باعتبار أن رؤية الطفل المحضون تمثل جزءاً حيوياً من التنظيمات القانونية والشرعية، يتطلب تنظيمها احتراماً للمصالح القانونية والشرعية لجميع الأطراف المعنية في هذا الشأن، كما يتضمن هذا التنظيم العناية الخاصة بتحديد الزمان والمكان للرؤية، بالإضافة إلى التعامل مع المسائل المالية والمعنوية المتعلقة بالرؤية، حيث من الضروري أن يتم تنظيم هذه العمليات وفقاً للأحكام القانونية المعمول بها والمبادئ الشرعية ذات الصلة، لضمان تحقيق أقصى فائدة للطفل والحفاظ على مصالحه العليا.
بالتالي، وكثير ما نتعرض له من قضايا ذات صلة في هذا الخصوص، أن من المعلوم أن قضية الحضانة ورؤية الطفل لا تنشأ إلا في حالة انفصال الوالدين عن بعضهما البعض، في هذه الحالة، يصبح الطفل تحت رعاية أحد الوالدين، ومن الضروري في هذا السياق تمكين الوالد الآخر من رؤية الطفل، كما يجب أن تكون الحضانة موجهة نحو مصلحة الطفل، حيث تشمل مسؤولية الوالد المحضن الحفاظ على صحة الطفل ورعايته حتى يكون قادراً على العناية بنفسه. على الرغم من أن حق الوالد المحضن في الاعتناء وتقديم الحنان للطفل له أهمية كبيرة، فإن حق الوالد الآخر في تلبية احتياجاته العاطفية كوالد يجب أيضاً مراعاته، ومع ذلك، يتم تحديد مدة رؤية الوالد الغير محضن للطفل بناءً على مصلحة الطفل الأساسية، وهو الأمر الذي يقع على عاتق القاضي باستخدام تقديره وتقييمه للظروف الفردية في كل حالة.
ووفقاً لقانون الأحوال الشخصية، يُعرف مصطلح الحضانة في المادة (138) التي تنص على أنها “حفظ الصغير الذي لا يستقل بأمر نفسه وتربيته ووقايته مما يهلكه أو يضره بما لا يتعارض مع حق وليه، وهي حق للصغير فلا يجوز النزول عنها وإنما تمتنع بموانعها وتعود بزوالها”، ويتضح من هذه المادة أن الحضانة حق مقرر للطفل، ولا يجوز للحاضنة التنازل عنه، بل يُجبر عليها القيام بالحضانة في حال عدم وجود من يتولى رعاية الطفل، حيث ينبغي التأكيد أن الحضانة لا تتعارض مع حق ولي الأمر، حيث يتداخل الحق في الولاية على الطفل مع مفهوم الحضانة منذ ولادته، وتنطوي الولاية على حقوق وواجبات لولي الأمر، بما في ذلك حقه في رؤية الطفل المحضون إذا كان الحاضن هو الأم، وكذلك واجبه في توفير النفقات الضرورية لرعاية الطفل حتى يبلغ سن الرشد، اما في حالة كون الحضانة للأب، فإن للأم حق في رؤية الطفل المحضون وفقاً لما تنص عليه المادة (145) من قانون الأحوال الشخصية.
وجدير بالملاحظة أنه في الأصل، يجب أن ينشأ الطفل أو الصغير في رحاب كل والديه (الأب والأم)، حيث يقوم الأب بممارسة ولايته وتقديم الرعاية، بينما تتولى الأم الحضانة والعناية بالطفل، من هنا، يتحمل كل من الوالدين مسؤولية المحافظة على الطفل وتربيته ورعايته وتوجيهه بشكل صحيح، وتلبية احتياجاته العاطفية للحنان والرعاية من الوالدين معاً، أما من الجانب الآخر، يمثل وجود الوالدين معاً إلى جانب الطفل تجسيداً للطبيعة الأساسية للأبوين في تقديم الرعاية وتحقيق الأبوة والأمومة بشكل مشترك.
وبالتالي، في حالة انفصال الزوجين بسبب مثل الطلاق أو الفسخ أو الخلع، فإن رؤية الطفل تعتبر وسيلة لتحقيق هذه الأهداف بأقل ما يمكن، وبالتالي تحتاج الرؤية إلى تنظيم مناسب يحقق أهدافها بشكل فعال.
ونظراً لتداخل مفهوم الحضانة مع مفهوم الولاية، فقد وضع القانون تنظيماً لرؤية المحضون في إطار تنظيم واجبات الحاضن وولي المحضون، وفي هذا السياق، تنص المادة (145) من قانون الأحوال الشخصية على أن “على الحاضن القيام بما يصلح الطفل إلا النفقة وتوابعها، فهي على من تلزمه طبقاً للمبين في باب النفقات، كما يجوز للحاضن نقل الطفل إلى بلده مالم يكن في ذلك ضرر على الطفل مادياً أو معنوياً أو أخلاقياً، وإذا كان الصغير عند أحد والديه كان للآخر حق رؤيته بالطريقة التي يتفقان عليها أو بما يراه القاضي”.
ويشير هذا النص إلى أن تنظيم رؤية المحضون يتم بطريقتين:
الطريقة الأولى: عبر اتفاق الوالدين المنفصلين؛
الطريقة الثانية: من خلال تدخل القاضي في حال عدم توافق الوالدين على تنظيم الرؤية.
بالتالي، إن التنظيم المناسب لرؤية المحضون يشمل تحديد الزمان والمكان الذي يتم فيه اللقاء، بالإضافة إلى تحديد النفقات المتعلقة بالرؤية مثل تكاليف السفر وأية مصاريف أخرى ذات صلة، كما يجب أن تكون مصلحة الطفل المحضون هي العامل الرئيسي في هذا التنظيم، حيث يتم تحديد وقت الرؤية بناءً على ما يخدم مصلحته، على سبيل المثال، قد يتم تحديد ساعات قصيرة للرؤية إذا كان الطفل رضيعاً، وتطول الفترة إذا كان قادراً على الانتقال بمفرده، كما يمكن تمديد فترة الرؤية إلى أيام أو أسابيع، حسب الظروف، وحتى إذا كان الحاضن يعيش في مدينة أو بلدة مختلفة عن والد المحضون، فإنه يمكن ترتيب لقاءات بشكل مناسب، ويجب عدم تسبب هذه الرؤية في أية أضرار للمحضون، سواء مادية أو معنوية أو اخلاقية، وفقاً لما هو منصوص عليه في المادة (145) من قانون الأحوال الشخصية، وتكون تكاليف الرؤية على عاتق الولي أو الشخص الملزم بتحمل النفقات المتعلقة بالمحضون.
من هنا، يظهر بوضوح أهمية التنظيم القانوني والشرعي لرؤية الأطفال المحضون، حيث يكمن في ذلك الحفاظ على حقوقهم ومصالحهم العليا. يجب على الجهات المعنية بالرؤية، سواء الآباء أو الأمهات أو السلطات المختصة، العمل بكل دقة واحترافية لتحديد الزمان والمكان المناسبين للرؤية، وضمان توفير الظروف المناسبة التي تسمح بتحقيق فوائد قانونية وشرعية أقصى للأطفال، كما من المهم أن يتم التعامل مع الجوانب المالية والمعنوية للرؤية بشكل شفاف وعادل، وفقًا للأحكام القانونية والمبادئ الشرعية المعترف بها. وبهذا النهج، يمكن تحقيق توازن فعّال بين حقوق جميع الأطراف المعنية، مما يسهم في تعزيز العدالة والمساواة في النظام القانوني والشرعي.
وجدير بالذكر أن ظاهرة الطاق، تعد من الظواهر الاجتماعية التي انتشرت بشكل كبير في الدول العربية خلال السنوات الأخيرة، وقد أثرت بشكل كبير على الأطفال والأسرة بشكل عام، فالطلاق يعتبر حدثاً مؤلماً يترك آثاراً عميقة على نفسية الأطفال وسلوكهم الاجتماعي، حيث يواجه الأطفال الذين يعيشون في بيئة طلاق أحد الوالدين تحديات اجتماعية كبيرة، بما في ذلك ضعف الدعم العاطفي والنفسي، وفقدان الأمان والاستقرار النفسي، وتدهور العلاقات الاجتماعية، بالتالي، يمكن أن يؤدي هذا الوضع إلى زيادة معدلات القلق والاكتئاب لدى الأطفال، وتأثير سلبي على أدائهم الدراسي والتفاعل مع المجتمع.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي انفصال الوالدين إلى تدهور العلاقة بين الطفل وأحد الوالدين أو كليهما، وقد يصعب على الطفل فهم الأسباب والتعامل مع المشاعر المتناقضة التي قد يشعر بها، كما قد يواجه الأطفال ضغوطاً اجتماعية من الأقران أو المجتمع بسبب وضعهم الأسري.
بالتالي، ينبغي على المجتمعات العربية توفير الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال الذين يعيشون في بيئة طلاق، بما في ذلك تقديم الخدمات الاجتماعية والنفسية المناسبة وتعزيز الوعي بأهمية الاستقرار الأسري وتقديم الدعم للأسر المتأثرة بالطلاق، كما يجب على الأسر والمجتمع بشكل عام العمل على تعزيز الحوار والتواصل الفعال بين الأفراد لتقليل نسبة حدوث الطلاق وتقديم الدعم اللازم للأطفال المتأثرين به، فالقانون يكفل حق الأطفال القانوني، أما الحق المعنوي فهو على عاتق مؤسسات الدولة ذات الصلة بكل تأكيد.
عبدالعزيز بن بدر القطان/ مستشار قانوني – الكويت.