مع التطورات المستمرة في مجالات العمل والقانون، تثير الجرائم المخلة بالشرف في بيئة العمل قضايا قانونية وشرعية تتطلب تحديد دقيق للمفاهيم والمعايير المعتمدة في تقديرها، فالموظف، بموقعه ودوره في المجتمع، يحمل مسؤولية كبيرة تجاه سلوكه وأفعاله، ويتعين على النظام القانوني والشرعي أن يوفر الأطر اللازمة لتحديد ومعاقبة السلوكيات التي تنتهك القيم الأخلاقية والقوانين المعمول بها.
في هذا السياق، تأتي سلطة القاضي الإداري كأحد الجهات المختصة في تقدير الجرائم المخلة بالشرف للموظفين وفقاً للأحكام القانونية والشرعية المعمول بها، حيث يقع على عاتق القاضي الإداري مسؤولية تحديد ما إذا كانت الأفعال المنسوبة للموظف تشكل انتهاكاً للقيم الأخلاقية والأمانة، وبالتالي إصباغ صفة الإخلال بالشرف عليها، ويعتمد ذلك على معايير دقيقة تشمل نوع الفعل المعاقب عليه وظروف ارتكابه، بالإضافة إلى الظروف المحيطة بالنزاع والوقائع المعروفة في القانون والشريعة.
من هنا، يسعى النظام القانوني والشرعي إلى تحقيق العدالة والتوازن في تقدير الجرائم المخلة بالشرف، وتأمين حقوق الموظفين والحفاظ على سلامة ونزاهة بيئة العمل، وتعتبر محكمة النقض المصرية، من خلال قراراتها، مثالاً بارزاً على دور القضاء في توضيح وتطبيق القوانين المتعلقة بالجرائم المخلة بالشرف، وضمان تحقيق العدالة والشرعية في هذا السياق.
بالتالي، من الضروريات الأساسية لشغل الوظيفة أن يكون الموظف ذو أمانة ونزاهة وعدالة، إذا ارتكب الموظف جريمة من الجرائم التي تنطوي على انتهاك الأمانة والشرف، مثل الاختلاس أو الرشوة أو الشهادة الزور أو التلاعب بالمال العام، فإنه يُعزل عن وظيفته في حال صدور حكم بإدانته بأحد تلك الجرائم، وعندما يكون هذا الحكم قطعياً، يصبح إنهاء الوظيفة إجراءً نهائياً.
وفي أحد الدول العربية، تنص المادة (125) من قانون الخدمة المدنية على عقوبة العزل للموظفين المدانين بجرائم تنطوي على انتهاك الشرف والأمانة، كما هو مبين في القانون، فإذا صدر حكم قضائي نافذ بإدانة الموظف بأي من هذه الجرائم، فإنه يُعزل تلقائياً من وظيفته بمجرد اكتساب الحكم درجة القطعية، بالتالي، لا حاجة لإجراءات إضافية من قبل الإدارة لتنفيذ هذا العزل، ولكن يمكن أن تصدر الإدارة قراراً يُعلن فيه عن عزل الموظف تنفيذاً للحكم النهائي.
أما عقوبة الفصل فتختلف عن العزل، حيث يمكن أن تُصدر بقرار تأديبي من وزير الجهة المختص بناءً على توصية مجلس التأديب، كما يمكن أن تكون الفصل عقوبة تكميلية بموجب حكم قضائي يحرم الموظف من شغل الوظيفة العامة، مما يؤدي إلى فصله من وظيفته الحالية، كما وتُشير عبارة “اكتساب الحكم الدرجة القطعية” المذكورة في المادة (125) من قانون الخدمة المدنية إلى الشرط الضروري لتوقيع عقوبة العزل على الموظف المدان من الوظيفة العامة، حيث يتعين أن يكون الحكم الصادر قد اكتسب درجة القطعية، وهو الحكم النهائي الذي لا يمكن الطعن فيه بعد استنفاذ جميع السبل القانونية المتاحة، بما في ذلك الطعن أمام المحاكم العليا.
بالإضافة إلى ذلك، إن عزل الموظف من وظيفته يعتبر نتيجة مباشرة لحصول الحكم على درجة القطعية، الذي يُدين الموظف بجريمة تنتهك الشرف والأمانة، فور اكتساب الحكم هذه الدرجة، يُعزل الموظف من وظيفته، وهذا يحدث بمجرد صدور حكم المحكمة العليا الذي يُقر الحكم الاستئنافي الذي يؤيد الحكم الابتدائي بإدانة الموظف، هذا الحكم يفرض العزل على الموظف دون الحاجة إلى صياغة محكمة بخصوص العزل، إذ تكون عقوبة العزل واقعة بموجب القانون بمجرد صدور الحكم بدرجة القطعية.
كما يختلف عزل الموظف عن فصله كعقوبة تكميلية، حيث يتطلب فصل الموظف أن يتضمن الحكم بإدانته تصريحاً بحرمانه من تولي الوظائف وفقاً لما هو منصوص عليه في المادة (100) من قانون العقوبات، وبذلك، يُعتبر فصل الموظف عقوبة إضافية تفرض إلى جانب العقوبة الأصلية التي تم تحديدها في حكم الإدانة.
كما تنص المادة على أن خدمة الموظف تنتهي بالفصل أو العزل في حالة صدور قرار تأديبي أو تكميلي بموجب حكم قضائي نافذ من محكمة مختصة، وفيما يتعلق بالجرائم المخلة بالشرف والأمانة، مثل الرشوة، والاختلاس، والتزوير، والتلاعب بالمال العام، فإن حكماً بإدانة الموظف في أي من هذه الجرائم من قبل محكمة مختصة يعتبر شرطاً لعزل الموظف، شريطة أن يكتسب الحكم درجة القطعية، ومن الجدير بالذكر أن مفهوم الجرائم المخلة بالشرف والأمانة لا يقتصر على الأمثلة المذكورة في النص، بل يشمل أيضاً أعمالاً أخرى قد تنطوي على انتهاك للأمانة والشرف، وهذا يجعل المفهوم غير محدد بوضوح، خاصةً مع تبعات الحكم الذي يقر بالعزل في حالة ارتكاب مثل هذه الجرائم.
من هنا، إن الجرائم المتعلقة بالشرف تثير نقاشاً واسعاً نظراً لتأثيرها على سمعة ونزاهة الأفراد، ومن ثم، في ظل غموض القوانين المتعلقة بهذه الجرائم، يتمتع الإدارة بصلاحيات تقديرية في تحديد أي عمل يمكن أن يؤثر سلبًا على الشرف والنزاهة.
في هذا السياق، حددت المحكمة الإدارية العليا المصرية الجرائم المخلة بالشرف كتلك التي تتضمن أفعالاً تنبعث من ضعف الأخلاق وانحراف في السلوك، حسب طبيعة الجريمة وظروفها والأفعال التي تشكلها وتأثيرها على الرغبات والنزوات وسوء السلوك والأخلاق. كما يمكن تعريف الجرائم المخلة بالشرف بأنها تلك التي تدفع الشخص إلى تجنب الفضائل وارتكاب الجرائم الكبيرة التي يجب ازدراؤها، ولا يمكن الاعتماد عليه في الأمور العامة خشية أن يستغل سلطته لتحقيق مصالحه الشخصية أو يضحي بها في سبيل شهواته ونزواته وسوء سلوكه، تعتبر جرائم الشرف من الجرائم التي تتعارض طبيعتها مع الأخلاق والديانات، ويتفق الفقه والقضاء على أنها تشمل السرقة والتزوير واغتصاب العرض والنصب والاحتيال وخيانة الأمانة.
ومن الواضح أنه لا يوجد تعريف دقيق للجريمة المخلة بالشرف أو معايير محددة لقياسها، مما يجعل التقدير يقع على عاتق القاضي الإداري، على سبيل المثال، في أحد الأحكام، قررت محكمة النقض المصرية أن تحديد ما إذا كانت الجريمة تنطوي على إخلال بالشرف أم لا يعتمد على سلطة القاضي الإداري وحده، ويعتمد ذلك على نوع الفعل المخالف وظروف ارتكابه، بالإضافة إلى الظروف المحيطة بالنزاع والوقائع التي يتعامل معها القاضي.
بالتالي، إن محكمة النقض المصرية قررت في أحد الأحكام أن تعريف الجريمة المخلة بالشرف وإصباغ صفة الإخلال بها يقع ضمن صلاحية القاضي الإداري وحده، وذلك استناداً إلى نوع الفعل المخالف وظروف ارتكابه، فضلاً عن الظروف المحيطة بالنزاع، وفي هذا السياق، حددت المحكمة النقض المصرية الجرائم المخلة بالشرف كتلك التي تنبعث من ضعف الخلق وانحراف في الطبع، مثل جرائم التجمهر واستعراض القوة وقطع الطريق وإطلاق النار وسفك الدماء، وأكدت المحكمة أن مواصلة المطعون ضده للعمل بعد وجه تهمة المسيئة للسمعة والتي تنال من الشرف يتعارض مع طبيعة العمل في الشركة، حيث يفقد الشخص الثقة والاعتبار المفترض في أداء الواجب المنوط به، وبالتالي، فإن قرار فصله من العمل يكون متفقاً مع حكم القانون، وذلك رغم أنه قد حصل على براءة فيما بعد، إذ لا يؤثر ذلك على صحة وسلامة قرار إنهاء خدمته.
من هنا، ندرك أهمية تحديد الجرائم المخلة بالشرف في سياق العمل وضبط معاييرها وفقاً للأحكام القانونية والشرعية، فمن خلال سلطة القاضي الإداري والقوانين المعمول بها، يتم تحديد المفاهيم والمعايير التي تحكم هذه الجرائم وتحديد العقوبات المناسبة لها.
حيث تسعى المحاكم والسلطات القضائية إلى تحقيق العدالة والمساواة في معالجة قضايا الجرائم المخلة بالشرف، مع الأخذ بعين الاعتبار القيم الأخلاقية والقوانين السارية، وتعتبر محكمة النقض المصرية، من خلال قراراتها، مثالاً حياً على دور القضاء في توضيح وتطبيق القوانين المتعلقة بهذه الجرائم وضمان تحقيق العدالة القانونية والشرعية في هذا السياق.
كما من المهم فهم أن استمرارية المطعون ضده في العمل بعد إثبات التهم الموجهة إليه قد يعتبر انتهاكاً للمبادئ الأخلاقية والقوانين، مما يستدعي اتخاذ إجراءات قانونية وفقاً للأحكام المعمول بها، ومن ثم، يجب أن يكون قرار فصل الموظف متفقاً ومبرراً وفقاً للقانون والشريعة، مع مراعاة مصلحة العمل وحفظ النزاهة والسلامة في بيئة العمل.
في النهاية، يعكس تحديد الجرائم المخلة بالشرف ومعاقبة المتسببين فيها رغبة المجتمع في الحفاظ على القيم الأخلاقية والنزاهة، وتعزيز الثقة في نظام العدالة والقضاء، ومن هنا، يتوجب على جميع الأطراف المعنية التعاون في هذا السياق لتحقيق العدالة وتطبيق القانون بكل شفافية وعدالة.
عبدالعزيز بن بدر القطان / كاتب ومفكر – الكويت.