في النظام القانوني والشرعي، تحمل الشهادة والشهود دوراً بارزاً وحيوياً في إثبات الحقائق وتحقيق العدالة، ويعتبر تقديم الشهادة وتقديم الشهود وسيلة أساسية لتقديم الأدلة في المحاكمات والإجراءات القانونية، كما يتوجب على المحكمة أو السلطة القضائية أن تستند إلى الشهادات والشهود لاتخاذ قراراتها بشأن القضايا المختلفة.
ومن الناحية الشرعية، تعتبر الشهادة والشهود من الأدلة الأساسية في تطبيق الشريعة الإسلامية وتحقيق العدالة، حيث أن توجيه الشهادة باتباع القسم الشرعي يعكس مدى جدية المسؤولية والتزام الشاهد بالصدق والعدالة، وتُعدّ مشاركة الشهود وتقديم الشهادات جزءاً لا يتجزأ من الإجراءات القانونية في إقامة الحق ومعاقبة المخطئ، وذلك وفقاً لمقتضيات الشريعة والقوانين المعمول بها.
كما يمثل وجود الشهادة والشهود في المنظومة القانونية والشرعية تعبيراً عن قيم العدالة والنزاهة، وتساهم في ضمان حقوق الأفراد وفي تحقيق المساواة أمام القانون، إن استخدام الشهادة واستدعاء الشهود يُعَدّ منظومة تكاملية ضرورية لتحقيق العدالة والمحافظة على سلامة النظام القانوني والشرعي.
وكما ورد في كتاب الله تعالى: “وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا”، وفي سياق القانون، عندما يطلب الخصم شهادة شاهد، يجب أن يكون الشاهد غير متهم وعادلاً في شهادته، ولا يحق لمن طلب الشهادة أن يتلاعب بشهادة الشاهد المدعومة منه، ومع ذلك، يجب التأكيد على أن ذلك لا يعني حرمان الخصم الذي طلب الشهادة من الاعتراض على شهادة الشاهد بعد إدلائه بها، أو تفنيد الشهادة، حيث أن الخصم لا يعلم مضمون الشهادة التي سيقدمها الشاهد أو الأسئلة التي ستطرح عليه، وبالتالي فإنه قد يتبين فيما بعد أن شهادة الشاهد غير صحيحة أو غير موثوقة قانونيًا وشرعًا.
أما في نظام القانون، يعتبر الإثبات بالشهادة أحد أبرز وسائل تقديم الأدلة، حيث تنص المادة (13) في ترتيب الأدلة على أن الشهادة تأتي في المرتبة الأولى. وعندما تتوافر شروط الشاهد كما هو منصوص عليها في المادة (27) للإثبات، وتتحقق في الشهادة شروط وأحكام القانون المعمول به، فإن الشهادة تكون قوة دليلية ضد المشهود له والمشهود به معاً. فالشاهد يقدم شهادته وفقًا لما أمر به الله تعالى في القرآن الكريم، حيث ورد: “وَاقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ”، وبالتالي، يقدم الشاهد شهادته بعد أداء اليمين أمام المحكمة، مؤكداً بذلك صدقه في الشهادة وأنها تأتي بموجب إرادة الله تعالى، وليس لصالح الخصم الذي طلب استدعاء الشهود، وبناءً على هذا، تكون الشهادة قوة دليلية ضد الخصم الذي استدعى الشهود وكذلك ضد الخصم الآخر.
أيضاً، من المعروف أن قبول الخصم لشهادة الشاهد يُعتبر في البداية تعديلاً للشاهد، وهذا يمنع الخصم القابل بعد ذلك من مهاجمة عدالة الشاهد أو التشكيك في مصداقيته، وفقاً للمادة (55) من قانون الإثبات، فإن قبول الخصم لشهادة الشاهد قبل أدائها يُعتبر تعديلاً للشاهد، وبالتالي لا يُسمح بمهاجمته بعد ذلك، بينما إذا قبل الخصم شهادة الشاهد بعد أدائها، فهذا يُعتبر اعترافاً بما فيها.
ومن هنا، يتضح أن طلب الخصم لشهادة الشاهد في البداية يُعتبر تعديلاً للشاهد، مما يمنع الخصم الآخر من التشكيك في عدالة الشاهد أو مهاجمته، إلا أن طلب الشهادة في البداية لا يُفهم على أنه قبول مسبق بشهادة الشاهد التي سيدلي بها لاحقاً، حيث أن الخصم الطالب للشهادة لا يعلم ما سيقوله الشاهد عند إدلائه بشهادته أمام المحكمة.
وبموجب القانون، يُسمح للخصم الطالب للشهادة بطرح الأسئلة على الشاهد أثناء إدلائه بشهادته، ويُلزم الشاهد بالرد على هذه الأسئلة، بالإضافة إلى الأسئلة الموجهة من المحكمة، وبناءً على ذلك، يحق للخصم الذي طلب استدعاء الشاهد أن يُنفي أو يُدحض ما ورد في شهادته، طالما أنه لم يقبل الشهادة بعد أدائها، وذلك لأن الشهادة تُقدم بحسب إرادة الله تعالى ولا يعلم الطالب للشهادة مضمونها ولا مضمون الأسئلة التي سيواجهها الشاهد.
وفي نتيجة لهذا التحليل، يُشير إلى أن قبول الخصم الذي طلب الشهادة بعدالة الشاهد لا يُفهم على أنه موافقة مسبقة على محتوى الشهادة التي سيقدمها لاحقاً، وبناءً على هذا، يظهر أن الحكم الذي تم اعتماده لم يُناقش بالأساس مضمون شهادات الشهود المتناقضة، بل تم طعنه بسبب عدم مناقشة مدى صلاحية الشهادات كحجة ضد الخصم الذي استدعاهم.
بالتالي، يمكن أن نؤكد على أهمية الشهادة والشهود في المنظومة القانونية ومكانتها الفريدة من الناحية الشرعية. فهي ليست مجرد وسيلة لتقديم الأدلة وإثبات الحقائق، بل هي أيضاً عمادٌ وركن أساسي لتحقيق العدالة وتطبيق القوانين والشرائع.
ومن خلال تقديم الشهادة واستدعاء الشهود، يتسنى للمحكمة أو السلطة القضائية أن تصل إلى قرارات مبنية على أسس دقيقة وشهادات موثوقة، مما يضمن إقامة الحق ومعاقبة المخطئ بالشكل الصحيح، ومن الجانب الشرعي، تؤكد الشهادة بالقسم الشرعي على مدى جدية الشاهد وتزامنه بالصدق والعدالة، وهو ما يعكس مبادئ النزاهة والمساواة التي تحكم قوانين وأحكام الشريعة الإسلامية.
وبهذا، فإن الشهادة والشهود تمثلان عنصراً أساسياً في نظام العدالة والقانون، وتعكسان التزام المجتمع بقيم العدالة والنزاهة كما أشرنا آنفاً، وباعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الإجراءات القانونية والشرعية، تسهم الشهادة والشهود في تحقيق العدالة وصون سلامة النظام القانوني والشرعي، وهو الأمر الذي يعزز الثقة في العدالة والنظام القائم.
في هذا السياق، يلعب المحامي دوراً حيوياً وحاسماً في تقديم الشهادة والشهود وفي تأمين حقوق موكليه أمام المحكمة، ومن بعض الأدوار الرئيسية التي يقوم بها المحامي في هذا السياق:
- استشراف الدليل: يقوم المحامي بتحليل الأدلة المتاحة وتقييم قوتها وجدواها في القضية، بما في ذلك الشهادات والشهود المحتملين؛
- استدعاء الشهود: يقوم المحامي بتحضير وتقديم الدعوات للشهود الذين يمكن أن يسهموا في إثبات حقائق القضية، ويقدم الاستجوابات والتحقيقات اللازمة لضمان الحصول على المعلومات الضرورية؛
- توجيه الأسئلة: يقوم المحامي بتوجيه الأسئلة اللازمة للشهود أثناء إدلائهم بشهاداتهم أمام المحكمة، بهدف استخراج المعلومات الهامة والمفيدة لصالح قضية موكله؛
- الدفاع عن الشهود: في حالة وجود شهود من جانب المدعى عليه، يقوم المحامي بتقديم الدفاع اللازم لهم وحمايتهم من الاستجوابات والتحقيقات العنيفة؛
- تحليل الشهادات: يقوم المحامي بتحليل وتقييم شهادات الشهود وتقديم الحجج والدلائل المناسبة لدعم قضية موكله.
بالتالي، وبشكل عام، يكمن دور المحامي في ضمان سلامة وقوة الشهادة والشهود في المنظومة القانونية، وتحقيق العدالة وصون حقوق موكله في المحكمة.
كما أن الشريعة الإسلامية، تحمل الشهادة والشهود أهمية كبيرة في تحقيق العدالة وتطبيق القانون وفي إثبات الحقائق، ويشير القرآن الكريم إلى أهمية الشهادة والشهود في عدة آيات، من بينها:
آية الشهادة القوية: يقول الله تعالى في سورة البقرة: “وَأَشْهِدُواْ ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُواْ الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ” (البقرة: 282)، في هذه الآية، يُحث المؤمنون على إقامة الشهادة لله والتصديق بالحقيقة في الشهادات، وأن يكون الشهود من الأشخاص العادلين والموثوق بهم.
آية توجيه الشهادة: وفي سورة الطلاق، يقول الله تعالى: “وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا” (الطلاق: 2)، وذلك تأكيداً على أهمية تقديم الشهادة لله وتوجيهها بالصدق والعدالة، وأن من يتقي الله سيجد مخرجاً من كل صعوبة.
وبشكل عام، تظهر هذه الآيات القرآنية أهمية الشهادة وضرورة صدق الشهود وعدالتهم في إقامة العدالة وتحقيق الحق في الشريعة الإسلامية.
عبدالعزيز بن بدر القطان / كاتب ومفكر – الكويت.