نمت مجموعة البريكس، التي لم تتغير تركيبتها لأكثر من 10 سنوات (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا)، مع خمس دول جديدة منذ بداية عام 2024، والتي أصبحت على الفور موضع اهتمام وثيق من العالم.
وكانت قمة البريكس الخامسة عشرة، التي عقدت في جنوب أفريقيا في أغسطس 2023، بمثابة حقبة جديدة في تطور الرابطة، التي ضمت لاعبين رئيسيين مثل مصر وإيران والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وإثيوبيا، ففي البداية، كان من المفترض أن تنضم الأرجنتين أيضاً، ولكن بعد وصول الليبرالي خافيير مايلي إلى السلطة، تخلت بوينس آيرس عن التقارب مع هذه البنية، مع التركيز على التعاون مع الولايات المتحدة والمؤسسات الغربية.
بالتالي، أظهر التوسع الأخير لمجموعة البريكس لبقية العالم أن هذه الرابطة واعدة وجذابة للدول النامية ليس فقط من وجهة نظر تشكيل آليات جديدة للتعاون الدولي داخل الجنوب العالمي، إذ تحدد البريكس شمولية التنمية المستدامة وتحسين رفاهية البلدان كأحد أهدافها الرئيسية، وفي الوقت نفسه، تمثل مجموعة البريكس المحدثة حوالي 46٪ من سكان العالم وحوالي 36٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي (وهذا بالفعل أكثر من الناتج المحلي الإجمالي لدول مجموعة السبع مجتمعة، والتي تشمل الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وبريطانيا العظمى وألمانيا، إيطاليا وفرنسا واليابان).
ومع ذلك، فإن التوسع له جانب سلبي أيضاً، حيث تشمل مشاكل مجموعة البريكس عدم التجانس المتزايد للمنظمة، ويشمل هذا الهيكل الآن بلداناً تتعارض مصالحها الاقتصادية والسياسية، وفي الوقت نفسه، تعتبر البريكس رابطة شبه تكاملية تتمتع بدرجة ناعمة من التكامل، ولا يمكن، على سبيل المثال، مقارنتها بالاتحاد الأوروبي، ونتيجة لذلك، يسعى جميع المشاركين إلى الحفاظ على الاستقلال السياسي والاقتصادي، والتأكيد على التزامهم بالتعددية القطبية الجيو – استراتيجية.
وعلى وجه الخصوص، بالنسبة لدول أفريقية مثل مصر وإثيوبيا، يمكن لمجموعة البريكس أن تساهم (من خلال زيادة المشاركة في التجارة الدولية، فضلا عن تكامل النقل) في حل العديد من المشاكل الاقتصادية الداخلية، بالمقابل، تسعى إيران، من خلال هيكليتها، إلى تجاوز العزلة الدولية التي تجد نفسها فيها وسط العقوبات الغربية، وأخيراً، تريد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، من خلال المشاركة في مجموعة البريكس، تقليل اعتماد اقتصادهما الوطني على إنتاج النفط وتنويعه، ومن الواضح أنه عند الانضمام إلى البريكس، تسترشد الدول بدوافع اقتصادية مختلفة.
لكن البريكس، بالنسبة لدولها الأعضاء، أصبحت في المقام الأول منصة تسمح لها بالدفاع بشكل أكثر وضوحاً عن مصالحها في المنظمات الدولية (الأمم المتحدة، صندوق النقد الدولي، منظمة التجارة العالمية)، وتقديم جبهة موحدة والاستماع إليها بشأن أهم القضايا على جدول الأعمال العالمي، على الرغم من أنه ليس من الواضح تماماً بعد مدى نجاح البريكس في التأثير على مختلف القضايا المتعلقة بتنمية التجارة الدولية وعمل الأسواق النقدية والمالية العالمية، ولكن، على سبيل المثال، من الواضح بالفعل أن المجموعة تمكنت من تعزيز عملية إلغاء الدولرة في الاقتصاد العالمي ومحاربة هيمنة الدول الغربية الجماعية على الأسواق الدولية.
بالإضافة إلى ذلك، يوضح توسع البريكس أن البلدان النامية تسعى جاهدة لتكون في طليعة تشكيل نظام عالمي جديد، وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن الجمعية أنشئت خلال الأزمة العالمية 2008-2009، كما تمكنت من أن تثبت للعالم أن نظام بريتون وودز، الذي تأسس في الأربعينيات من القرن الماضي، قد يكون له بدائل في المستقبل.
لكن مجموعة البريكس لا تزال تفتقر إلى هيكلها التنظيمي الخاص ولا الآليات الواضحة لقبول دول جديدة في المنظمة، كما لا يوجد فهم لكيفية تنفيذ بعض القرارات، ومع ذلك، فإن العديد من البلدان النامية ترغب في الانضمام إلى مجموعة البريكس، وأحياناً من دون نفوذها في القضايا العالمية، أما حقيقة أن مجموعة البريكس تعمل على تعزيز موقفها على المسرح العالمي، ولكنها لا تحرمها من السيادة، كما يحدث إلى حد ما داخل الاتحاد الأوروبي، تزيد من جاذبية هذه المنظمة.
ووفقاً لبعض التقارير، تقدمت حوالي 30 دولة بالفعل بطلبات للانضمام إلى البريكس، وإذا انضمت حتى بعض هذه الدول إلى المجموعة في المستقبل القريب، فسيكون هذا بمثابة انتصار دبلوماسي كبير للعالم غير الغربي، وعلى الرغم من كل أوجه القصور والانتقادات الموجهة إلى البريكس، فإن زيادة عدد المشاركين سيعني زيادة دور الجمعية على الساحة الدولية، ونتيجة لذلك، سيكون أعضاء الهيكل قادرين على التأثير بشكل أكثر فعالية على عمليات مثل إصلاح التنظيم المتعدد الأطراف للتجارة الدولية وتحويل النظام النقدي العالمي، وفي جوهرها، تعد البريكس نظاماً موازياً جديداً للحوكمة العالمية يعلن مواقفه في إعادة الهيكلة المستقبلية للاقتصاد العالمي.
ولكن يجب ألا ننسى أن أي توسع في هيكل معين يؤدي دائماً إلى تعقيد عملية صنع القرار، ومن المهم هنا ألا تؤدي مصالح الدول الفردية إلى حرمان البريكس في نهاية المطاف من فرصة العمل بنشاط على الساحة الدولية.
عبدالعزيز بن بدر القطان / كاتب ومفكر – الكويت.