من الرائع في أي بلد بالعالم، أن يحكمها قائد أو رئيس أو زعيم وطني يُراعي مصالح شعبه وبلاده، ويضعها أولوية على الرغم من مركزه وموقفه وموقعه الكبير، وقلّة من هم كذلك، فالبعض يهتم بتوريث الكرسي، حتى لو دمّر شعبه وحرق وطنه، وهناك الكثير من الأمثلة على ذلك، لكن في المقابل، هناك من يحرقون كل شيء في سبيل إعلاء بلادهم وضمان أمن وحياة شعبهم وعلى قلتهم لكنلا يزال هناك حكّاماً أوفياء وأقوياء، يستمدون القوة من شعبهم ومن أرضهم ومن إيمانهم بأن الوطن أولاً.
ولا شك أن رحيل أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الصباح، كان صعباً على الكويت، خاصة وأنه تزامن مع ظروف صعبة يعيشها أهلنا في غزة، لكن وكما أشرنا في موضوع سابقٍ أن الأمل في الخلف، وفعلاً توقعنا ذلك، فمع تعيين ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الصباح، أميراً للبلاد، ستكون الكويت أقوى مما كانت عليه، وستزدهر في عهده، ولا أقول ذلك من باب المفاخرة أو المجاملة، بل على العكس من ذلك، فمن سمع تصريح أمير البلاد يؤكد كلامي ويثبته، بأن ما ستعيشه الكويت ربما لم يحدث من قبل، فقد يعتقد البعض أن الحياة وردية وأن النفط يجلب الأموال الكثيرة إلى خزينة الدولة، وهذا صحيح، لكن الإدارة الناجحة دائماً ما تحول هذا الوضع إلى استثمار يقوي الدولة ويكفي الشعب ويطور البلاد، وأعتقد أن هذه خطة الأمير للمرحلة القادمة.
لقد كان خطابه شفافاً وصريحاً وقوياً، خطاب الواثق من نفسه ومن قدراته، واثق من أنه سيصون الكويت ويحميها والبداية ستكون من الداخل، فالجميع يعلم أن تحصين الجبهة الداخلية لهو من أصعب المهام التي تجابه أي حاكم خاصة في منطقة الخليج، وكما كل البلاد، هناك من يدعم هذا التوجه، وهناك من سيعارضه، خاصة إن وقف ضد مصالحه، فالأمير الراحل، رحمه الله بما له وما عليه، ترك وضع البلاد على ما هي عليه، دون تقدم وأيضاً دون تراجع، وهذا في عصرنا الحالي ربما ليس جيداً، فعوامل القوة تتطلب الإرادة والحزم، تتطلب إنهاء المحسوبيات والفساد والضرب بيد من حديد، فنحن كشعب كلنا سواسية، وصعود البعض على حساب البعض الآخر أمر غير صحي ولا يمكن أن يكون طبيعياً، خاصة عندما يتم استغلال (قرابة ما، منصب ما، قوة اقتصادية ما، إلخ..).
اليوم إن قائد البلاد، تحدث عن هذا الأمر وفتح كل الدفاتر على الملء وهذا إن دل على شيء، يدل على أن هناك سلسلة من التغييرات واعتماد الشخص المناسب في المكان المناسب، فقد أكد على إنهاء حقبة الفساد ووأدها بشكل كامل، وكأنها عاصفة حزمٍ جديدة، فقد أثلج قلوب الكثيرين، وأنا واحد من كثيرين، كنت أتمنى سماع هكذا خطاب قديماً، لكن أن تصل متأخراً كما يُقال، خير من أن لا تصل، فقد كان خطاب الأمير سامي ورائع ومتوازن، بعث فينا الأمل من جديد، لمستقبل أفضل للكويت، بعد أن تأخرت سنوات طويلة، نحن نتحدث هنا عن حقبتين، فقد كانت الكويت في القمة منذ أواخر الخمسينيات، وصولاً إلى بداية التسعينات وتحديداً العام 1990 من القرن الماضي، خلال الغزو العراقي لدولة الكويت، الحقبة الثانية أتت بعد هذا التاريخ، لتتأخر الكويت 33 عاماً.
بالتالي، في هذا الخطاب وضع أمير البلاد يده على الجرح، كما يُقال، أي وضع يده على المكان المقصود، وهذه برأيّ هي تطلعات المواطنين اليوم، من بينها، تعديل التركيبة السكانية، وموضوع ملفات الجنسية، والتجنيس العشوائي، أو الخلل في موضوع الهوية الوطنية التي كانت مستهدفة وأضاعت ثقافتنا وأفكارنا وإعلامنا، وكله بسبب المحسوبية، خاصة في الوظائف، على سبيل المثال، هناك شخصيات معارضة كانت على خلاف دائم مع الحكومة تصل أحياناً إلى درجة إطلاق الشتائم بحقها، ويخرجون ضد الحكومة، وفي ليلة وضحاها، انتقلوا إلى مناصب رفيعة بعضها جهات حسّاسة لأهمية الملفات التي تمر من خلالها، بالإضافة إلى تسلم مناصب في البعثات الدبلوماسية الخارجية، كله تم بالمحسوبية والوساطة، وهذا أمر مزعج لشرائح كبيرة من المواطنين، مع الإشارة إلى أني تطرقت إلى هذا الأمر في وقت سابق.
الآن في العهد الجديد، لا بد من تصحيح الخلل، وتقييم الأوضاع بشكل كامل، ومراجعة كل المناصب الحساسة كيف وصلت إلى ما هي عليه، خاصة في المناصب الخارجية منها، بما في ذلك الناس المرافقين للأسرة الحاكمة، المعينين سفراء في الخارج سواء في آسيا أو أوروبا أو في الخليج، يجب التدقيق حولهم، فبعضهم لا يستحق هذه المناصب، وأبناء الكويت أولى بها، خاصة الشباب الخريجين والمتخصصين من جامعة الكويت، فهم أولى من المحسوبين على الشيوخ أو مرافقين الشيوخ، لأن هذا يتعلق بسمعة الكويت التي لا نقبل المساس بها إطلاقاً.
حالة أخرى عاينتها بشكل شخصي، وهنا أطرح مثالي هذا، للتأكيد على صوابية ما أرمي إليه، فقد كنت أحرف أحد الأشخاص في المعارضة وما إن هبت رياح الربيع العربي حتى خرج في مظاهرات غير حضارية، ليطلق الشتائم ويدخل في حلقة التكسير وتخريب أملاك الدولة والتي هي أساساً لكل الشعب، لكن لكون أنه يعرف شخصية مرموقة ما، وجدته عيّن في منصبٍ مهم، وأقولها على الملء، في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، فلا أفهم كيف لشخص معارض لا يحمل برنامجاً إصلاحياً للبلاد، بل فقط يعارض لمجرد المعارضة، فهل يستحق أن يستلم منصباً قيادياً في الدولة!
بالتالي، ومن خلال التوجه السامي للأمير مشعل، نرجو منك يا سمو الأمير أن يراجعوا تعيينات السنوات الثلاث الأخيرة على أقل تقدير، إن كانوا في درجات وكلاء مساعدين ووكلاء، وكذلك الأمر، البعثات الدبلوماسية في السفارات الكويتية في الخارج، وحتى سلوك من تعيّن سفيراً من الأسرة الحاكمة في الخارج.
وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح، وأرى الخير قادم إلينا عندما سمعت هذا الخطاب السامي من سمو الأمير، وأنا شخصياً وصلت إلى درجة كبيرة من السعادة عند سماعي لهذا الخطاب الذي أثلج قلبي بكل صراحة، وأوكد أننا معه وفي ظهره، وسندعمه بكل ما أوتينا من قوة في محاربة الفساد، لأن البلد الناجح والقوي يحتاج إلى ربان وقائد قوي، وكذلك ندعم كل إنسان قوي يدعو إلى الإصلاح وقلبه على الكويت وشعبها، لأننا نتوق إلى حركة إصلاح كبيرة، وكلنا مع تفعيل الدستور الكويتي، وكلنا ضد ومحاربةالمحسوبيات والوساطات، وضد الفساد بكل أشكاله، والأهم أننا ندعم تحقيق العدالة المجتمعية، بما في ذلك توزيع المناصب.
وأخيراً، لقد أحيا الخطاب فينا الأمل، وأحيا أن ما من شيء صعب، عندما تتوفر الإرادة لإصلاح شامل يشمل كل مفاصل الدولة، وأتمنى بأن تكون السنوات القادمة سنوات حزم، هذه مرحلة مفصلية وقد تعدينا إلى حقبة الأوج التي افتقدناها 33 عاماً، فقد آن الأوان للنهوض ببلدنا بحاكم يهتم ببلاده وشعبه، وكلنا معاً ننهض ببلادنا لنصل إلى القمة، الآن بدأت الخطوات الأولى ووضعت الأجندة، وكل من يستقوي بواسطته عليه أن يتلمس رأسه، لأن ما يأتي عن طريق الخطأ يجب البدء فيه، ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب، فالكويت للكويتيين جميعاً لا أشخاص محددة، نريد بسنوات الحزم هذه أن تعود الكويت رائدة بالثقافة والرياضة والفنون والفكر ودعم حلقات تحفيظ القرآن ودعم العمل الخيري ودعم العلم والعلماء ودعم الصناعة والمنتج الوطني الكويتي وهذا أملنا، وسنصل إلى مبتغانا بعونه تعالى.
عبدالعزيز بن بدر القطان/ كاتب ومفكر – الكويت.