يتساءل الكثيرون عن توقيتات الحضور في المؤتمرات، الاجتماعات، المناسبات الرَّسميَّة أو حتَّى الاجتماعيَّة.
وضَعتِ المدارس الدبلوماسيَّة المتخصِّصة في بروتوكول وإتيكيت حضور المناسبات الرَّسميَّة على مختلف أنواعها أُسُسًا ومبادئ جوهريَّة لنظام الأسبقيَّة استنادًا إلى (نَوْع المناسبة، الوقت، عدد الحضور، المكان، وراعي الحفل)، بالإضافة إلى مفردات أخرى في أدقِّ التفاصيل. مثال ذلك نَوْع (الأكل، الملابس، ودرجة ومناصب الحضور) وذهبت في بعض الأحيان إلى الاتِّجاهات السِّياسيَّة والدِّينيَّة للمدعوِّين تحاشيًا لأيِّ تماسٍ أو مشاحنة في مناسبة سعيدة؛ لذلك فإنَّ الدَّاعي للمناسبة أن يكُونَ حذرًا جدًّا في توجيه الدَّعوات واختيار الحضور، وخصوصًا المناسبات والحفلات النسائيَّة والَّتي تطغى عَلَيْها غالبًا هُوِيَّة التَّباهي وإثبات (الأنا). تُعَد الاجتماعات السِّياسيَّة في غاية الحساسيَّة والحِرفيَّة الدقيقة بالنسبة لأهمِّية (توقيتات الحضور والانصراف، نَوْع الطاولات سواء مستطيلة أو دائريَّة)، بالإضافة إلى دخولهم من باب واحد أو من بابَيْنِ متقابلَيْنِ بنَفْسِ التوقيتات، وهذا كُلُّه يعتمد اعتمادًا كُليًّا على نظام الأسبقيَّة ومكانة الدَّولة ومكان الاجتماع ونَوْع المفاوضات ومغزى الاجتماع، وهذا لا ينطبق على الاجتماعات العسكريَّة (طرفي النزاع)، لذلك على راعي اللقاء عَلَيْه أن يكُونَ في غاية الاهتمام بموضوع توقيتات دخول الوفدَيْنِ، سواء بوقت واحد أو بفروقات بسيطة لا تتعدَّى (15 إلى 30 ثانية)؛ لأنَّ التأخير في الحضور يُعدُّ رسائل مبطَّنة للطَّرف الآخر ذات معانٍ كثيرة، مِنْها عدم الرغبة بالحضور، عدم الرغبة بالاجتماع، يعَد هو صاحب القرار.. وغيرها من التفسيرات الَّتي يحملها الطرف الثاني في جَعبته، حضور المؤتمرات لها سياقات وفقرات خاصَّة بها أيضًا سواء انعقادها نهارًا أو مساءً، وحضور افتتاح مشاريع أو توقيع اتفاقيَّات، كُلُّها تخضع لنظام الأسبقيَّة بالنسبة للطرفَيْنِ.
تحتلَّ الأسبقيَّة لكبار الشخصيَّات في إقامة الدَّعوات مكان الصدارة في موضوع البروتوكول والإتيكيت في كُلِّ أنواع المدارس الدبلوماسيَّة. وكان مؤتمر فيينا المعقود عام 1815م الفضل الأكبر في تنظيم الأسبقيَّة في الحقل الدولي والدبلوماسي والتسلسل الوظيفي. تُحدَّد الأسبقيَّة بالنسبة للرؤساء والملوك والأباطرة إلى قِدم كُلٍّ مِنْهم في الحُكم؛ أي إلى تاريخ تتويج الملوك أو تاريخ تولِّي رؤساء الجمهوريَّات الرئاسة دُونَ أيِّ تمييزٍ. نتكلم اليوم بصورة مختصرة عن المناسبات الرَّسميَّة للسفارات، وهي حضور فعاليَّات العيد الوطني أو الاستقلال لدَولة (أ). وبالطَّبع فإنَّ سفارة الدَّولة سوف توجِّه الدَّعوة للحضور، سواء في موقع بناية السفارة أو في أحَد الفنادق الكبرى، وبالتَّالي فإنَّ بروتوكول وإتيكيت بطاقة الدَّعوة سوف تَحدِّد (وقت الحضور، ونَوْع الملابس، ومكان الدَّعوة، وراعي الحفل، نَوْع المناسبة) وتوجُّه إلى الجميع حسب نظام الأسبقيَّة؛ لذلك على الحضور الالتزام الكامل بما جاء في بطاقة الدَّعوة ومِنْها عدم جلب أصدقاء أو زوجاتهم أو أيِّ شخص آخر للمناسبة دُونَ عِلْم المستضيف. تكُونُ التوقيتات ـ على سبيل المثال ـ بأنَّ الحفل يبدأ السَّاعة 8 مساءً، لذلك يبدأ التوافد من السَّاعة 7:30 مساء لعامَّة الحضور ومِنْهم الكوادر الصحفيَّة الَّتي تغطِّي الحفل، وبعدها بعشر دقائق يبدأ الحضور بالقدوم، ومِنْهم الضيوف الدبلوماسيون (ملحق دبلوماسي، سكرتير ثالث، س ثانٍ، س أوَّل) ثمَّ بقيَّة الحضور أمثال: المديرون العامُّون، المستشارون، الوزير المفوَّض من مختلف السفارات، السّفراء، الوكلاء، الدَّرجات الخاصَّة، الوزراء لِتبقَى عشر الدَّقائق الأخيرة يكُونُ حضور كبار الشخصيَّات وراعي الحفل، لذلك على جميع المدعوِّين عَلَيْهم الالتزام بنظام الأسبقيَّة، ولا يُمكِن بأيِّ حال من الأحوال أن يتأخَّرَ شخص من المديرين أو الدَّرجات الأخرى بعد دخول راعي الحفل إلى المكان المخصَّص لبدء فقرات المناسبة.
تُعرف الأسبقيَّة في قواميس ومراجع اللغة العربيَّة على مختلف مصادرها بأنَّها هي الأولويَّة أو الأقدميَّة. تُعَدُّ الدبلوماسيَّة الإسلاميَّة هي أولى المدارس الَّتي وضعت اللبنة الأساسيَّة لنظام الأسبقيَّة بأغلب مفرداتها الَّتي تُعَدُّ اليوم نظريَّات ومفاهيم تدرس في أغلب الجامعات المتخصِّصة بفنِّ الدبلوماسيَّة والعلاقات العامَّة، حيث التَّوجيه الإلهي ليس للمُسلِمين فقط، وإنَّما لجميع الجنس البَشَري قال تعالى في سورة الواقعة: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَ?ئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12)) قال الأوزاعي في تفسيره هُمْ: أوَّلهم رواحًا إلى المسجد، وأوَّلهم خروجًا في سبيل الله؛ حيث أعطيت لهؤلاء الفئة الأولويَّة والأسبقيَّة عن غيرهم، وهناك تفسيرات أخرى تصبُّ بنَفْس المعنى. وفي الختام.. فإنَّ كُلَّ دَولة تحتفظ بتعليمات خاصَّة بها بنظام الأسبقيَّة والوزارات السِّياديَّة، وكذلك تحتفظ الدَّولة بأسبقيَّات المسؤولين في حضور الحفلات والدَّعوات الرَّسميَّة، أسبقيَّة زوجات السّفراء اعتمادًا على تسليم أوراق الاعتماد لهرم الدَّولة، أزواج السفيرات لا يتمتعن بأيِّ أسبقيَّة، أسبقيَّة زوج السفيرة يأتي بعد الوزراء المفوَّضين، أمَّا داخل السفارة فأسبقيَّة زوج السفيرة يأتي بعد الشخص الثاني بالسفارة.
د. سعدون بن حسين الحمداني- دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت