بعد قضاء عطلة عيد الفطر المبارك بما حفلت به من شلالات الفرح وطقوس المودة والتراحم وصلة الأرحام والأقارب ولقاءات الأخوة والجيران، وبأزياء العيد الأنيقة، وبفرحة العيدية بأوراقها النقدية الجديدة وألوانها ونقوشها البديعة..
وفي أول يوم دراسي بعد إجازة العيد السعيد التي وافقت السادس من شوال ١٤٤٥ للهجرة الخامس عشر من إبريل ٢٠٢٤ م، حيث اشتاق الطلبة لمدرستهم ومدرسيهم وزملائهم، وعلى وقع غيث السماء المسمى بمنخفض المطير المصحوب بالرعد والبرق وانهمار المطر مصحوباً بحبات البرد الذي عمَّ معظم محافظات السلطنة ..
وهنالك في ولاية سمد الشأن، وبالتحديد في روضتها الغناء وفي إحدى معاقل التربية والتعليم اُغتيلت تلك الفرحة، وهي في أنقى وأزهى حللها، من خلال إخراج مجموعة من الطلاب من المدرسة والمجازفة بهم بعبور الوادي، فكانت الحصيلة مأساوية ومرعبة وأليمة بكل ما تعنيه هذه الكلمات المخيفة من معنى وألم، فقد لقى عشرة من الطلاب حتفهم غرقاً، وهم في أعمار الزهور، ثم تبعهم أحد المشايخ وابن عمته، حيث جرفتهم مياه الأودية الجارفة، مخلفين وراءهم آلاماً وأحزاناً غائرة في نفوس أهلهم وذويهم وسائر أهل عمان، ولا يزال سائق المركبة الذي نقل الطلبة في المستشفى أعانه الله في محنته ..
وكان في رحيلهم جميعاً دروساً وعبراً، فالطلبة العشرة تركوا مدرستهم لا رغبة منهم فهي ملاذهم الآمن في ذلك الوقت العصيب، والشيخ ومرافقه قدما لتقديم واجب العزاء في هذه المصيبة فلحقا بهم، عليهم رحمة من الله ومغفرة، وإذ نحتسبهم شهداء لندعو الله أن يتقبلهم قبولاً حسناً إنه سميع قريب مجيب الدعاء..
وبعيداً عن التصادم في إلقاء التهم واللوم على المتسببين في هذه الكارثة، والانشغال بالمطالبة بإقالة فلانة وفلان.. دعونا نترك ذلك للحكومة ولجهات الاختصاص اللاتي ستباشر في اتخاذ الإجراءات القانونية كما عهدناها بكل شفافية واحترافية وإتقان، وستوقع روح القانون على الواقعة، مع التسليم المطلق لقضاء الله وقدره ..
وبالمقابل حريٌ بالجميع أن يستلهم العبر والدروس من هذه الكوارث والأزمات بعدم إلقاء النفس في التهلكة، مع تغليض العقوبة على المتهورين، وأن تقوم اللجنة الموكل إليها أمر إدارة الكوارث والأزمات بنشر التوعية اللازمة، وتبيين العقوبة التي ستطبق على المخالفين، وإقامة الورش التدريبية في المدارس والجامعات والأندية والجمعيات لتعريف المجتمع بطرق وأساليب التعامل مع الأزمات والحالات الطارئة وخلق مجتمع واعٍ وملم بكيفية التعاطي مع هذه الخطوب المدلهمة ..
مع وجوب العمل على إجراء مسح شامل لكل الطرق الواقعة في مسارات الأودية ودراسة إنشاء جسور أو عبارات تؤمن انسياب المياه الجارفة، ومعالجة شؤون المخططات السكنية الواقعة بالقرب من مجاري الأودية والشعاب الكبيرة..
ذلك أن إقامة المخططات والمباني على مشارف الأودية دون مراعاة لإحراماتها، وعدم إنشاء جسور أو عبارات على الطرق الواقعة على ممرات الأودية، هي من الأسباب المساهمة في وقوع مثل هذه الكوارث، ومن عاصر (طريق الداخلية مسقط) قبل الازدواجية وتغيير مساره عن الأودية يدرك حجم المعاناة التي ذهب في سبيلها عشرات الأبرياء..
إننا ونحن نترحم على جميع من فقدوا في هذه الأنواء الجوية الماطرة لنضرع مراراً إلى الغفور الرحيم أن يتقبلهم في زمرة الشهداء والصديقين والصالحين وحسن أولئك رفيقا،وأن يربط على قلوب أهلهم وذويهم ومحبيهم بالصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون، ولهم من كافة الشعب العماني خالص التعزية والمواساة، مع عظيم التحية والإجلال والتقدير لجلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد المعظم وحرمه السيدة الجليلة على ما أفاضا به من مشاعر الحزن والمواساة والمساندة لذوي المتوفين مما كان له بالغ الأثر في تخفيف آلامهم الجسيمة، وبما يؤكد أن أهل هذا الوطن حكومة وشعباً هم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضواً تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى..
حفظ الله بلادنا الغالية آمنة مطمئنة متماسكة وسائر بلاد المسلمين.
ناصر بن مسهر العلوي
الأربعاء ٨ شوال ١٤٤٥ للهجرة
الموافق ١٧ إبريل ٢٠٢٤ ميلادية