يرتبط النظر إلى القانون الجزائي من ناحية حقوق الإنسان بمجموعتين من القيم، أولهما، المصلحة المترتبة للأفراد في أن تُصان حياتهم وحرياتهم، وثانيهما، مصلحة المجتمع في تحريم بعض الأفعال، واعتبار الإقدام عليها، يشكل جرماً يتعرض فاعله إلى عقوبة قد تصل إلى حد الموت.
وإذا ما وقعت جريمة فإن اجراءات التحقيق للكشف عنها، وإيقاع وتنفيذ العقوبة بفاعلها، وما يتم خلال ذلك من اجراءات مثل التوقيف الاحتياطي والتحقيق مع الفاعل وتفتيش الأشخاص والمنازل مما يمس حرية الشخص ومسكنه على عكس إرادة الإنسان وحقوقه، وبدون مبرر صحيح، فكلا الأمرين وكما جاء في كتاب “أزمة الديمقراطية في الوطن العربي”، لمؤلفه حسين جميل، أن (وقوع فعل أو امتناع مما يعتبره القانون جريمة، واجراءات التحقيق والمحاكمة وتنفيذ العقوبة، يتصلان بحقوق الإنسان وحرياته).
كما أن التنظيم القانوني هو الذي يتكفل بوضع الضوابط المتمثلة في بعض القيود على حرية الفرد من أجل صالح المجتمع والقانون، وهو الذي يكفل التنسيق بين مصلحة الفرد في أمن حريته وحقوقه، وبين مصلحة الجماعة في حماية أمنها واستقرارها، وقد يقتضي هذا التنسيق في بعض الأحوال، المساس بالحرية الشخصية للفرد أو بحقوقه كإنسان، وقد يكون هذا المساس بصورة اعتقال، أو حبس احتياطي، أو تفتيش كما ذكرنا آنفاً، وهنا تكون مهمة المشرع أن يضع من الضمانات ما يكفل أن يكون المساس بحقوق الفرد وحرياته في أقل الحدود، وما يلزم لتحقيق الصالح العام في كشف الحقيقة في الجريمة وتحديد مرتكبيها، ومثل هذه الحماية لحقوق الإنسان وحرياته واجبة في كافة مراحل الخصومة الجنائية، وإن كانت تبدو واجبة في مرحلة التحقيق.
وفي مواضيع سابقة كنا قد أشرنا إلى ما أدى إليه تطور المجتمعات في العالم، في سبيل ترسيخ مفاهيم حقوق الإنسان من إقرار مبادئ معينة بالنسبة للقوانين الجزائية كمبدأ قانونية الجرائم وعدم رجعية العقوبة وإلغاء عقوبة الإعدام في الجرائم السياسية، وإلغاء العقوبات التي تمس بكرامة الإنسان كعقوبة الجلد وتكبيل المحكوم عليه بالسلاسل، وتوفيق الاجراءات مع حقوق الإنسان، وتوفير كل الضمانات لتخصص المحكمة وحيادها واستقلالها، وعلانية المحكمة وتوفير حقوق الدفاع للمتهم، وتفسير الشك لمصلحة المتهم، وفصل سلطة الحكم عن سلطتي التحقيق والاتهام، وبطلان الأدلة المستحصلة بوسائل غير مشروعة، وقابلية الطعن بالحكم لمحكمة أعلى.
لدينا أيضاً مسألة حماية الحريات والحقوق العامة بنصوص قانونية جزائية تعاقب على التدخل في الانتخابات والاستفتاء لتغيير إرادة الأكثرية أو لإعاقة المواطنين عن ممارسة حقهم، ومعاقبة الاعتداء على نصوص الدستور أو القوانين وتعطيل تطبيقها أو تنفيذ الأحكام أو تولي السلطة عن غير الطريق المقرر بالدستور والقانون وغير ذلك مما ورد في كتاب “حقوق الإنسان والقانون الجنائي – جامعة الدول العربية” للكاتب حسين جميل.
وبالتالي، إن كل هذه الأمور تعد من صميم حقوق الإنسان، نلاحظ وجودها كلها أو جزءاً منها في القوانين الجزائية العربية، كما نجد النصوص الكثيرة في الدساتير العربية التي تؤكد على هذه المبادئ، ولكن المشكلة الكبرى في الوطن العربي تنبع بالدرجة الأولى من تجاوز الممارسة على النصوص، ومن وجود الأنظمة الاستثنائية، التي توقف مفاعيل الأحكام القانونية، وحتى أن بعض الدساتير في الدول العربية والتي مضى عليها زمن طويل تشير بوضوح على الإبقاء على القوانين المخالفة للدستور إلا أن يجري تعديلها بقانون، لكن المشكلة هنا، أن هذا القانون قد لا يصدر أبداً.
عبدالعزيز بن بدر القطان/ مستشار قانوني – الكويت.