تحتفل سلطنة عُمان ـ ممثَّلةً في هيئة الدِّفاع المَدَني والإسعاف ـ مع دوَل العالَم الأعضاء في المنظَّمة الدوليَّة للحماية المَدَنية في الأوَّل من مارس باليوم العالَمي للدِّفاع المَدَني، والَّذي جاء هذا العام بشعار «دَوْر الدِّفاع المَدَني في التَّنمية المستدامة»، وسط منجزات نَوْعيَّة تحقَّقت لمنظومة الدِّفاع المَدَني والإسعاف بسلطنة عُمان، عزَّزت من موقعها في التَّنمية المستدامة، وتحقيق مستهدفات رؤية «عُمان 2040»، حيث يجسِّد هذا الشِّعار العلاقة التكامليَّة بَيْنَ التَّنمية المستدامة وعلاقتها بمنظومة الدِّفاع المَدَني، وعَبْرَ ترسيخ قِيَم وأخلاقيَّات ومبادئ الأمن والسَّلامة العامَّة والحماية المَدَنية والحدِّ من المخاطر والكوارث الطبيعيَّة والصناعيَّة، وعلاقة منظومة الدِّفاع المَدَني والإسعاف بتحقيقِ الاستدامة في خطط التَّنمية وبرامجها وتعظيم مسار وضْعِ هذه البرامج والخطط التنمويَّة في قائمة الأولويَّات الوطنيَّة، في ظلِّ ما تحيطه بها منظومة الدِّفاع المَدَني والإسعاف من رعاية وعناية ومتابعة واهتمام وتشخيص وتقييم وإعادة هندسة العمليَّات وفق مؤشِّرات الأداء ونماذج التَّعامل مع المخاطر، الأمْرُ الَّذي سينعكس إيجابًا على كفاءة التَّنمية واستدامتها وقدرتها على المحافظة على مستوى التوازنات فيها، بما يحفظ العيش الكريم والأمن للإنسان بعيدًا عن المخاطر والمشوِّهات الطبيعيَّة والصناعيَّة، من خلال عمليَّات البحث والإنقاذ والإطفاء وتقديم خدمات الإسعاف للمُصابِين الَّتي تقوم بها هيئة الدِّفاع المَدَني والإسعاف بما في ذلك الإسعاف على الطُّرق، والحالات الطارئة، والإسعاف المنزلي، والإسعاف الطائر، وتوفير الآليَّات والمعدَّات ووسائل الاتِّصال اللازمة لذلك.
وبالتَّالي يُمكِن قراءة دَوْر هيئة الدِّفاع المَدَني والإسعاف في منظومة التَّنمية المستدامة وتحقيق مستهدفات رؤية «عُمان 2040»، من زاويتَيْنِ؛ الأولى، جوانب التطوير والتحديث الكميَّة والنَّوعيَّة في البرامج والخطط والأدوات والهيكلة والإمكانات الَّتي شهدتها هيئة الدِّفاع المَدَني والإسعاف وانتشار مظلَّة خدماتها في مختلف محافظات سلطنة عُمان، حيث تُشير إحصائيَّات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات لعام 2023 إلى أنَّ عددَ مراكز الدِّفاع المَدَني والإسعاف تجاوزت أكثر من (60) مركزًا موزَّعة على مختلف محافظات وولايات سلطنة عُمان، حيث تمَّ مؤخرًا تدشين مركزيْنِ بولاية المزيونة بمحافظة ظفار وولاية الجبل الأخضر بمحافظة الداخليَّة لتقدِّمَ خدمات الدِّفاع المَدَني والإسعاف، والثَّانية تتعلق بالبُعد الاستراتيجي النَّوْعي الَّذي تمارس خلاله الهيئة مهام عملها واختصاصاتها لتحقيقِ مستهدفات رؤية «عُمان 2040» في إطار تعزيز مستويات الشراكة الاستراتيجيَّة وكفاءة التَّنسيق مع مختلف الجهات الأمنيَّة والعسكريَّة والمَدَنيَّة، آخذةً في الاعتبار رفع مستويات الجاهزيَّة والاستعداد المستدام في ظلِّ تعرُّض سلطنة عُمان المستمرِّ للأنواء المناخيَّة والحالات المداريَّة والأعاصير، بالإضافة إلى أنَّ حالات السقوط الجبلي المستمرَّة باتَتِ اليوم أحَد أهمِّ الحوادث المعقَّدة الَّتي تتعامل معها فِرق العمل بالهيئة بكُلِّ مهنيَّة واحترافيَّة، الأمْرُ الَّذي جعل من التحوُّل في مَسيرة عمل الهيئة وتطوير قدرتها الأدائيَّة منذ إنشائها، بالمرسوم السُّلطاني رقم (68/2014) ودلالات إعادة هيكلة الهيئة بالمرسوم السُّلطاني رقم (39/2021) في شأن هيئة الدِّفاع المَدَني والإسعاف، حيث جاء: «تهدف الهيئة إلى حماية الأرواح والممتلكات وتحقيق السَّلامة العامَّة، والحدِّ من مخاطر الكوارث الطبيعيَّة والصناعيَّة، والتَّقليل من آثارها، والعمل على تطبيق التَّدابير والإجراءات ذات الصِّلة بأعمال الدِّفاع المَدَني والإسعاف، بما في ذلك تقديم خدمات الإسعاف على الطريق، والحالات الطارئة، والإسعاف المنزلي، والإسعاف الطائر»، وما منحه للهيئة من صلاحيَّات وممكنات في تعزيز السَّلامة العامَّة، والحماية المَدَنية وبناء قدرتها في التَّعامل مع المخاطر والحالات الطارئة والاستثنائيَّة وتأكيد حضورها في سلوك المواطن وقِيَمه ومبادئه وأخلاقه وتقييم أثَرها في خطط المؤسَّسات وبرامجها، ما يتناغم مع التطوُّر الحاصل في منظومة الدِّفاع المَدَني وآليَّة عمل اللجنة الوطنيَّة للحالات الطارئة والمركز الوطني لإدارة الحالات الطارئة، وفي ظلِّ استشعار وطني بِدَوْر الأمن والسَّلامة العامَّة في مَسيرة التَّنمية الوطنيَّة وتعزيز قدرتها على رفع الجاهزية الوطنيَّة في التَّعامل مع المخاطر والتحدِّيات مع الاستفادة من أفضل الممارسات الدوليَّة في هذا الشَّأن.
إنَّ هيئة الدِّفاع المَدَني والإسعاف وهي تقوم بمهامِّها واختصاصاتها، تنطلق من مسؤوليَّتها الوطنيَّة والإنسانيَّة المعزِّزة للشراكة الاستراتيجيَّة والابتكاريَّة في الأدوات والوسائل والبرامج، وهي تستشعر المنظور الإنساني التَّنموي في حماية الأرواح والممتلكات وتحقيق السَّلامة العامَّة، ودَوْرها في تعزيز الأمن والسَّلامة، وتحقيق استدامة التَّنمية وصناعة الابتكاريَّة والتَّجديد فيها، والإشراف والرّقابة والمتابعة لمستوى الالتزام بمعايير السَّلامة والأمن والوقاية من المخاطر الَّتي تتعرض لها الأُسر والأفراد نتيجة التَّزايد المستمرِّ في حرائق المنازل والمنشآت السكنيَّة، وحالات الغرَق والحوادث المروريَّة المميتة محطَّة مهِمَّة في عمل منظومة الدِّفاع المَدَني وانطلاقة جادَّة نَحْوَ ترسيخ الوعي المُجتمعي بمعايير الأمن والسَّلامة العامَّة، وتأصيل فِقْه الاهتمام بمتطلبات السَّلامة الشخصيَّة والمؤسَّسيَّة والمنزليَّة، وتعزيز وعي المُجتمع بكُلِّ أطيافه بالمخاطر النَّاتجة عن الحرائق المنزليَّة النَّاتجة عن الإهمال ورداءة التَّوصيلات الكهربائيَّة، وسوء الاستخدام للأجهزة الكهربائيَّة والإلكترونيَّة، وتسرُّبات الغاز، وتوجيه أفراد المُجتمع إلى التَّعامل الواعي معها وحُسن استخدامها وصيانتها، ورفع مستوى الوعي بالمبادئ والقواعد والأُسُس المرتبطة بالسَّلامة الأمنيَّة والمَدَنيَّة على حدٍّ سواء، بما تضعه هذه المرتكزات من مسؤوليَّات أمام مؤسَّسات الدَّولة والمواطن والمُقِيم في مساندة جهود هيئة الدِّفاع المَدَني والإسعاف السَّاعية لتحقيقِ أعلى درجات الأمان والسَّلامة، وحفز الافراد والأُسر والمؤسَّسات على تعزيز أُطر السَّلامة الوقائيَّة وتنفيذ البرامج الدَّاعمة للتَّقليل من مخاطر الكوارث والحالات الطارئة على حياة المواطن والمُقِيم، أو في ضررها على البنية الأساسيَّة والبيئة والصحَّة والممتلكات العامَّة.
عَلَيْه، فإنَّ إسقاط دلالات هذا الشِّعار على دَوْر منظومة الدِّفاع المَدَني والإسعاف في تحقيقِ مستهدفات رؤية «عُمان 2040» «مُجتمع إنسانه مبدع، ينعم بحياة كريمة ورفاه مستدام» يحمل في دلالاته الصورة النموذج الَّتي قدَّمتها منظومة الدِّفاع المَدَني والإسعاف ممثَّلًا في مختلف تقسيماتها المؤسَّسيَّة واللِّجان والمراكز وتكاتفها في إدارة الحالات الطارئة، وامتلاكها أدوات تشخيص وإدارة وتحليل المخاطر والتَّعامل معها، ودرجة التنبُّؤ بنواتجها القائمة على تعظيم الحسِّ الأمني ورفع درجة الجاهزيَّة الوقائيَّة، الشخصيَّة والنَّفْسيَّة والاجتماعيَّة، في الحدِّ من كُلِّ ما يؤدِّي بالفرد إلى التهلكة والخطر، ما يُعزِّز من القِيمة المضافة لبرامج الأمن والسَّلامة العامَّة، في تحقيق أولويَّات الرؤية ومستهدفاتها، عَبْرَ بيئة آمِنة خالية من الكوارث، وقادرة على التَّعامل مع نواتج الأنواء المناخيَّة والحالات المداريَّة بكُلِّ كفاءة وسرعة، لِتقدِّمَ إحصائيَّات المركز الوطني للإحصاء والمؤشِّرات صورة متكاملة حَوْلَ جهود الهيئة، وتُعطي نموذجًا عمليًّا في سرعة تعاملها مع مختلف الحوادث والحالات، انطلاقًا من دَوْرها الوطني والأمني الإنساني في حماية الأرواح والتَّقليل من المخاطر الطبيعيَّة والحوادث بمختلف أنواعها، حيث تُشير إحصائيَّات عام 2022 إلى أنَّ إجمالي عدد حوادث الحرائق في عام 2022م بلغت (2400) حادث مرتفعة بنَحْوِ (3%) مقارنةً بالعام السَّابق. حيث كان التَّوزيع النِّسبي لحوادث الحرائق حسب النَّوْع في عام 2022م كالآتي: حرائق المنشآت السكنيَّة (32%)، وسائل النَّقل (22%)، والمخلَّفات الصناعيَّة (20%)، والمخلَّفات الزراعيَّة (10%)، والشَّركات والمؤسَّسات التجاريَّة (7%)، والمعدَّات وأعمدة الكهرباء (6%)، وبلغ إجمالي عدد حالات خدمة الإسعاف في عام 2022م (12.800) حالة إسعاف، شكَّلت إصابات الحوادث مِنْها (59%)، والحالات المرَضيَّة (41%).
وتبقى كفاءة وتجدُّد الممارسات الرياديَّة وشواهد الإثبات الَّتي أنتجتها جهود وعمليَّات هيئة الدِّفاع المَدَني والإسعاف في ميادين العمل، والَّتي أفصحت عَنْها كفاءة الإجراءات والاستعدادات في التَّعامل مع الحالات الطارئة والأنواء المناخيَّة والأحداث المفاجئة جنبًا إلى جنب مع شُرطة عُمان السُّلطانيَّة والأجهزة العسكريَّة والمَدَنيَّة، ونواتج العمل الميدانيَّة الَّتي أثبتَتْ خلالها الهيئة كفاءتها في التَّعامل مع كُلِّ المعطيات المرتبطة بمنظومة الدِّفاع المَدَني والإسعاف؛ في ظلِّ ما توافر له من ممكنات وقدرات وكفاءات وإمكانات متطوِّرة عزَّزت من قدرتها على القيام بمهامها في أدقِّ وأصعب الظروف، وفي تعاونها الفاعل مع المواطن والمُقِيم في الظروف الاستثنائيَّة وقربها مِنْه، وهي جهود باتَتْ تتَّجه اليوم إلى تعميق شعور المواطن والمُقِيم على حدٍّ سواء بمسؤوليَّاته القانونيَّة والأخلاقيَّة والإنسانيَّة في تعزيز السَّلامة العامَّة وترسيخ قِيَم المسؤوليَّة في التَّعامل مع المخاطر وتجنُّبها، والبحث عن أدوات أكثر ابتكاريَّة ترتبط بسلوك الإنسان اليومي، عَبْرَ بناء علاقة وعي مستديم، وزيادة الجرعات التوعويَّة والتثقيفيَّة للأفراد والمؤسَّسات، فإنَّ ما تعبِّر عَنْه مؤشِّرات عمل الهيئة من دلالات تبرز جوهر المبادئ والقِيَم وجاهزيَّة الموجِّهات والأُطر، في سبيل توفير بيئة آمِنة، تلتزم أعلى متطلَّبات السَّلامة في مختلف المرافق والمواقع، وتعمل بجديَّة نَحْوَ الحفاظ على الأرواح وحماية الممتلكات، في ظلِّ تشريعات مَرِنة، ومبادرات جادَّة، وبرامج مبتكرَة، وخطوات رياديَّة اتَّسمت بالنُّضج والديناميكيَّة ووضوح الهدف نَحْوَ بناء ثقافة الوقاية والسَّلامة والحماية المَدَنيَّة كسلوكٍ أصيل على مستوى الأفراد والأُسر والمؤسَّسات. إنَّها محطَّات نَوْعيَّة في تحقيق الاستدامة للتَّنمية والحفاظ عَلَيْها من التشوُّهات، والأضرار النَّاتجة عن عبَثِ الإنسان بها أو تعرُّضها للحالات الطارئة الطبيعيَّة، لتظلَّ منظومة الدِّفاع المَدَني والإسعاف شاهدَ إثباتٍ على ما تحقَّق من منجزات تستهدف سلامة الإنسان وأمْنَه والحفاظ على أرواح المواطنين والمُقِيمين وحماية الممتلكات العامَّة، لوطن آمِن، وتنمية مستدامة.
د.رجب بن علي العويسي