تتسابق الدوَل على مختلف مسمَّياتها وثقلها وكبرها ورصانة اقتصادها بالظَّفَر بمنْجَم السِّياحة من خلال الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة وأذرعها المتنوِّعة ضِمْن الصلاحيَّات والمهام، سواء على مستوى إدارة الوقت من حيث التكتيك أو الاستراتيجيَّة المرجوَّة بتحقيق الهدف المرجوِّ مِنْها.
تؤدِّي الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة دَوْرًا كبيرًا وجوهريًّا بالتَّرويج عن مُقوِّمات السِّياحة من خلال موظَّفي الاختصاص، سواء بالدَّاخل أو بالخارج في البعثات الدبلوماسيَّة، وجلب الاستثمارات لغرضِ إحياء وتنشيط السِّياحة بكُلِّ مفرداتها ومن أهمِّ أنواع ومجالات السِّياحة هي: السِّياحة الدينيَّة، السِّياحة الطبيَّة، السِّياحة الأكاديميَّة أو الثقافيَّة، السِّياحة التراثيَّة، السِّياحة الشاطئيَّة، السِّياحة الداخليَّة، السِّياحة الترفيهيَّة وغيرها من الأنواع الَّتي ترتبط بهذا المنْجَم الكبير.
تقسَّم عناصر الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة إلى (خارجيَّة وداخليَّة) أو بالأحرى دوليَّة ومحلِّيَّة، والاثنان يستندان إلى مُقوِّمات البلد وطبيعة توجُّهاته ومركزيَّة القرار الهرمي، بالإضافة إلى حِرفيَّة الموارد البَشَريَّة والعقليَّة العصريَّة والصَّلاحيَّات الممنوحة لَهُم والحوافز الَّتي تنافس السَّاحة الإقليميَّة، كذلك الانفتاح على وسائل التواصُل الاجتماعي محلِّيًّا وخارجيًّا، والتَّعامل بكُلِّ جديَّة ومصداقيَّة. وهنا تؤدِّي عدَّة عناصر بالدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة، ومِنْها البعثات الخارجيَّة، الدَّوْر الجوهري بجلبِ الاستثمارات بمختلف أنواعها لدعمِ السِّياحة ضِمْن حِزَم وتبادل المصالح لتحقيقِ أهداف اقتصاديَّة مخطَّط لَها بالأرقام للطرفَيْنِ. الكادر الدبلوماسي الحِرَفي والمهني يُعَدُّ القاموس الَّذي يحتوي على كُلِّ معلومات بلده الاقتصاديَّة والسِّياحيَّة، والَّذي سوف يُعَدُ مغناطيسًا لجذْبِ رؤوس الأموال الرَّصينة لِتَنشيطِ وإحياء السِّياحة بمختلف أنواعها بعيدًا عن التقوقع بالمكتب الإداري بمقرِّ السّفارة، ومن الدَّاخل يؤدِّي موظَّفو العلاقات العامَّة والدَّوائر ذات الاختصاص بفتْح قنوات الاتِّصال الفوري وقيام الدَّعوات والمؤتمرات والفعاليَّات، سواء أسبوعيًّا أو شهريًّا، وكذلك يؤدِّي الدَّوْر المركزي للوزير أو الشَّخص المسؤول على هذا الملف بجديَّة المتابعة وبناء هيكل محنَّك ضِمْن مبادئ (القيادة الرَّشيقة والإدارة الحديثة) مستندًا إلى الثَّقافة العالية والشَّهادة الأكاديميَّة، والكفاءة وبُعد النَّظر في هذه التشعُّبات، بالإضافة إلى عناصر أخرى.
السِّياحة منْجَم ذهبٍ لا ينتهي وحدوده لا نهاية لَها، وأدواته الرئيسة هي الدِّعاية الخارجيَّة والداخليَّة (سواء من الدَّاخل عن طريق الإعلام المرئي وأخرى، أو من الخارج بواسطة بعثاتنا الدبلوماسيَّة)، وهذا واجب وطني كبير يضع على عاتقهم المسؤوليَّة الكبرى لغرضِ التَّرويج عن معالِم سلطنة عُمان السِّياحيَّة الواعدة بكُلِّ مجالاتها وفروعها. تُعَدُّ بعثاتنا الخارجيَّة المُتمكنة وذات الخبرة المهنيَّة الطويلة، هي الدَّليل الجوهري والشُّعاع الثَّاقب للتَّعريف عن السِّياحة في السَّلطنة، وكذلك أنَّنا في الدَّاخل لا نعرف ـ على سبيل المثال ـ شركات السَّفر والسِّياحة الرَّصينة بالخارج الَّتي يُمكِن التَّعامل وتوقيع البروتوكول السِّياحي معها. كُلُّ دوَل العالَم مهما كان تصنيفها صناعيَّة أو نفطيَّة أو سياحيَّة تُعاني من أزمات اقتصاديَّة، سواء عجزًا في ميزانيَّة الدَّولة أو ركودًا اقتصاديًّا بسبب تأثُّرها بالأزمات الدوليَّة الَّتي تعصف بكُلِّ دوَل العالَم. وهنا تؤدِّي الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة دَوْرًا مُهِمًّا في تنويع مصادر الدَّخل القومي للفرد وجلبِ الاستثمار الأجنبي لبلدِها، وفي بعض الدوَل تُقاس وتُقيَّم سفارتها وكادرها على مدى نشاطها وكم من الاستثمارات أدخلت إلى البلد، ومِنْها مجال السِّياحة، لذلك فإنَّ الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة تقع على عاتقها مسؤوليَّة كبرى للتَّعريف بمُقوِّمات نجاح المشاريع من خلال عدَّة طُرق وأساليب، وهذا ما عملته الدبلوماسيَّة البريطانيَّة بعد انتهاء الحرب العالَميَّة الثَّانية في ساحة عملهم لِمَا فيه فائدة ومردود إيجابي للبلد.
إنَّ الخطوات الاقتصاديَّة الكبيرة الَّتي اتَّخذها جلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ أبقاه الله ـ في رؤية (عُمان 2040) وزيارته الأخيرة (زيارة دَولة) للهند وسنغافورة، وكذلك توقيع الاتفاقيَّة مع دَولة الكويت الشَّقيقة في منطقة الدقم، هي بالأحرى تطبيق راقٍ وحِرفي لنظريَّات الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة والَّتي يحمل رايتها بكُلِّ إخلاص والدنا جلالة السُّلطان لتحقيقِ مفردات الرفاهيَّة للشَّعب العُماني الأصيل والاستقرار المالي والاقتصادي للمُجتمع، ورفد الصندوق السِّيادي أيضًا، وهو بديل رصينٌ عن إيرادات الموارد النفطيَّة. إنَّ مفتاح الازدهار الاقتصادي للبلد يعتمد كُليًّا على القيادة الحكيمة وعُمق ورصانة العلاقات العامَّة مع المحيط الخارجي والتَّفاعل معهم بكُلِّ احترام وتقدير، واضعِين المصداقيَّة وتبادل المصلحة العامَّة الَّتي هي أساس العلاقات العامَّة بَيْنَهم، بعيدًا عن الأنانيَّة وحُب الذَّات والفساد المالي الَّذي يطيح ليس بالاقتصاد فقط، وإنَّما حتَّى بأخلاق وسلوكيَّات المُجتمع. وفي الختام، فإنَّ العلاقات العامَّة تُبنى بشكلٍ جوهري على العنصر البَشَري وكاريزما القيادة لدى أعضائها، ومن أهمِّ المؤهّلات المطلوبة هي (مفاهيم البروتوكول والإتيكيت الحكومي، حُسن المظهر، البساطة، التَّواضع، الثَّقافة، الحماسة، التَّنظيم في قدرة هيكلة العمل، التواصُل والمتابعة، القدرة على التَّعامل مع المفاهيم الإداريَّة، إمكانيَّة صنع واتِّخاذ القرار في الأوقات الحرِجة، مواكبة التطوُّر والمناهج الحديثة، إتيكيت إدارة الوقت).
د. سعدون بن حسين الحمداني – دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت