تحتفل سلطنة عُمان في هذا اليوم المجيد ؛ الحادي عشر من يناير بذكرى عطرة على قلب كُلِّ مواطن عُماني، ذكرى تولِّي حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ مقاليد الحُكم في البلاد، وفي هذا اليوم التاريخي عَبَّرَ أبناء عُمان عن ولائهم لسُلطانهم المُجدِّد، ملتفِّين خلف قيادته الحكيمة، عاملين بوصيَّة سُلطانهم الراحل ـ حضرة صاحب الجلالة السُّلطان قابوس بن سعيد طيَّب الله ثراه ـ مبايعين له على السمع والطاعة في العُسر واليُسر والمَنشط والمَكره، معتصمين تحت قيادته بوحدة الصف والكلمة والهدف والمصير. لقَدْ سار جلالة السُّلطان هيثم بن طارق منذ تولِّيه مقاليد الحُكم في قيادة الدَّولة خير سيرة، وأخلص في أداء هذه الأمانة، واضعًا الإرث الخالد والثوابت الوطنيَّة، والمستجدَّات الكونيَّة الطريق لبناء عُمان المستقبل، وقَدْ جاء في عاطر النُّطق السَّامي: «وخير ما نخلِّد به إنجازاته هو السَّير على نهجه القويم والتأسِّي بخطاه النَّيرة الَّتي خطاها بثبات وعزم إلى المُستقبل والحفاظ على ما أنجزه والبناء عَلَيْه؛ هذا ما نحن عازمون بإذن الله وعونه وتوفيقه على السَّير فيه والبناء عَلَيْه لترقى عُمان إلى المكانة المرموقة الَّتي أرادها لها وسهر على تحقيقها فكتب الله له النجاح والتوفيق»؛ وعلى مدى أربع سنوات من القيادة الحكيمة، والجهود المتواصلة، والعطاء المبهر والإنجازات النوعيَّة، والتحوُّلات الَّتي شهدتها سلطنة عُمان في مختلف المجالات، عمل جلالة السُّلطان على تحقيقها بإرادة صلبة وعزيمة كمتواصلة ونُهُج حكيمة ووقوف مباشر على كُلِّ مسارات العمل، فكان أن حقَّق الله على يدَيْه الكريمتَيْنِ ما أراده لعُمان وشَعبها، وعالج بحكمة سديدة وبدائل مريحة وأدوات محكمة واستشراف للمستقبل، الكثير من التحدِّيات الَّتي واجهتها سلطنة عُمان والعالَم، خصوصًا فيما يتعلق بالتحدِّيات الاقتصاديَّة وجائحة كورونا (كوفيد19) أو تلك المرتبطة بسلطنة عُمان كالأنواء المناخيَّة وملفات اقتصاديَّة وتنمويَّة واستثماريَّة وإداريَّة ورقابيَّة وتشريعيَّة وتنظيميَّة، عمل جلالة السُّلطان على إعادة إنتاجها وضبطها وتوجيهها بما يعزِّز من قدرة سلطنة عُمان على تحقيق أهدافها الطموحة ورؤيتها المتعاظمة «عُمان 2040»، وقد جاء خِطاب جلالة السُّلطان المُعظَّم الثاني في الثالث والعشرين من فبراير من عام 2020 راسمًا خطوات العمل القادمة، محددًا اتجاهاتها، وضابطا لمساراتها، ومؤكدًا على أولويَّاتها، ومؤطرًا لمحطَّاتها، ومؤسِّسا لبرامجها ومبادراتها، ومقننًا لاستراتيجيَّاتها وأدواتها، ومبَيِّنًا ما يعتريها من تحدِّيات أو يواجهها من عقبات، وما تتطلبه من جهود وإخلاص وشراكات، واضعًا في سبيل ذلك سيناريوهات مضمونة، واستراتيجيَّات أداء محكمة، لتشكِّلَ مرتكزات هذا الخِطاب برنامج عمل تصنع التقدم والازدهار والرخاء على أرض عُمان الطيبة. وعَلَيْه، فإنَّ الإجابة عن التساؤل الَّذي طرحه المقال، يضع أمامنا جملة من المرتكزات الأصيلة الَّتي حافظت على الثوابت العُمانيَّة والمبادئ الوطنيَّة الَّتي تناولها النظام الأساسي للدَّولة الصادر بالمرسوم السُّلطاني (6/2021) وتضمنتها التشريعات والقوانين والإجراءات النافذة، كمنطلقات رئيسة عمل جلالة السُّلطان المُعظَّم على استحضارها والبناء عَلَيْها في كُلِّ مكوِّنات العمل الوطني، انطلاقًا من تعظيم دَوْر سلطنة عُمان، كيانًا حضاريًّا فاعلًا ومؤثرًا في نماء المنطقة وازدهارها، واستتباب الأمن والسَّلام فيها، والمحافظة على المكتسبات العُمانيَّة في ثباتها وتوازنها ومصداقيَّاتها، واكتسبت تقديرًا عالَميًّا، وأفصحت عن المكانة الدوليَّة للسُّلطان الراحل ومكانة السَّلطنة، الَّتي كرس حياته من أجْل تحقيقها؛ إنَّما تتأكد اليوم من خلال العمل بهذه الثوابت والمبادئ العُمانيَّة والَّتي يمكن قراءتها من خلال ثلاث مرتكزات رئيسة، يقوم الأوَّل مِنْها على المساحة من الاهتمام الَّتي أولاها جلالة السُّلطان المُعظَّم للثوابت العُمانيَّة في أبعادها المفاهيميَّة ومنطلقاتها الدينيَّة والفكريَّة والثقافيَّة، وحرص جلالة السُّلطان على وضعها في أولويَّة اهتمامه، وشكَّلت جزءًا من هاجسه الشخصي، وكان لها حضورها في الخُطب والكلمات السَّامية ورؤية عُمان، في إشارة إلى القِيَم والأخلاق والهُوِيَّة العُمانيَّة والسَّمت العُماني، بما تمثِّله من قواعد أصيلة ومنهج حكيم في البناء والتنمية، وإعادة إنتاج التحوُّلات الاقتصاديَّة وتوجيهها لخدمة الإنسان العُماني وأغراض التنمية، مثل حديثه عن: التربية الأسريَّة ورعاية الأبناء والمحافظة على درجة التوازنات في الشخصية العُمانيَّة وغرس القِيَم الدينيَّة ومبادئ الإسلام في سلوك الأجيال وعقيدته، وتعظيم نموذج المواطنة والقِيَم والأخلاق في سلوك الناشئة وتربيتهم عَلَيْها، والتحذير من تأثير المنصَّات الاجتماعيَّة والتقنيَّات الحديثة على سلوك الناشئة وأثر إفراغ التربية الوالديَّة والأسريَّة من محتواها ومسؤوليَّتها. وأمَّا الركيزة الثانية من الثوابت العُمانيَّة فيرتبط بالمحافظة التزام سلطنة عُمان بثوابتها الداخليَّة المعززة لوحدة النسيج المُجتمعي، والتسامح الديني بَيْنَ أفراده، والتعايش مع الآخرين والذوق العام والمحافظة على كريم العادات وأصيل التقاليد المعزِّزة للحوار والشورى والتكامل والتعاون ورفع درجة السَّلام الداخلي بَيْنَ أبناء المُجتمع، والَّتي التزمتها سلطنة عُمان مسارًا لها في سياستها الداخليَّة من خلال تعظيم إنسانيَّة النهضة، وتأكيد مبدأ الإنسان العُماني أوَّلًا هدف التنمية وغايتها، وتعزيز مسار منظومة الحماية الاجتماعيَّة الَّتي شكَّلت تحوُّلًا تاريخيًّا نوعيًّا في تحقيق العدالة الاجتماعيَّة، وتحقيق الأمن والاستقرار، ورفع سقف حضور المواطن ومختلف شرائح المُجتمع في منظومة العمل الوطني وعَبْرَ تعزيز الشراكة المُجتمعيَّة، ومشاركة المواطنين في التنمية المستدامة، ورعاية المواطن والوقوف معه وتبسيط الإجراءات وتمكينه اقتصاديًّا من خلال فتح آفاق أوسع له للعمل والإنتاج، وتعزيز دَوْره الإنتاج والريادي في العمل الحُر والمؤسَّسات الصغيرة والمتوسطة، أو من خلال شموليَّة التنمية والتطوير لكُلِّ محافظات سلطنة عُمان، وغيرها كثير. أمَّا الركيزة الثالثة في الثوابت العُمانيَّة فترتبط بالسِّياسة الخارجيَّة، والَّتي تستند إلى مبادئ واضحة ومحدَّدة، ترتبط بشكلٍ وثيق بالتاريخ والتقاليد العُمانيَّة في التعامل مع مختلف القوى والأطراف الدوليَّة، ومعطيات الموقع الجغرافي والدَّور التاريخي لسلطنة عُمان في المحيط الهندي من ناحية أو الرؤية العُمانيَّة لعالم يسوده السَّلام والأمن والاستقرار والتفاهم بَيْنَ دوَله وشعوبه من أجْل بناء حياة أفضل لأجياله من ناحية ثانية، وقد حرصت سلطنة عُمان في ممارستها لسياستها الخارجيَّة على أن تدعمَ علاقاتها مع الأشقاء والأصدقاء بكُلِّ ما يعزِّز المنافع المشتركة والمتبادلة من صلات اقتصاديَّة وتجاريَّة كلَّما كان ذلك ممكنًا، ولذلك فقَدِ انعكست السِّياسة العُمانيَّة على نَحْوٍ إيجابي على خطط وبرامج التنمية الوطنيَّة من خلال فتح آفاق أوسع أمام الاقتصاد العُماني ودعم قدراته عَبْرَ علاقات السَّلطنة مع مختلف الأطراف الإقليميَّة والدوليَّة. فإنَّ منهج السَّلطنة الَّذي رسمه لها قائدها المُفدَّى ـ حفظه الله ورعاه ـ يقوم على عدم التدخل في الشؤون الداخليَّة للغير، واحترام خصوصيَّات وقِيَم الآخرين وثقافتهم، وتعزيز السِّلم والتفاهم الدوليَّيْنِ ونشر ثقافة الحوار والسَّلام والوئام بَيْنَ الشعوب واحترام رأي الآخرين وتوجُّهاتهم، ممَّا كان لهذه السِّياسة أثَرها الإيجابي على الوطن الَّذي أصبح مضرب مَثل الجميع، ونموذج فريد في البناء الوطني، كما شكَّلت هذه السِّياسة أهمِّية كبيرة للعُماني في احترام الشعوب الأخرى له، وتقديرها لمكانته. وهنا نشير إلى الموقف العظيم لسلطنة عُمان نَحْوَ القضيَّة الفلسطينيَّة واستنكارها للعدوان الصهيوني وحرب الإجرام والإبادة الَّتي يقوم بها الاحتلال على غزَّة، وجملة المواقف المشهودة والمبادرات الَّتي اتَّخذتها سلطنة عُمان في هذا الشأن، ووقوفها المستمر مع القضيَّة الفلسطينيَّة وحقِّ الشَّعب الفلسطيني في إقامة دَولته المستقلَّة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس، ما يؤكِّد على أنَّ هذه القضيَّة الَّتي آمَن بها العُماني إيمانًا عقديًّا ودينيًّا وفكريًّا، وشكَّلت جزءًا أصيلًا من ثوابته الوطنيَّة، لها حضورها الكبير وموقعها في الاهتمام الرسمي من جلالة السُّلطان المُعظَّم والسِّياسة الخارجيَّة والمؤسَّسة الدينيَّة وغيرها، الأمْرُ الَّذي عزَّز من روح الالتفات نَحْوَ القيادة الحكيمة في توجُّهاتها ومواقفها نَحْوَ فلسطين، بل عزَّز من فخر المواطن العُماني باهتمام قيادته بهذه القضيَّة وجعلها في محور الاهتمام، في تناغم بَيْنَ القيادة والشَّعب في كُلِّ ما من شأنه تعزيز الوعي بهذه القضيَّة وإبراز دَوْر سلطنة عُمان نَحْوَها أمام العالَم أجمع. لقَدْ نالت هذه المحطَّات الحاضرة في ذاكرة المواطن وواقعه منذ خمسة عقود، حضورًا نوعيًّا متفردًا، واهتمامًا شخصيًّا من لدُن المقام السَّامي لجلالة السُّلطان المُعظَّم، باعتبارها ثوابت أصيلة للدَّولة العُمانيَّة تقوم بها نَحْوَ شَعبها، في إيمانها بالعُماني الغاية والهدف من كُلِّ ما تقوم به القيادة، فكان النُّطق السَّامي للسُّلطان الراحل «إني هنا أعمل لعُمان أرضًا وشَعبًا، بل إنَّ كُلَّ عملي لها ولشَعبها»، وجاء النُّطق السَّامي لجلالة السُّلطان هيثم المُعظَّم «وإنَّنا إذ نعاهد الله عزَّ وجلَّ على أن نكرسَ حياتنا من أجْلِ عُمان وأبناء عُمان؛ كَيْ تستمرَّ مسيرتُها الظافرة، ونهضتها المباركة»؛ موجّهات لها أثَرها الإيجابي في تعظيم هذه الثوابت في حياة العُماني واستشعاره لمسؤوليَّاته نَحْوَها، وفي وقوف العُماني العربي المُسلِم مع أخيه المُسلِم ونصرته له، ودعائه له بالتمكين والفرج والنصر، وكان لها أثَرها الأكبر على القيادة الحكيمة لجلالة السُّلطان في ما أصَّلته من مَعين الحُب والولاء والعرفان لشخص جلالته ـ أبقاه الله ـ المثال والنموذج والقدوة، في احتواء أبناء شَعبه ورعاية مشاعرهم والوقوف مع الثوابت والمبادئ والقناعات الَّتي تأصَّلت فيهم كجزء من عقيدتهم الإيمانيَّة والوطنيَّة والإنسانيَّة، وما وفره ذلك من قناعة وثقة وإيمان بأنَّ ما يحمله جلالة السُّلطان من طموحات وهواجس وخطط وتوجُّهات وسياسات وبرامج إنَّما هو من أجْل عُمان وأبنائها، فأصبح ذلك محطَّ أنظارهم، ومحلَّ رضاهم.. فلقَدْ أحبَّ أبناء عُمان سُلطانهم المُجدِّد وأشاد الجميع بحكمة مواقفه ورؤيته السَّديدة في ثبات النهج العُماني في الداخل والخارج الَّذي جاء جلالة السُّلطان المُعظَّم محافظًا فيها على المكتسبات والثوابت حافظًا لها ومجددًا فيها، وصدق بقوله: «مؤكدين على أن تظلَّ عُمان الغاية الأسمى في كُلِّ ما نقدم عَلَيْه، وكلِّ ما نسعى لتحقيقه». حفظكم الله مولاي حضرة صاحب الجلالة وأمدَّكم بواسع فضله وكرَمه، وكُلُّ عام وأنتم بخير.
د.رجب بن علي العويسي