إن الكفالة التجارية هي أحد المفاهيم الأساسية في القانون التجاري، حيث تُعتبر آلية ضمان مهمة تستخدم في عقود البيع والتوريد والتعاملات التجارية الأخرى، كما تهدف الكفالة إلى تأمين أداء الالتزامات المالية والتجارية بين الأطراف، حيث يتعهد الكفيل بضمان أداء المكفول له لالتزاماته وديونه المالية والتجارية.
كما يتضمن مفهوم الكفالة التجارية العديد من الجوانب القانونية التي يجب التعرف عليها، بما في ذلك شروط وآليات الكفالة، وحقوق والتزامات الأطراف المعنية بها، وكذلك العواقب القانونية لانتهاء الكفالة أو انتهاكها.
ومن هذه المقدمة المبسطة سنحاول توضيح أهمية وتعقيد الكفالة التجارية كمفهوم قانوني، والتأكيد على أهمية فهم الأطراف لالتزاماتهم وحقوقهم في هذا السياق، بالإضافة إلى ذلك، توفر المقدمة فرصة لتقديم وجهة نظر قانونية بشكل مباشر، حيث يمكن أن تشير إلى أهمية تطبيق القوانين والأحكام ذات الصلة في تحديد نطاق وطبيعة الكفالة التجارية وحدودها.
بالتالي، تتعلق هذه المادة بالكفالة التجارية كضمانة للتعاملات التجارية، حيث تعتبر الكفالة التجارية إلزاماً قانونياً وملزماً للكفيل، ويتوجب عليه الامتثال للشروط المنصوص عليها في الكفالة، وقد نص القانون التجاري على حالات انتهاء الكفالة التجارية، ولا تُعتبر تغييرات في بعض بيانات الأطراف، مثل عنوان الكفيل أو اسم المرسل، كحالات لإنهاء الكفالة التجارية، حيث يتجلى الالتزام بالكفالة في إرسال البضائع كما هو متفق عليه، وفي حال عدم حدوث ذلك، يتعين على المكفول عليه تعويض الضرر.
أما بالنسبة للقرار القضائي الذي عادةً ما يصدر من الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلسة ذات صلة، يتبين لنا أن الطاعن في المثال المطروح لم يقدم أساساً قانونياً لطعنه، وأن ما اعترضه لا يستند إلى أي أساس قانوني، بل كانت محاولة للتهرب والتشتيت من الالتزام بالكفالة، ولكن لا يعني تعديل اسم المرسل إليه في الفاتورة نهاية الكفالة، حيث أن الالتزام بالكفالة يقتضي تسديد قيمة البضائع وتوريدها كما هو متفق عليه، وليس تغيير اسم المرسل إليه في الفاتورة.
وبناءً على ذلك، يمكن استنتاج أن الحكم الاستئنافي كان صائباً ومتفقاً مع الأصول القانونية والشرعية، حيث أنه لم يجحد الكفالة، بل أكد على ضرورة الوفاء بالالتزامات المترتبة عنها، وبالتالي، يجب تأييد الحكم الصادر في الطعن المذكور.
أما في إطار مفهوم الوكالة التجارية، يمثل مصطلح الكفالة بشكل عام ضماناً يترتب على المكفول له تجاه الكفيل، حيث يمكن للمكفول له اللجوء إلى الكفيل لتنفيذ الالتزام المتفق عليهما معاً أو كل منهما بشكل فردي. تُعتبر الكفالة ضمانة لوفاء المكفول له بالتزامه، وفي القانون التجاري اليمني على سبيل المثال، يُطلق عليها مصطلح “الضمانة”، على الرغم من أن المصطلحات “الكفالة” تُستخدم في الفقه الإسلامي والقوانين التجارية والمدنية اليمنية، وتُعرف الكفالة التجارية وفقاً للمادة (230) من القانون التجاري اليمني على أنها: “الكفالة ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة بتنفيذ إلتزام وتنعقد بإيجاب وقبول من الكفيل والدائن”.
بالإضافة إلى ذلك، تكون الكفالة تجارية إذا كانت الضمانة متعلقة بدين تجاري، حسب ما جاء في المادة (231) من القانون التجاري التي تنص على أن “تكون الكفالة تجارية إذا كان الكفيل يضمن ديناً تجارياً بالنسبة للمدين”، وبناءً على هذه المواد، يمكن التأكيد على أن مصطلح “الضمانة التجارية” الذي قد يُشترطه بعض الأطراف كجزء من شروط تعاقدها مع العمال والموظفين لا ينطبق على مفهوم الضمانة التجارية المنصوص عليها في القانون التجاري اليمني.
فالكفالة التجارية المنصوص عليها في القانون التجاري تتعلق بدين تجاري موجود بالفعل، ولا تشمل الأضرار المدنية التي قد تحدث مستقبلاً بسبب أفعال العمال أو الموظفين، ولذلك، قد تطلب بعض الجهات في اليمن عند توظيف العمال تقديم ضمانة تجارية بناءً على نص القانون المدني الخاص بالضمانات المستقبلية، وذلك لأن الضمانة التجارية المنصوص عليها في القانون التجاري اليمني لا تشمل الأضرار المستقبلية.
بالإضافة إلى ذلك، يُسمح بالضمانة المستقبلية وفقاً للمادة (1039) من القانون المدني اليمني التي تنص على أن “تصح الكفالة بما سيثبت مستقبلاً، وللكفيل الرجوع فيما سيثبت بالمعاملة قبل ثبوته وإذا ثبت قبل الرجوع لزمت الكفالة”، وبسبب عدم تضمين مفهوم “الضمانة التجارية” في القانون المدني، فإن بعض القضاة قد يمتنعون عن تنفيذها، لأن الكفالة التجارية لا تكون إلا على دين تجاري موجود بالفعل وليس مستقبلياً.
وفيما يتعلق بحالات انتهاء الكفالة التجارية، يجدر بنا التطرق إلى عدة سيناريوهات قد تؤدي إلى انقضاء هذا النوع من الضمانات التجارية. يمكن أن تنتهي الكفالة التجارية بأداء المدين للدين المشمول بالكفالة أو بإبراء الذمة من الدائن المكفول له، بالإضافة إلى إمكانية انقضاء الكفالة في حال عدم مطالبة الدائن المدين بالدين المكفول عليه رغم إخطار الكفيل له بذلك، أما في حال عدم تقديم المطالبة خلال شهر من تاريخ الإخطار، فإن الكفالة تنقضي، وفقاً لأحكام المواد (244 و 248 و 249) من القانون التجاري.
وتجدر الإشارة إلى أن الكفالة التجارية لا تنتهي إلا في الحالات المحددة بوضوح في القانون التجاري، وبالتالي فإن التغييرات البسيطة مثل تغيير العنوان في الفاتورة لا تنتهي بذاتها بالكفالة، بالتالي، يجب فهم أن موضوع الكفالة يكمن في الالتزام الذي يتعهد به الكفيل بضمان توريد المنتجات أو الخدمات بالشكل والجودة المتفق عليها، وليس في تفاصيل مثل العنوان المحدد للمستلم.
إذن، يُظهر هذا التفسير أهمية النظر إلى الأحكام القانونية ذات الصلة بدقة لتحديد حالات انقضاء الكفالة التجارية، وعدم الاعتماد على تغييرات ثانوية كتغيير العنوان كمعيار لذلك.
في الختام، يظهر أن الكفالة التجارية تعتبر أحد الآليات المهمة في القانون التجاري لضمان تنفيذ التزامات الأطراف في عقود البيع والتوريد والتعاملات التجارية الأخرى، كما يلعب القانونيون دوراً بارزاً في فهم وتطبيق قواعد الكفالة وضمان احترام حقوق والتزامات الأطراف المعنية.
وتبرز أهمية فهم دور الكفالة وحقوقها والتزاماتها في حماية الأطراف المتعاقدة، وضمان تحقيق المصالح التجارية بشكل عادل وفعال. ومن المهم أيضاً للقانونيين والأطراف المعنية بالتعاملات التجارية أن يكونوا على دراية بأحكام وتطبيقات الكفالة في سياق القوانين المحلية والدولية.
يجب أن يتم استخدام الكفالة بشكل مسؤول وفقاً للأحكام القانونية والممارسات السليمة، وتجنب إساءة استخدامها أو تفادي التزاماتها. بالتالي، يلعب القانونيون دوراً حاسماً في توجيه الأطراف وتوعيتها بأهمية الامتثال للقوانين والضوابط المنظمة للاستخدام الصحيح للكفالة التجارية.
باختصار، فإن فهم دور القانونيين في تحديد وتطبيق الكفالة التجارية يسهم في تعزيز الثقة والشفافية في التعاملات التجارية، ويعزز استقرار السوق وتحقيق العدالة في البيئة التجارية.
بالإضافة إلى ذلك، يجدر بالذكر أن القانونيين يلعبون أيضاً دوراً مهماً في حل النزاعات المتعلقة بالكفالة التجارية وتقديم المشورة القانونية للأطراف المعنية، من خلال فهمهم العميق للقوانين والقواعد القانونية ذات الصلة، يمكن للقانونيين المساهمة في تحقيق التوازن بين مصالح الأطراف المختلفة وتقديم حلول قانونية مبتكرة وفعّالة لحل النزاعات.
بالتالي، يعتبر تعاون الأطراف مع القانونيين ضرورياً لضمان تطبيق الكفالة التجارية بشكل صحيح وفعّال، وتجنب النزاعات القانونية والمشاكل المحتملة. إن التزام الأطراف بالاستشارة القانونية المناسبة يسهم في تحقيق أهدافهم التجارية بطريقة قانونية موثوقة ومستقرة.
بهذه الطريقة، يمكن أن يسهم دور القانونيين في تحقيق العدالة وتعزيز الثقة في نظام العدالة، بالإضافة إلى تعزيز الثقة والاستقرار في بيئة الأعمال.
عبدالعزيز بن بدر القطان / مستشار قانوني – الكويت.