأنسال العماني والمتوافقة مع شخصيته التي عرف بها في العالمين ، والمعبرة عن الدور الحضاري والموقع الجغرافي لسلطنة عمان في إطلالتها على بحر العرب وبحر عمان والخليج العربي وهمزة وصل جسدت طريق التجارة العالمي وأنماط التواصل الحضاري الإنساني ” طريق الحرير” ، وهو السمت العماني الذي شكل محطة اختبار وملحمة وفاء لهذا الوطن الغالي والخصوصية العمانية، فإن ما تغرسه العسكرية العمانية اليوم من مرتكزات اصيلة في بناء الدولة والانسان، وتحقيق الأمن والاستقرار، والدور المعقود عليها في تشكيل شخصية الناشئة العمانية، وهي تردّد نداء الولاء والتأييد “الإيمان بالله، الولاء للسُّلطان، الذود عن الوطن”، والهتاف ثلاثا بحيـاة حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم القائد الأعلى- حفظه الله ورعاه؛ إنما تصنع من هذه الأيام العسكرية الخالدة محطة تحول تعيد انتاج شخصية الانسان العماني وتكييفها مع معطيات الواقع وقدرتها على الاستجابة لمستجداته ومتغيراته مع ثبات أصيل على المبادئ وجوهر القيم العمانية .
إننا نحتفل بهذا اليوم الماجد ونحن ندرك ما تحمله العسكرية العمانية على عاتقها من مسؤوليات جسيمه وما تقدمه من نماذج بطولية مشرّفة في حماية مكونات الدولة ومكتسبات النهضة المتجددة، فإن ما تقدمه اليوم من ملامح التطور والتقدم ونماذج السبق في الإنجاز وعبر مشاركاتها الإقليمية والدولية وما تحظى به من تقدير وثناء، وحازت عليه من استحقاقات التكريم والتميز، إنما يؤصل في أبناء وطني معاني الفخر والاعتزاز بالعسكرية العمانية والصورة النموذج المشرفة التي تبثها في ثقافة أبناء عمان روحا تنبض شموخا، لتبقى شاهدة على المنجز العسكري والأمني، ومحطة يستشعر فيها أبناء عمان قيمة الوطن الآمن ، الذي اختصر الزمن في كمّه ونوعه، وعمقه وكفاءته، وشموليته واتساعه، فيما ارتبط به من إنجازات شامخه، وخلّده من ذكريات ماجدة، واسسه من استراتيجيات ناجحة، ورسمه في خريطة تكوينه من شواهد اثبات ماثلة للعيان، واضحة لكل ذي بيان، وضوح الشمس في رابعة النهار ، ليستحضر أبناء عمان وبناتها في الاحتفال بيوم الحادي عشر من ديسمبر ما تنعم به بلادنا من نعمة الأمن والأمان والسلام والاستقرار والذي هو نتاج للتضحيات العظيمة التي قدمتها قوات السلطان المسلحة والأجهزة الأمنية والعسكرية ، وقد جاء في عاطر النطق السامي : ” ولولا ثبات ورسوخ الأمن وانتشار الأمان في ربوع هذه البلاد، الذي ما كان ليتحقق إلا بوجود قوات مُسلحة جاهزة وعصرية ومعدة إعدادًا عاليًا بكل فروعها وقطاعاتها وأجهزة أمنية ضمنت استقرار البلاد واحترام المواطنين فنحن نقدر دورها العظيم لضمان منجزات ومكتسبات البلاد ونؤكد على دعمنا لها واعتزازنا بدورها.”
حفظ الله جلالة السلطان المعظم القائد الأعلى، وكل عام وأبناء عمان البواسل وجندها المغاوير في عزة وتقدم وسؤدد.
د. رجب بن علي العويسي