في عالم يعج بالتحديات والضغوطات، يظل الدعاء ركيزة أساسية تتجلى فيها عظمة الإيمان وتقوى الروح، إن الدعاء، كما أراده الله ورسوله، يعكس قوة الإيمان وعمق التواصل مع الخالق عزّ وجلّ، كما أن مشهد المؤمن وهو يرفع يديه إلى السماء، يستنجد بربه، يعبّر عن أمله وخضوعه، ويشكل لحظة مهمة تبرز فيها توحيد العبودية لله وحده، مستنداً إلى السنة النبوية الطاهرة وسلوك السلف الصالح.
السلف الصالح، أئمة الهدى وحماة الدين، قد رسموا لنا ملامحاًواضحة حول كيفية تفضيل الدعاء لله وحده، مظهرين بذلك تفانيهم في الالتجاء إلى الله في كل شأن، كانوا يعلمون أن الدعاء لا يمتلك قوة إلا بتوجيهه إلى الرحمن، وأن المؤمن الحق يجد في صلاته ودعائه إشراقة الأمل وقوة اليقين.
بالتالي، إن استمداد القوة من الله وحده، وتوجيه الدعاء له فقط، يعكس ركناً من أركان الإيمان الصحيح، فالإسلام يعلمنا أن الخالقعزّ وجلّ هو المدبر للكون وهو الملك المطلق، ومن ثم فالتوجه بالدعاء إليه يعني الاعتراف بسيادته والاعتماد على عظمته، وهنا يكمن الإيمان الحقيقي.
توحيد الله تعالى ينقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية:
القسم الأول: توحيد الربوبية والملك؛
القسم الثاني: توحيد الطلب والقصد؛
والقسم الثالث: توحيد الأسماء والصفات.
يعتبر توحيد الله في هذه الأقسام جزءاً أساسياً من عقيدة المسلمين،يؤكد القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة على وحدانية الله تباركوتعالى في الخلق والرعاية والإلهية، وهذا يشمل توحيد العبادة والطلب والقصد، وجدير بالذكر أن الرفض لصفات الله والتشبيه بهوى الشرك، وقد تمثل ذلك في محاولات بعض الأفراد التي انكرت صفات الله أو وقفت ضدها، بالتالي، إن أهمية فهم هذه الجوانب تكمن في الحفاظ على العقيدة الإسلامية الصحيحة والابتعاد عن الشرك والإلحاد، حيث يجب على المسلمين الالتزام بتعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية وفهم توحيد الله في جوانبه الثلاثة آنفة الذكر، خاصة وأن تأكيد وحدانية الله يعزز الإيمان ويحفظ المسلمين من الانحرافات الفكرية التي قد تؤثر على العقيدة.
من الأمور المهمة أيضاً أن المسلمين يلتزمون بالأدلة الشرعية والتفاسير العلمية التي توضح معاني وأسماء الله وصفاته بطريقة تجنب التشبيه والتجسيم، وهذا يحافظ على نقاء التوحيد ويمنع التأويل الخاطئ الذي يمكن أن يؤدي إلى انحراف العقيدة، بالتالي، إن فهم هذه الأمور يعزز الوعي الديني ويساهم في تعزيز التقوى والعمل الصالح، كما أن الالتزام بتوحيد الله تبارك وتعالى في جوانبه الثلاثة يشكل أساساً للحياة الإسلامية الصحيحة ويعزز الروحانية والتواصل مع الله عز وجل.
على سبيل المثال، في قضية نداء الأنبياء والصالحين وطلبهم بالمساعدة بعد وفاتهم، وكيف يُظهر هذا النداء على أن العبادة موجهة فقط لله تبارك وتعالى وأن أي نداء أو طلب لغير الله يعتبر شركاً، سنحاول أن نتعمق في شرح هذا الأمر من خلال تفنيد وجهة نظر البعض حيث يعتبرون النداء والدعاء للنبي صلى الله عليه وآله سلم وللأنبياء جميعاً عبادة، وبالتالي يُظهر أنهم لا يعرفون حقيقة العبادة ولم يكونوا على دراية بتعريف العلماء لها، الحقيقة أنه هناك آيات قرآنية تثبت أن المدلول على النداء والدعاء واحد، ويُستخدم مثال النداء والدعاء في قصة نبي الله زكريا عليه السلام كدليل على جواز الدعاء لله وحده.
بالتالي، إن توجيه النداء لغير الله تعالى يُعتبر شركاً، ويستند إلى تفاسير قرآنية وأحاديث نبوية لتوضيح هذه القضية، حيث يتم التأكيد على ضلالة وجهل الذين يروجون لفكرة جواز الدعاء للأنبياء والصالحين بعد وفاتهم، وبدل ذلك، يجب البحث الدقيق والتأمل في النصوص الدينية لفهم صحيح وشامل للمواضيع الدينية، ومن ذلك قول الله تعالى: “وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ”، حيث يُفسر المؤذن الذي ينادي بالصلاة كمثال على الذي يحسن القول في دعوته إلى الله عز وجل، بالتالي، إن النداء والدعاء هما مترادفان، وأنهما يُستخدمان للتعبير عن السؤال والطلب، وذلك استناداً إلى القرآن الكريم والأحاديث النبوية ولغة العرب.
فالدعاء الذي يُنهى عنه هو الذي يُقصد فيه الانتقال بالقلب والوجه واللسان إلى غير الله تبارك وتعالى، ويشمل رجاء الإجابة والاعتماد على المدعو، بالتالي، يُبرز أن هذا الفهم يندرج تحت أنواع العبادة، ويُشدد على خطورة هذا الدعاء الذي يتجاوز الله تبارك وتعالى فيه بالتوجه إلى الآخرين من البشر، وفي سياق التأكيد على أن الدعاء هو عبادة، هناك الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تشير إلى أن الله عز وجل أمر عباده بالدعاء ووعدهم بالإجابة، حيثيتم التأكيد على أهمية الإخلاص في الدعاء وتوجيهه إلى الله وحده، وأن الانحراف عن هذا المبدأ يُعتبر شركاً وضلالاً.
أما فيما يتعلق بمعاناة الشخص الذي يدعو غير الله عز وجل في الدنيا والآخرة، فهذا خطأ كبير يقع فيه الكثيرين، وبدل ذلك، عليهمالبحث الدقيق والتأمل في النصوص الدينية لفهم صحيح وشامل للمواضيع الدينية، ويجب الاستمرار في الاستفادة من الأدلة الدينية لتحقيق التوجيه السليم في العبادة وهي كثيرة جداً وكل من يرغب بالتدقيق فيها سيجد آلاف الأمثلة التي تؤكد ذلك.
على سبيل المثال لا الحصر، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، دعا إلى إخلاص جميع أنواع العبادة لله تبارك وتعالى وحده، وقاد المجتمع الجاهلي إلى التخلص من الأصنام والآلهة الزائفة، وناضل من أجل ذلك بجدارة في جهاده، كما فحص ونقد عبادة النصارى للمسيح، ونهى الله عن دعوة الأنبياء والصالحين والملائكة،مؤكداً أنهم لا يملكون كشف الضر أو تحويله، هذا وتحدثت الآيات القرآنية عن تحذير الله من دعاء المسيح وأمه وغيرهم، وأكدت أن هذا النوع من الدعاء يعتبر شركاً.
بالتالي، هناك فوائد مهمة تستند إلى آيات قرآنية، وفي النهاية الله حكم على من يدعو غيره بالضلال، مظهراً عدم استجابة المدعو للداعي وغفلته عن الدعاء، بما في ذلك موقف المدعو في يوم القيامة، حيث يكون عدواً للذي دعاه في الدنيا، ويكفر بعبادته له، كما أن الله هو المالك الحقيقي والذين يدعون غيره لا يملكون شيئاً، وأن دعوتهم لا تجلب الاستجابة، وهذا كله يتعلق بأهمية الإيمان بما تدل عليه هذه الآيات القرآنية التي من المستحيل حصرها في مقال واحد، لكنمن يدعي المعرفة وينسى العلم قد يكون في ضلال عظيم، بالتالي، إن فهم القرآن الكريم والتأمل فيه ضروري للحصول على توجيه صحيح في العبادة.
وفي قوله تبارك وتعالى: (وإذا ذُكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذُكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون)، تُظهر الآية بوضوح الاشمئزاز الذي ينشأ في قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة عند ذكر وحدانية الله تبارك وتعالى، عندما يُذكر الله وحده، يثير هذا الفكر اشمئزازاً في قلوب الكافرين الذين لا يؤمنون بالحياة الآخرة، لكن عندما يُذكر الآلهة والأصنام الباطلة التي يُشركون بها مع الله، يظهرون فرحين ومسرورين، بالإضافة إلى ذلك، هذه الآية تُظهر وبشكل مباشر أن الاستمرار في الشرك وعدم الإيمان بالله وبالآخرة يؤدي إلى اشمئزاز القلوب، إذا كان هؤلاء الأشخاص يستندون إلى آل البيت في دعائهم بشكل ينتهك وحدانية الله، فإن هذا يتعارض مع مفهوم التوحيد الذي يدعو إليه الإسلام والذي يبرز وحدة الله بلا شرك أو شركاء، وبالتالي، يُظهر خطأ استخدام أي شخص كان ومهما علت مرتبته كوسيلة للتضرع بشكل يتعارض مع مفهوم التوحيد الإسلامي.
لقد أمر الله سبحانه وتعالى بالدعاء والشرع لعباده به، وجعلها عبادة خاصة، سماها ديناً، مشيراً إلى أهميتها وخصوصيتها، في ضوء القرآن الكريم وقوله تبارك وتعالى: “فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ”، هنا يظهر أن ما أمر به الله تبارك وتعالى، يصبح عبادة عندما يتم تنفيذه، وهو الدعاء.
بالتالي، إن الدعاء يحتوي على العديد من جوانب العبادة، فهو يعبر عن إسلام الوجه لله وحده، والرغبة فيه، والاعتماد عليه، والخضوع له، والتذلل أمامه، فمن سلم وجهه لغير الله، يكون مشركاً، ومن رغب عن الله إلى غيره، فهو في نفس الوضع، والدعاء حالة صحية وطبيعية لأي مؤمن وهي تعبير إيماني يتسم بالروحانية عند التسليم للخالق وحده دون غيره، فهل أجمل من شكر الله عند استجابة الدعاء.
إن الدعاء يعتبر سلاح المؤمن، وعماد الدين، ونور السماوات والأرض، ويبرز أهمية الإخلاص في العبادة، ويحذر من الشرك وإشراك غير الله فيها، حيث يشير القرآن إلى أن الاستمرار في الشرك وعدم الإيمان بالله والآخرة يؤدي إلى اشمئزاز القلوب، ويتضح من الآيات أن الدعاء لله يجب أن يكون خالصاً ومخلصاً، وأن الشرك في العبادة يعد خطأً جسيماً، بالإضافة إلى ذلك، إنالتفكير في آيات الشفاعة يظهر أنها تقع للذين يخلصون أعمالهم للهوحده، ولا تكون متاحة لمن يطلبها من غير الله، حيث ينبغي للمؤمنين أن يعتنوا بالإخلاص والتابعين لتعاليم الله ورسوله في عبادتهم.
أما في الزمان الحالي، يعاني دين الإسلام من التحريف والفهم الخاطئ، حيث يُشاهد تزايد غربة الإسلام، وهناك تحديات مثل الاستهانة بالمعروف وتقديس المنكر وكلها تعيد تعريف مفاهيم الحق والباطل، بالتالي، إن النصح بالخير ومحاربة الشر أصبحت أموراًملتبسة، الناس تضل عن الإخلاص والتابعية، ويظهر ذلك في تبني الشرك في عبادة الله، فالشفاعة تأتي بحسب الإخلاص والمتابعة الصافية لله وحده، ويتجلى أهمية الإخلاص في العبادة كأساس لقبول الأعمال وتجاوز السيئات، إذ أن الدين الإسلامي يحث على التمسك بالتوحيد والابتعاد عن الشرك والإخلاص في العبادة لله وحده، كما هو مبين في القرآن الكريم والسنة النبوية.
كما أن الدعاء، الذي يُعرف بأنه صلاة، يحمل معاني عظيمة وهو جزء أساسي من العبادة في الإسلام، يظهر تأثيره وأهميته في القرآن الكريم والسنة النبوية، مما يبرز أنه ليس مجرد نداء بل هو عبادة تحمل في طياتها التواصل مع الله والتذلل أمامه.
تأتي في القرآن الكريم دعوة الله للمؤمنين للصلاة والدعاء، حيث يقول الله تعالى: “وصلّ عليهم إن صلاتك سكنٌ لهم”، داعياً النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن يدعو للناس بالخير، وفي الحديث النبوي، يُظهر أن الملائكة تصلي على الإنسان ما دام في مصليه ويدعو بالمغفرة ، ونجد أن الدعوات لأصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم على زيادة الدعاء في السجود، مما يظهر أهمية هذه العبادة وقوتها في الوصول إلى قلوب المؤمنين، وتفصيل العلماء حول مفهوم الصلاة والدعاء يُظهر أنهم يرونهما متلازمين ومتضمنين في المعنى.
فالمراجعة لآراء علماء الإسلام تؤكد على أن الدعاء يعد عبادة وأن الله يرضى أن يسأل الإنسان ويدعوه بحاجاته، وتأكيد أن الله هو الإله الذي يستحق العبادة والدعاء، وأن كل ما يُعبد من دونه يعد باطلاً، ومن هنا، إذاً، يمكن التأكيد على أن الدعاء لا يقتصر على مجرد نداء أو طلب، بل هو عبادة تتضمن التواصل العميق مع الله تبارك وتعالى والاعتماد عليه كمصدر للقوة والمغفرة، بالإضافة إلى ذلك، إن تأمل هذا يُظهر أن الإسلام يحث على الدعاء باعتباره أحد أشكال العبادة والتقرب إلى الله عز وجل بخضوع وتواضع.
وفي التأمل بالدعاء، ندرك أن روح الإيمان تتجلى بوضوح في رباط العبد مع خالقه، الله وحده، والدعاء لله وحده، بحسب توجيهات السلف الصالح، الأمر الذي يمثل تصاعداً لروح المؤمن نحو سماء الأمل والاعتماد الكامل على الرحمن الرحيم، كما يتجلى عظم الإيمان في توجيه الدعاء لله وحده، بعيداً عن الشرك والانحرافات، فالسلف الصالح كانوا قد نموا في ظل تربية إسلامية صحيحة، حيث كانوا يفهمون أن الله وحده هو المستجيب للدعاء، وأن الأمور الكلية والجزئية في الحياة تخضع لإرادته السماوية، ويتضح في تقاليد السلف الصالح حقيقة أن دعاء الإنسان لربه يعكس تواضعه واعترافه بضعفه وحاجته المستمرة إلى إلهه.
لذا، عندما نتبحر في هذا الأمر ونجول في رحاب عالم الدعاء والاستشفاف وفهم الإيمان الحق، نوجه دعوةً لنقف معاً على قلب صافٍ ينبض بالتوحيد والاستسلام لله العظيم، في هذه اللحظة الروحية، نجد أن أقوى الأوصال للقلوب هي أن تكون قلوبنا متجهة إلى الله وحده، ملتمسة منه الرحمة والهداية في كل لحظة من حياتنا، فلنكن ممن يدعون ربهم بإيمانٍ حقيقي وقلوب خاشعة، ولنتبع خطى السلف الصالح في اعتناق التوحيد والالتجاء إلى الله في كل أمورنا، إن التمسك بفن الدعاء لله وحده يمنحنا قوة الإيمان والسلام الداخلي، ويجعلنا مستعدين لمواجهة تحديات الحياة بثقة ويقين.
عبدالعزيز بن بدر القطان/ كاتب ومفكر – الكويت.