يدرس الدكتور محمَّد بن سالم بن محمَّد الجامودي في كتابه الصادر أخيرًا ضمن منشورات الجمعية العُمانية للكُتّاب والأدباء بالتعاون مع “الآن ناشرون وموزعون”، الأفعال الإنجازيَّة في الخطاب السياسي العُماني خلال الفترة 1970-2015.
ويقول الجامودي في مقدمة كتابه الذي جاء في أربعة فصول إن الأفعال الإنجازيَّة تعدّ المحورَ الأساس في نظريَّة أفعال الكلام، فـ”إحداث التلفُّظ هو إنجازٌ لفعلٍ وإنشاءٌ لحدث، والاعتقادُ بأن الكلام ما هو إلا حدث قوليٌّ وتجنُّبُ طابع (الفعليَّة) فيه مجانبةٌ للصَّواب، لأنه ينطوي على إضعافٍ ضمني لأهميَّة اللغة في حياتنا”.
ويضيف: “دار في خلدنا تساؤلاتٌ ملحَّة، مُؤدَّاها: هل يمكن للكلام أن يُنجز فعلًا؟ وإن كان كذلك، فكيف يمكننا إنجازُ فعلٍ بالكلام؟ وما الطرائق التي يمكن من خلالها أن نُنجز فعلًا بالكلام؟ وكيف نوائم بين المقاصدِ التي نرومها والأساليبِ اللغويَّة التي نستعملها؟ وكيف نوظِّف المعطيات السياسيَّة، والاقتصاديَّة، والاجتماعيَّة، والثقافيَّة… وغيرها، في بناء سياقٍ لغوي يمكن أن ننجز به فعلًا؟”.
ويوضح الباحث أنه ارتأى بعد دراسة نظريَّة أفعال الكلام العامَّة، جدوى تطبيقها على مدوَّنةٍ تضمُّ خُطب المغفور له -بإذن الله- السُّلطان قابوس بن سعيد بن تيمور – طيّب الله ثراه-، ليستبين من خلالها الأفعال الإنجازيَّة، وأنماطها، وأبعادها السياقيَّة، ودلالاتها، وطرائق إنجازها.
ويؤكد في هذا السياق على “أن وجاهة دراسة الأفعال الإنجازيَّة في خُطب السُّلطان قابوس -طيب الله ثراه-، يعضِّدها الحاجةُ الماسَّة إلى معرفةِ طبيعة اللغة المستعملة في هذه الخُطب، وتلمُّسِ دورها الإنجازي في مجريات الأحداث التي شهدتها عُمان، ذلك أن هذه اللغة قد واكبت مسيرةَ التنمية الشاملة في البلاد، منذ تولِّي السُّلطانُ الراحل قابوس بن سعيد بن تيمور مقاليدَ الحكم في عُمان… وتمثَّلت بصورةٍ أكثر وضوحًا في الخُطب السياسيَّة التي كان يلقيها السُّلطانُ في مناسباتٍ شتَّى”.
ويشير إلى أن هذه الخُطب كانت “منبرًا معهودًا، يتطلَّع إليها الشعب من داخل الوطن ومن خارجه، ويترقَّبها بلهفةٍ وشوق، كما تحظى بمتابعة واهتمام الجهات السياسيَّة والمؤسَّسات الإعلاميَّة في الخارج، ذلك أن السُّلطان يُطلِع فيها شعبه على مجرياتِ مسيرة النهضة الشاملة التي قادها، وسياساتِ حكومته في الداخل والخارج، ومواقفِها من أحداث العالم ومجرياته”.
ويؤكد الباحث على أن السُّلطان قابوس رحمه الله كان يوجِّه عن طريق الخُطب “رسائلَ ينشدها، ومقاصدَ يرمي إليها، مستعملًا في ذلك أساليبَ لغويَّة ذات طبيعةٍ إنجازيَّة، هدفها تغيير الواقع والتأثير في المتلقِّين، من منطلق أن الأقوال التي يمكن أن ينجزها (المتكلِّم)، بالاحتكام إلى قوانين الخطاب النابعة من التفاعل بين اللسانِ والخبرةِ الاجتماعيَّة، هي في نفسها أفعالٌ إنجازيَّة، إنجازيَّة من جهة أنها (لسان)، يُنجَز بها ما يُراد من المؤسَّسات الحكوميَّة وما على عامَّةِ الشعب أن يُسهموا به من متطلَّبات التنمية الشاملة للبلاد، وما يُستجلَى من خططٍ ومهمَّات، تُستشرَف بها الآمالُ والطموحات والتطلُّعات”.
فضلًا عن ذلك، يلفت الجامودي أن هذه الخُطب كانت “وسيلةً لمخاطبة الآخر، خارجَ الوطن، ممَّن له علاقةٌ بالشأن العُماني، دولًا كان أو أفرادًا، وتوجيه رسائلَ إليه صريحةً كانت أو ضمنيَّة، مباشرةً أو غير مباشرة”.
يذكر أن الجامودي يحمل درجة الدكتوراة في فلسفة اللغة من جامعة السُّلطان قابوس، وله العديد من الكتب والأبحاث العلمية المنشورة.
/العُمانية/