شخصية جديدة تغادرنا، قمة في التواضع، قمة في الأخلاق، وطنية عالية، إنسانية كبيرة، لا تملق، لا غرور رغم كل ما تملك، كانت هذه الشخصية من خيرة الأشخاص التي كبرنا على مزاياها الطيبة والأصيلة، فإن قلنا إن الكويت اليوم في حالة حداد وحزن نعم هي كذلك، لأن المصاب كبير، لكن نسأل الله العزيز أن يكون الخلف خير للأمة وللكويت.
رحل عنا اليوم الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، جسداً لكن روحه لا تزال بيننا، فهو الشخصية المتواضعة التي قدّمت للكويت وشعبها أقصى ما عندها، رحل عنّا وهو يعلم أنه ترك البلاد بأيادٍ أمينة، خسرناه نعم، لكن ما يصبّر قلوبنا أنه رحل إلى دار الحق إلى الدار التي نطمح جميعاً إليها.
لن أنعي كما الجميع، لأن بالنسبة لي هذه الشخصيات لا تموت، بل هي حيّة بيننا، مآثرها حاضرة متجددة، لا تسقط بالتقادم، حمل وأقرانه من الشيوخ الراحلين لواء القضية الفلسطينية، كانوا جميعاً من المناصرين لفلسطين ومن الداعمين لها، فهذه خسارة لفلسطين قبل الكويت، حتى على الصعيدين الدولي والإقليمي، كانوا مقربين من الجميع وداعمين للعروبة المفقودة في كثير من الدول العربية الأخرى، لقد أحزن قلوبنا هذا الرحيل لأنه جاء في مرحلة حسّاسة مما يحدث في المنطقة العربية، لكن ماذا نقول سوى، إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيراً منها، وإن شاء الله تعالى أن يكون الشيخ مشعل هو بقية الخير ومعدنه.
من هذه المقدمة الصادقة والتي لا أكتبها تملقاً أو استحضاراً للمآثر، بل كتبتها لأنها بصدق حقيقة الشيخ الراحل رحمه الله تعالى، فقد قدّم الكثير إلى آخر يوم في حياته، ومن يتتبع خط سير حياته يتأكد من ذلك.
ولد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح في 25 يونيو 1937 في دول الكويت، وهو الابن السادس لحاكم الكويت من 1921 إلى 1950، الشيخ أحمد الجابر الصباح والأخ غير الشقيق للأمير صباح الأحمد الجابر الصباح الذي حكم البلاد في الفترة 2006-2020، تلقى تعليمه في الكويت، في المدرسة المباركية المتميزة.
في المناصب الحكومية
في عام 1962، عندما كان عمره 25 عاماً، تم تعيين الشيخ نواف حاكماً لمحافظة حولي وتولى هذا المنصب لمدة 16 عاماً، أما من 1978 – 1988 ترأس وزارة الداخلية في البلاد، وفي عام 1988 عين وزيراً للدفاع، وكان في هذا المنصب أثناء غزو القوات العراقية للكويت في عام 1990.
وبعد تحرير الكويت عام 1991 تولى منصب وزير العمل والشؤون الاجتماعية وظل في هذا المنصب حتى عام 1992، أما في الفترة 1994-2003، شغل منصب نائب قائد الحرس الوطني، وفي 2003-2006 تولى مرة أخرى رئاسة وزارة الداخلية الكويتية، كما شغل منصب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء.
أثناء وجوده في هذه المناصب، أجرى الشيخ نواف إصلاحات في الشرطة، وشارك في إعادة تنظيم وتزويد الجيش الكويتي، وأرسل موظفين شباب لدراسة إدارة المعدات العسكرية في الخارج، واتبع سياسة شؤون الموظفين لتجديد تكوين مسؤولي الإدارة، وساعد في تعزيز العلاقات في المجال الأمني لدول مجلس التعاون الخليجي.
ولي العهد
وفي 7 فبراير من العام 2006، تم تعيين الشيخ نواف ولياً للعهد بمرسوم أميري صباح الأحمد الجابر الصباح، الذي تولى السلطة في نفس العام، وبذلك كسر الشيخ صباح التقليد الذي يقضي بأن يصبح ممثلو فرعين من عائلة الصباح – الجابر والسالم – أمراء بالتناوب، ومنذ يوليو 2020، وبينما كان الشيخ صباح يخضع للعلاج في الولايات المتحدة الأمريكية، شغل الشيخ نواف منصب الأمير بالوكالة.
وعقب وفاة صباح الأحمد الجابر الصباح في 29 سبتمبر 2020، أعلن مجلس وزراء الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح أميراً جديداً للبلاد، وفي 30 سبتمبر 2020، تولى منصب رئيس الدولة، ليصبح أمير الكويت السادس وأقدم ملك في التاريخ وقت توليه السلطة (83 عاماً)، لقد كان أحد القرارات المهمة التي اتخذها الشيخ نواف كأمير هو منح المرأة في أكتوبر 2021 حق الخدمة في القوات المسلحة (في الوحدات الطبية ووحدات الدعم كضباط صغار ومتخصصين).
وجدير بالذكر أن الشيخ الراحل نواف متزوج من السيدة شريفة الغانم، ولهما أربعة أبناء وبنت.
الآن، الكويت وديعة وأمانة بيد الحاكم الجديد الشيخ مشعل، وكلنا ثقة بأنه خير خلف لخير سلف، وهذا الأصل الطيب قدّم للكويت الكثير، لقد كبرنا معهم وفي عهدهم وظلهم، نقلوا البلاد إلى العالمية، من التطور في كل مؤسسات الدولة، أهم نقطة تميزت بها الكويت في عهدهم، الديمقراطية والاستقلالية في القرار، موقفها ثابت من كل القضايا، ويكفي أنها حضنت قضية فلسطين في عهد الجميع من الأسرة الحاكمة.
لكن شاء الله وما قدّر فعل، ونسأل الله العلي القدير أن يتغمد فقيدنا برحمته الواسعة وأن يسكنه فسيج جنانه، وإنا لله وإنا إليه راجعون، ونسأل الله أيضاً ان يلهم ذويه والكويت شعباً وحكومةً الصبر والسلوان وأن يجعل لنا خيراً في القادم بإذنه تعالى
عبدالعزيز بن بدر القطان