في السياق القانوني، تثير مسألة تطبيق العرف في القوانين المدنية والشرعية تساؤلات مهمة حول دوره ومدى تأثيره على القضايا القانونية المختلفة، فالعرف يُعتبر مصدراً مهماً لتحديد الحقوق والواجبات في المجتمعات، إذ يعكس التقاليد والعادات والسلوكيات المتعارف عليها داخل المجتمع، ومع ذلك، فإن تطبيق العرف يشترط بعدم وجود نص قانوني أو شرعي ينظم المسألة المعنية.
في هذا السياق، يتعين التحقق من مدى جواز تطبيق العرف في الوضع القانوني المعين، خاصة عند وجود اتفاق أو عقد ينظم المسألة، فالعقد يعتبر شريعة المتعاقدين ويحكم العلاقة القانونية بينهما، مما يعني أن تطبيق ما جاء في العقد يكون الأساس الرئيسي لحل النزاعات بين الأطراف، ومن هنا، يبرز دور القانون المدني والشرعي في تحديد ما إذا كان العرف قابلاً للتطبيق أم لا، وتحديد شروط وضوابط ذلك. لذا، ينبغي التأكيد على أهمية توافق العرف مع الشريعة والقوانين والأخلاقيات العامة، وضرورة احترام مبادئ العدالة والنظام العام في جميع الأوقات.
بهذا المنظور، يمكننا فهم النهج القانوني الذي يُتَّبَع لحل النزاعات وتطبيق القوانين، مع التأكيد على أهمية العقد والاتفاق في تنظيم العلاقات القانونية والتقليل من حدوث النزاعات التي قد تنشأ في غياب نصوص قانونية أو شرعية محددة.
فوفقاً للقواعد الفقهية، ينص الحكم القانوني على أن الشخص الذي يتعهد بشراء عين معينة يكون مسؤولاً عن الإشعار بالشراء للغير، وتأتي هذه القواعد الفقهية كنتيجة لتفسيرات الشريعة الإسلامية التي تحكم عمليات البيع والشراء، على سبيل المثال، تم تأكيد هذا النهج القانوني في قرار صدر عن إحدى المحاكم العليا في إحدى الدول العربية، حيث جاء في الأسباب المذكورة للقرار بأن الاستناد إلى العرف يمكن أن يكون مبرراً فقط عند عدم وجود تشريعات محددة تنظم الوضع، فقد تمت مراجعة القواعد الكلية في الشريعة الإسلامية، واستنتاج أن النزاع يدور حول مسألة معرفة الشفيع بالشراء وتراخيه في طلب الشفعة في الوقت المناسب، وفي هذا السياق، يُعتبر القول في العلم قول الشفيع، وبموجب القانون، فإن من كانت تصريحاته تعبر عن المعرفة فعليه تحمل المسؤولية، وفي الحالة المعنية، يكون الشخص ملزماً بالإشعار بعدم المعرفة بالبيع، وعدم تراخيه عن طلب الشفعة بمجرد أن يكون على علم بالمعاملة.
بالتالي، إن علم الشفيع بالشراء يحمل أهمية بالغة في سياق القوانين الشرعية والقانونية، حيث ينص المادة (17) من قانون إثبات التي تنص على أنه “لا تسمع الدعوى في شفعة بعد مضي ثلاثة أيام للعالم في البلد وشهر للغائب خارج البلد، وتعتبر المدة في الحالتين من وقت العلم”، وبموجب هذه المادة، يحق للشفيع أن يطلب الشفعة خلال مدة ثلاثة أيام من تاريخ علمه بالشراء، إذا ثبت علم الشفيع بالشراء ولكنه تراخى عن طلب الشفعة خلال هذه المدة، فإن حقه في الشفعة يسقط.
وتتعلق غالبية النزاعات في قضايا الشفعة بعلم الشفيع بالشراء وتراخيه عن طلب الشفعة في المدة المحددة في القانون، فالمعرفة بالمعاملة والتقاعس عن اتخاذ الإجراءات اللازمة تصبح عوامل رئيسية في تحديد حقوق الأطراف المعنية، وفي هذا السياق، تأتي مسؤولية الشفيع في الحفاظ على حقوقه والتصرف بحذر في مدة الشرعية المحددة لطلب الشفعة كواجب قانوني له.
وفي سياق القوانين والفقه الإسلامي، تأتي مسألة من كان القول قوله وتأثير ذلك في تطبيق اليمين كأداة قانونية لتعزيز دعواه أو إثبات حقه، حيث يرتبط طلب اليمين بقوة الدليل وصدق المدعي وقوته في الحجج، وفي هذا السياق، أشارت النصوص القانونية والفقهية إلى أنه إذا كان القول قول الشخص نفسه، فإن خصمه يمكنه طلب اليمين منه، استناداً إلى قاعدة الفقه الإسلامي التي تنص على أن “من كان القول قوله فعليه لخصمه اليمين”، وقد أورد النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله في هذا السياق، حيث قال: “لو أعطي الناس بدعاويهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه”، مما يؤكد أهمية اليمين في تحقيق العدالة وتقوية حقوق الأطراف.
بالتالي، يُلاحظ أن اليمين تُشرع في حالات تظهر فيها صدقية المدعي وتأكيده للمزاعم التي يقدمها، مما يعزز موقفه ويثبت حقه، ومن هذا المنطلق، تأتي الفقرة (9) من المادة (1269) في القانون المدني، التي تنص على أن “القول قول الشفيع إذا ادعى عدم حصول الظن وللمشتري تحليفه على ذلك”، وهذا يعكس الأساس القانوني والفقهي لاستخدام اليمين كوسيلة لتعزيز المواقف القانونية وتحقيق العدالة في المعاملات التجارية والمدنية.
أما في مجال القوانين والفقه القانوني، يُعتبر العلم بالشراء وتوقيته وإثباته أمراً حيوياً في حالات الشفعة والمبيعات، حيث يُمكن للشخص الحصول على علم الشفعة من خلال حضوره لمجلس البيع والشراء، سواء بوصفه كاتباً لوثيقة الشراء، أو شاهداً، أو ساعياً، أو دليلاً، أو مساحاً، أو خبيراً، أو مستشاراً، أو مجرد حضوره دون أن يكون له أي من تلك الصفات، كما يُعتبر الحضور في مثل هذه المجالس وسماع عبارات الانعقاد مؤشراً على حصول العلم بالشراء، ويمكن إثبات حصول العلم وتوقيته بوسائل متعددة، بما في ذلك بصيرة الشراء التي تتضمن أسماء الأشخاص المتورطين والشهود والسعاة والمساحين وغيرهم، بالإضافة إلى شهادات الأشخاص الحاضرين في مجلس العقد.
وتحدد ميعاد الشفعة من تاريخ انتهاء المجلس وانصراف أطراف المتعاقدين، وفي حالة عدم حضور الشفيع لمجلس العقد، يُمكن له الحصول على العلم بالشراء عن طريق وسائل أخرى، مثل الاخبار الشفوية من أي شخص يؤكد إتمام البيع، سواء كانت هذه الأخبار كتابية أو شفهية، وتختلف القوانين العربية فيما يتعلق بطريقة حصول العلم، حيث تشترط بعضها إرسال إخطار خاص إلى الشفيع، في حين لا تشترط القوانين الأخرى في اليمن على سبيل المثال، حصول العلم بعد انتهاء مجلس العقد بطريقة معينة، في هذا السياق، يمكن تحقيق العلم بأية طريقة، سواء بواسطة الاخبار الشفهية أو الكتابية، وسواء أخبر بهذا الأمر البائع أو المشتري أو الشاهد أو الساعي أو أي شخص آخر.
ويُحدد حصول العلم بالشفيع ووقته بواسطة الشهادة أو الاقرار أو الكتابة أو القرائن القطعية، مثل ظهور المشتري على الأرض بمظهر المالك، كالزراعة أو البناء. وفي هذا السياق، تنص الفقرة (9) من المادة (1269) في القانون المدني على أن “تبطل الشفعة ويسقط حق الشفيع فيها بأحد الأمور الأتية: تراخي الشفيع الغائب عن مجلس العقد بعد علمه بشهادة كاملة على التصرف، أو تراخيه بعد علمه بالعقد بخبر يفيد الظن مدة تزيد على ما يمكنه فيه طلب الشفعة ما لم يكن معذوراً”.
وفي سياق القوانين والأحكام القانونية المتعلقة بعقود الشراء والبيع، يتناول النقاش حول قضية إثبات علم الشفيع بالشراء وتوقيته، على الرغم من أنه يُسمح بإثبات علم الشفيع بشراء العقار المشفوع، ووقت حصول ذلك العلم، باستخدام أي وسيلة من الوسائل المسموح بها شرعاً وقانوناً، إلا أنه قد يواجه المشتري صعوبات في إثبات ذلك.
وفي حالة عدم قدرة المشتري على إثبات علم الشفيع وتوقيته، ينص القانون على أن القول في هذا الأمر يكون للشفيع، ويُسمح للمشتري بطلب اليمين من الشفيع، حيث يدعي الشفيع أنه لم يكن على علم بالشراء إلا في الوقت الذي يُحدده، هذا ما جاء في نهاية الفقرة (9) من المادة (1269) في القانون المدني، التي أكدت أن “القول قول الشفيع إذا ادعى عدم حصول الظن وللمشتري تحليفه على ذلك”. بموجب هذا النص القانوني، يعتبر الشفيع مصدقاً في قوله بأنه لم يعلم بالشراء إلا في الوقت الذي يُدعيه، سواء كانت هذه الفترة ساعة محددة أو يوم محدد، ويتم ذلك في الحالات التي يجد المشتري صعوبة في إثبات حصول علم الشفيع وتوقيته.
وفي سياق تطبيق قاعدة الأصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته في إثبات العلم بالشراء في حالات الشفعة، يُلاحظ أن القضاء يستند إلى هذه القاعدة في بعض الحكم بقبول قول الشفيع بعدم علمه بالشراء إلا قبل رفع دعوى الشفعة. يستوجب ذلك التعريف المختصر بمفهوم هذه القاعدة وكيفية تطبيقها في مثل هذه الحالات.
على سبيل المثال، الحادث هو الأمر الذي كان غير موجود ثم وقع، وإذا حدث خلاف حول زمان وقوعه وسببه، فإنه ينسب إلى الزمان الأقرب ما لم يُثبت العكس بوسائل الإثبات المعتمدة، لأن وقوع الحادث في الزمان الأقرب مؤكد، بينما في الزمان الأبعد يثير الشك، لذا، إذا ادعى المشتري أن الشفيع علم بالشراء في وقت سابق دون أن يشفع في حينه ولم يُثبت ذلك، يُعتبر قول الشفيع بأنه لم يعلم إلا في وقت قريب معتمداً على قاعدة الاصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته، لأن علمه وقع في الزمان الأقرب.
وفي حالة الخلاف حول عيب المبيع، حيث يُدعي المشتري أن العيب كان قديمًا ويُدعي البائع أنه حدث مؤخرًا، يعتمد القضاء على قول البائع بموجب القاعدة نفسها، وهي إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته، وفيما يتعلق بمسألة النجاسة على ثوب الرجل، فإنه عندما يرى نجاسة عليه، يُعيد فقط لأقرب صلاة، بناءً على القاعدة نفسها التي تُفرض إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته.
أما في سياق تفسير قاعدة عدم جواز اللجوء إلى العرف وتطبيقه في القضايا القانونية، يتضح من أسباب الحكم، يُحكم بالعرف فقط في حالة عدم وجود نص قانوني ينظم المسألة، يعود هذا التفسير إلى المادة (1) من القانون المدني التي أكدت أن القانون يستمد من أحكام الشريعة الإسلامية، وفي حال عدم وجود نص في القانون يمكن تطبيقه يُعتمد على مبادئ الشريعة الإسلامية، وإذا لم يكن هناك حكم قاضي يعتمد على العرف الجائز شرعاً، فإن العرف يُطبق بموجب مبادئ العدالة الموافقة لأصول الشريعة الإسلامية بشكل عام.
ويشترط في هذه الحالة أن يكون العرف ثابتاً ومنضبطاً وغير مخالفاً للشريعة والقانون والنظام العام والآداب العامة، حيث يُنظر في هذا السياق إلى رأي علماء فقه الشريعة الإسلامية الذين سبق لهم الاجتهاد في مثل هذه القضايا، حيث يُؤكد هذا النهج على أن اللجوء إلى العرف يكون آخر اختيار بعد التحقق من عدم وجود نص قانوني ينظم المسألة، ويُحدد شروط صرامة لتطبيقه من أجل ضمان توافقه مع القواعد الشرعية والقانونية والأخلاقية العامة.
أما في حالة تفسير عدم اللجوء إلى تطبيق العرف في حال وجود اتفاق أو عقد ينظم المسألة المثارة، يُعتبر العقد هو الأساس الذي يحكم علاقة المتعاقدين وفقاً لأحكام القانون المدني، ونظراً لهذا الأمر، يكون العقد هو المرجع الأساسي لتحديد الحقوق والواجبات بين الأطراف، ويتم بناء عليه تطبيق ما جرى تضمينه في العقد أو الاتفاق.
وبالتالي، يتم تطبيق ما ورد في العقد أو الاتفاق بصرامة، ولا يُلتفت إلى العرف ما لم يكن هناك نص محدد في الشرع أو القانون ينظم المسألة المعنية، ويأتي هذا النهج تأكيداً على أهمية الالتزام بمضمون العقد والتوافق مع شروطه وأحكامه المحددة من قبل الأطراف المتعاقدة.
بمعنى آخر، يُفضل العقد أو الاتفاق على العرف في تنظيم العلاقات القانونية بين الأطراف، ويُعتبر العرف محل تطبيقه فقط في حالة عدم وجود تنظيم قانوني أو شرعي محدد للموضوع المعني، وذلك تأكيداً على أهمية وسطية العقد في تحديد الحقوق والالتزامات بين الأطراف.
في الختام، يظهر أن تطبيق العرف في القانون يعتمد على عدة عوامل، بما في ذلك وجود نص قانوني أو شرعي ينظم المسألة المعنية، وتوافق العرف مع المبادئ الشرعية والقانونية والأخلاقيات العامة، يجب أن يُلتزم القاضي والمحامين بتحليل الوضع القانوني بعناية وموضوعية، واللجوء إلى العرف فقط في حالة عدم وجود نصوص قانونية أو شرعية واضحة.
وبالنظر إلى دور العقد في تنظيم العلاقات القانونية بين الأطراف، يتبين أهمية الالتزام بما تضمنه العقود والاتفاقات، وذلك للحد من حدوث النزاعات وتعزيز الثقة بين الأطراف، وفي النهاية، يجب أن تكون القوانين والأنظمة القانونية مرنة وقادرة على التكيف مع التغيرات في المجتمع والظروف المحيطة، مع الحفاظ في الوقت نفسه على العدالة والمساواة في تطبيق القوانين.
عبدالعزيز بن بدر القطان / مستشار قانوني – الكويت.