الزيارة المباركة التي يقوم بها حضرةُ صاحبِ السُّمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح أميرُ دولة الكويت الشقيقة إلى السلطنة يوم الثلاثاء تعد الأولى لعُمان لسموه منذ تولّيه مقاليد الحكم في ديسمبر الماضي، وهذا يؤكد لنا كعُمانيين عمق الروابط الراسخة المتينة التي تربط بين البلدين الشقيقين، ونحن في السلطنة كمواطنين نترقب هذه الزيارة ونعلم تلك العلاقات التي تربط بين البلدين؛ وهي علاقة خاصة ووطيدة وضاربة في أعماق الجذور.
العلاقات تمضي بخطى ثابتة ومتقاربة في الفكر والتطلعات ومتجاوبة بشكل متزايد مع تطلعات الدولتين والشعبين العماني والكويتي الشقيقين مستمدة المزيد من القوة والقدرة على الانطلاق نحو آفاق أرحب بفضل رعاية ودعم من جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم وأخيه سمو الأمير مشعل الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت الشقيقة؛ فهذه العلاقات متجذرة ومتواصلة بشكل دائم تربطها المصالح المشتركة في مختلف المجالات والأصعدة.
ولعل الزيارة الأخوية لأمير الكويت سوف تعزز جهود تعميق العلاقات الاستراتيجية وتترجم رغبة البلدين في توسيع نطاق العمل؛ حيث سيشهد ضيف عمان الكبير بمعية سلطان عمان المفدى هيثم بن طارق- حفظه الله- حفل افتتاح واحدة من أهم المشاريع المشتركة بين البلدين التي تقام في أرض السلطنة، وهو مشروع مصفاة الدقم والذي تأسس برغبة مشتركة بين الجانبين بهدف تعزيز العلاقات الاستثمارية والتجارية بين البلدين الشقيقين باستثمارات تقدر بنحو 9 مليارات دولار. ولا شك أن ما تقوم به اللجنة العمانية الكويتية المشتركة من دور وجهود حثيثة ومتعددة تساهم في دفع وتوسيع نطاق هذه العلاقات لما لدي القيادتين من قناعة على توافق الأفكار في العديد من المجالات الاقتصادية والتجارية والتعليم والبحث العلمي والشباب والخدمة المدنية والبيئة وغيرها من المجالات التنموية المختلفة.
ومشروع مصفاة الدقم يمثل إضافة نوعية لقطاع المصافي والبتروكيماويات في سلطنة عُمان، ويدعم جهود تعزيز الاقتصاد الوطني، ويتيح فرصًا كبيرة لنقل الخبرات والتكنولوجيا، مما يسهم في تطوير وتحسين القدرات الصناعية والتقنية بين البلدين. وقد كنت شاهدًا على وضع حجر الأساس لمشروع المصفاة في 26 أبريل 2018، عندما حضرت بصفتي الصحفية تلك المناسبة التي أقيمت تحت رعاية صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- عندما كان جلالته -أعزه الله- وزيرًا للتراث والثقافة آنذاك. كما زرتُ صحبة عدد من الزملاء الصحفيين والإعلاميين المنطقة الاقتصادية الخاصة في الدقم ومشروع المصفاة بالتحديد في يونيو 2019 بأوامر من السلطان طيب الذكر قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه.
اليوم وبعد مرور ما يقرب من 6 سنوات نشهد هذا الافتتاح الرسمي لهذا المشروع العملاق الذي يعد الأهم في منطقة الشرق الأوسط في إنتاج الصناعات البتروكيماوية.
المشروع خلال تلك الفترة واجه العديد من التحديات أبرزها جائحة كورونا والتحديات التمويلية، ولم يكن العمل طوال السنوات الستة الماضية سهلًا؛ بل شهد تحديات عدة، لكن العزيمة كانت صادقة وللوصول بالمشروع إلى مرحلته النهائية؛ كون هذه الشراكة الاستثمارية الرائدة الأكبر بين دولتين خليجيتين في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم.
لا شك أن هذا المشروع وغيره من المشروعات، يترجم الجهود المخلصة بين اللجنة العمانية الكويتية المشتركة التي تعمل دائما على رسم خارطة طريق تقوية التعاون الاقتصادي الثنائي. وتشير الإحصاءات إلى أن جهود اللجنة المشتركة كانت فاعلة؛ حيث تؤكد الأرقام أن قطاع التجارة يستحوذ على 35% تقريبًا من إجمالي الاستثمارات المشتركة بين البلدين، ويأتي بعده في المرتبة الثانية قطاع الإنشاءات، تليه قطاعات النقل والخدمات والصحة والتعليم والقطاع المالي والعقارات والسياحة والزراعة والنفط والغاز، إضافة إلى قطاع الصناعة. وتشير الأرقام الرسمية إلى أنّ الاستثمارات الكويتية المباشرة في سلطنة عُمان بحسب المركز الوطني للإحصاء والمعلومات بلغت حتى نهاية سبتمبر 2023 ما قيمته 922.3 مليون ريال عُماني بزيادة أكثر من 125 مليون ريال عن العام الماضي فيما بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في عام 2023 حتى شهر نوفمبر 790 مليون ريال عُماني بزيادة حوالي 300 بالمائة مقارنة بالعام السابق الذي بلغ حجم التبادل التجاري فيه نحو 280 مليون ريال عُماني.
ويسعى الجانبان لعقد “المنتدى الاقتصادي العُماني الكويتي” خلال الاشهر القليلة المقبلة بإشراف وزارتي التجارة والصناعة وغرفتي التجارة والصناعة في البلدين؛ لاستعراض الفرص والتحديات وتعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية في القطاعين الحكومي والخاص بحضور رجال الأعمال وممثلي المؤسسات والشركات الخاصة.
وختامًا.. نترقب الزيارة الكريمة لصاحب السمو الشيخ أمير الكويت، ونتوقع دفعة جديدة في مسيرة العلاقات الثنائية بين سلطنة عُمان ودولة الكويت الشقيقة.
حمود بن علي الطوقي