تشكل حالات السهر لوقت متأخر من الليل، أحد أكثر العادات المقلقة التي باتت تلتصق بسائق المركبة ومستخدم الطريق في شهر رمضان المبارك، وتاثيراتها على استخدام الطريق وقيادة المركبة، كنتاج لضعف إدارته لوقته، الأمر الذي ينتج عنه حالة من عدم الاتزان وزيادة مستوى هرمون المشاعر السلبية وعدم الارتياح وكثرة الارتباك وزيادة الحركة داخل المركبة وغلبة النعاس، نظرا لعدم حصوله على وقت كاف من النوم، أو حالة التخيلات والهاجس والأفكار غير المستقرة التي تنتابه لمجرد دخوله الشارع، أو مصادفته لازدحام مروري أو كثافة مرورية، ليبدأ يتصرف بطريقة غير سليمه كالتجاوز من أكتاف الطريق، وعدم الصبر أو الانتظار في تحمل الموقف، والاستخدام المستمر لبوق السيارة ” الهرن” وكثرة الضغط على الفرامل ، وهاجس الرغبة في التجاوز، أو احساسه بتأخره عن الوصول إلى وجهته في الدوام أو غيره في الوقت المحدد، وما يتبعها من حالة نفسيه غير مستقرة ترتفع فيها مستويات القلق وعدم التريث وغياب فقه الانتظار، وصعوبة التحكم في تصرفاته ، ما يؤدي إلى تعريض نفسه وغيره للخطر وعرقلة انسيابية الحركة المرورية.
وعليه تطرح هذه المعطيات المزيد من الحاجة إلى رفع الحس المروري كثقافة اصيلة وممارسة فعلية في حياة الفرد والذي ينقل سائق المركبة ومستخدم الطريق من عشوائية السلوك وانهزامية التصرفات، وأنانية التفكير، إلى بناء وعي مروري متوازن وسلوك يعبر عن مدى ارتكاز هذا السلوك على ثوابت واضحة واستراتيجيات أداء حكيمة، وتوجهات سليمة والتزام بمحددات وضوابط قانون المرور، الامر الذي سينعكس على الصورة الفكرية والنفسية التي يجسدها سائق المركبة ومستخدم الطريق من اجل قيادة آمنة للمركبة وانسياب مرن وآمن في الطريق، ينطلق من الموجهات والأطر التالية:
▪ استشعار عظمة صوم شهر رمضان، وما يؤكد عليه من قيم الصبر وأخلاقيات الإنسان في التعامل مع المواقف ورد الإساءة، وتعميق فلسفة التواصل والحوار، وتحقيق أعظم درجات الالتزام، وهو ما يجسد في قائد المركبة مساحة واسعة من الهدوء والانضباط والصبر والتحمل والايجابية والنظرة التفاؤلية التي ستكون عونا له في تجاوز المشكلة المرورية. إن شهر رمضان بذلك فرصة لسائق المركبة في التغيير من عاداته المرورية كالتجاوز الخاطئ، والسرعة الجنونية واللامبالاة في القيادة ، والاستعجال في الطريق والانشغال عن القيادة ( استخدام الهاتف النقال مثلا) وتجاوز الاشارات الضوئية الحمراء والاستخفاف بالتعليمات والتوجيهات النافذة من قبل رجل المرور.
▪ استحضار إنسانية المرور، وتعظيم البعد الإنساني في استخدام الطريق والتعامل مع المركبة والتشريعات وقانون المرور يعبر عن مرحلة متقدمة من الحس المروري والثقافة المرورية القادرة على صياغة الواقع وإعادة انتاج السلوك المروري وطبيعة الحالة المرورية في رمضان ما يعزز من فرص التسامح وضبط النفس والعفو عند المقدرة لتصبح مبادئ رمضان وقواعده محطات تجسد في شخصية سائق المركبة ومستخدم الطريق روح التغيير القادم التي تتجه إلى تصحيح الممارسة المرورية.
▪ استشعار حجم المسؤولية الملقاة على عاتق سائق المركبة ومستخدم الطريق في تحقيق انسيابية الطريق والحد من الازدحام، فهي الرهان على ذلك كونه يستطيع من خلال انضباطه الانفعالي وتركيزه على أولوية الطريق أن يدير الحالة المرورية ويتحكم في ممارساته، لخلق توازن في التعامل مع الموقف المروري العرضي، وما فيه من فجوات، وتتولد لديه القناعة بأن الطريق ليس ملكا له بل يشاركه فيه غيره، فإن استشعار هذا الامر سينعكس إيجابا على انسيابية الطريق والتقليل من الازدحام.
▪ أن يدرك سائق المركبة ومستخدم الطريق أن تصرفاته وانفعالاته وأخلاقه تمثل الجزء الأكبر في معادلة حل أزمة الاختناقات المرورية، لذلك كلما استطاع ضبط ممارساته وتحديد متطلبات وجهته سواء من خلال التزامه بحزام الامان، والتقيد بالسرعة المحددة، والتزام شعار القيادة الوقائية ، أو من خلال صيانة المركبة والتزود بالوقود وفحص الإطارات أو تجديد رخصة القيادة وسريان التأمين والتأكد من سلامة المركبة والصيانة الدورية لها ومتابعة جاهزية الإطارات حتى لا يسهم في عرقلة السير والوقوف على جانبي الطريق وإرباك أصحاب المركبات الأخرى، وتجنب الانشغال عن القيادة ( استخدام الهاتف النقال مثلا) ، تعبير عن مدى الشعور بعظم المسؤولية وبقيمة الالتزام بما يقره المجتمع ويؤكده القانون ويعززه الذوق العام، إن نضوج هذا الشعور بالمسؤولية سوف يجنب ما ينتج عن حوادث الطريق من مآسي وأحداث.
▪ أن يتحول سائق المركبة ومستخدم الطريق في تعبيره عن التزامه المروري من مرحلة رقابة رجل الشرطة وجهات الأمن والسلامة إلى رقابة الذات، بحيث يجد في التزامه المروري قيمة مضافة وعليه أن يحترمها، وأن يتعامل معها بمزيد من اللطف والمهنية والذوق والرقي والحس، ويقرأ في مسألة الضبطية المرورية بوصفها شيئا وجِد لمصلحته، حاضرا له، ومستقبلا لأبنائه.
▪ إن صدق التوجه والشعور في استخدام الطريق يعزز من مرونة الحركة المرورية وانسيابيتها وبلوغ درجة عالية من القيادة الآمنة والتي لا تتحقق إلا من خلال استشعار مفهوم الضبط المروري وأجهزة الرقابة المرورية وعبر وعيه بأهمية نقاط المراقبة المرورية مثلا وآليات الضبط المروري التي تتخذها شرطة عمان السلطانية في سبيل الحد من السرعات كالرادارات المتحركة والثابتة ونقاط التفتيش المروري وغيرها سوف تولد لديه رقابة الذات وتصحيح الخطأ والاستجابة للتعليمات.
▪ إذا كان رمضان بما يحمله من روحانية المبادئ وصدق الالتزام وإخلاص العمل ونفحات الخير وبذل المعروف وتقديم الاحسان وتهذيب النفس وإعادة إصلاحها من جديد، فهو بذلك مساحة ايمانية لتغيير العادات والممارسات، وإعادة انتاج الذات من جديد، فإن التغيير الذاتي للعادات المرورية يشكل مرحلة فارقة وحاسمة في علاج المشكلة المرورية، التي يجب أن تبدأ من الذات ، وتعكسها الممارسات والتصرفات، وتظهر نتائجها على واقع الطريق في انسيابية الحركة، ومزيد من الأمان المروري، وبالتالي تأصيل التزام ذاتي نابع من اختيار وقناعة وصدق في التعامل مع الحالة المرورية في شهر رمضان سواء عند قيادته لمركبته أو في إدارة المواقف المفاجئة التي تحصل في الطريق، الامر الذي سيقلل من حجم الضغط النفسي والفكري الناتج عن ثوران النفس في الرد على هذه المواقف.
أخيرا فإن ما أشارت إليه إحصاءات الإدارة العامة للمرور بشرطة عمان السلطانية من انخفاض الحوادث المرورية وما تبعها من إصابات ووفيات خلال الثلث الأول من شهر رمضان المبارك لهذا العام 2024 مقارنة بالفترة نفسها من العام 2023 . حيث انخفضت الحوادث المرورية بنسبة 35% والوفيات بنسبة 46% والإصابات بنسبة 33%؛ محطات مهمة تستجلي هذه الروح الإيجابية والشعور نحو إحداث تقدم نوعي وتحقيق إصلاح حقيقي في الممارسة المرورية النابعة من ضمير المسؤولية وارتفاع هاجس خطر الساقة بسرعة زائدة ورعونة، والانشغال بغير الطريق واستعمال الهاتف في أثناء السياقة الذي يُشتِّت انتباه السائق ويجعله عرضة للحوادث، وغيرها من الممارسات التي إلى نتائج غير محمودة، وتبقى هذه المؤشرات المرورية مدخلات تصنع التغيير في العادات المرورية، استشعارا لعظمة شهر الصوم وروحانياته وما يحمله في حياة الفرد والمجتمع من معاني الهدوء والإنسانية والاحترام والذوق والتسامح وتجنب اللغث والشطط بالقول والفعل في الطريق ويصبح رمضان محطة لالتقاط الأنفاس وتهذيب السلوك وتغيير العادات واختبارها وتجريب الممارسة المرورية التأملية القائمة على الهدوء وحكمة التصرف والجاهزية في التعامل مع المتغيرات والمفاجآت، ومع إدراكنا لحجم الكثافة المرورية في الطرقات في شهر رمضان خاصة في محافظة مسقط إلا أننا ندرك أيضا أن القيادة الوقائية الآمنة والمرنة التي تراعي طبيعة الحالة وخصوصية الموقف وتستشعر عظمة الموجهات الربانية الإيمانية في منع إلقاء النفس في التهلكة واحترام خصوصية الطريق ، محطات للمراجعة والتأمل في قدرة السائق على التخلص من الأفكار غير المريحة والمنغصات الفكرية والنفسية والتراكمات السلبية، وتصفية الذهن من الصدمات والمشوهات المرتبطة بهذه الحالة واسترخاء الجسد في أثناء السياقة، لمزيد من الأمان والسلامة، وانسيابية الحركة المرورية .
د. رجب بن علي العويسي