في الأنظمة القانونية، تعتبر إجراءات الطعن بالنقض جزءاً أساسياً من النظام القانوني الذي يهدف إلى ضمان عدالة القرارات القضائية وصحتها، ومن بين القواعد والمبادئ التي تحكم عملية الطعن بالنقض هي مبدأ عدم جواز نقل عبء الإثبات، الذي يعتبر أحد الأسس الأساسية التي تحكم إثبات صحة الحكم المطعون فيه.
كما يتمثل السياق القانوني لهذا المبدأ في القانون المدني وقانون المرافعات، حيث تُحدد هذه النصوص القانونية الإجراءات التي يجب اتباعها في عملية الطعن بالنقض والمسؤوليات الملقاة على الأطراف خلال هذه العملية، وفي هذا السياق، يُعتبر مبدأ عدم جواز نقل عبء الإثبات في الطعن بالنقض من القواعد الأساسية التي تهدف إلى تحقيق المبادئ العدالة والمساواة في القضاء.
كما يأتي هذا المبدأ كجزء من جهود النظام القانوني لضمان توزيع الأدوار والمسؤوليات بين الأطراف بطريقة عادلة، وتوفير الحماية القانونية الكافية لضمان حقوق الأفراد والجهات المعنية، ومن خلال فهم هذا السياق، يمكننا فهم أهمية ودور مبدأ عدم جواز نقل عبء الإثبات في ضمان عدالة القضاء وصحة القرارات القضائية.
وفيما يتعلق بعبء إثبات أسباب الطعن على الطاعن، ينص القانون المدني وقانون المرافعات على القاعدة الأساسية التي تفرض أن الأحكام تكون صحيحة في الأساس، وبناءً على هذا المبدأ، يقع عبء إثبات عدم صحة الحكم على الطاعن، الذي يتحمل المسؤولية عن دحض صحة الحكم الذي يعترض عليه، يتطلب هذا من الطاعن تقديم الأدلة القانونية والواقعية التي تدل على تحقق أسباب الطعن في الحكم المعترض عليه.
وفي ضوء هذا المنطلق، فإن الطاعن مطالب بتقديم الأدلة التي تثبت صحة المطاعن التي يطرحها في طعنه، ولا يمكن للطاعن أن يطلب من المطعون ضده أن يقدم الأدلة التي تثبت صحة ما ذكره في رده على الطعن، لأن ذلك يعتبر طلباً موضوعياً يخالف قواعد الإثبات، فوفقاً للقواعد القانونية، يجب على المدعي أن يثبت مطالباته، وليس على العكس.
على سبيل المثال، تظهر قرارات أحد الدوائر التجارية التابعة للمحكمة في دولة ما لا على التعيين، في هذا السياق، أن الطاعن هو المسؤول عن دحض صحة الحكم المطعون عليه، وليس المطعون ضده، وبناءً على ذلك، يجب على الطاعن أن يقدم الأدلة التي تدحض صحة الحكم، حيث يعتبر الطعن بمثابة ادعاء أو دعوى من جانب الطاعن بعدم صحة الحكم المطعون عليه.
وعندما يقوم الطاعن بالطعن في الحكم، فإنه يجد نفسه في موقف المدعي، حيث يكون مسؤولاً عن دحض صحة الحكم المطعون عليه، تعتبر هذه القاعدة من القواعد المستقرة في القانون المدني وقانون المرافعات في كثير من الدول العربية، حيث ينص القانون على أن الأصل في الأحكام هو الصحة.
على سبيل المثال، ينبع هذا المبدأ من مبدأ “الظاهرية” في القانون اليمني، حيث يفرض على من يدعي عدم صحة الحكم أن يقدم الأدلة التي تثبت ذلك، وفي هذا السياق، تنص المادة (3) من قانون الإثبات اليمني على أن المدعي هو من يدعي خلاف الظاهر، ولهذا يجب عليه أن يقدم الأدلة التي تثبت عدم صحة الحكم.
لذا، يجب على الطاعن أن يقدم الأدلة التي تثبت أو توضح المطاعن التي يطرحها في طعنه، حيث يعتبر هذا الطعن مجرد ادعاء بعدم صحة الحكم المطعون عليه، وبناءً على ذلك، فإن المسؤولية تقع على الطاعن لتقديم الأدلة الكافية التي تثبت عدم صحة الحكم المطعون عليه.
وبما أن الطاعن يحتل موقف المدعي بعدم صحة الحكم المطعون فيه، فإنه من الضروري عليه تقديم الأدلة التي تثبت أو توضح المطاعن أو المناعي أو أسباب الطعن التي يضمنها في عريضة طعنه، يعتبر هذا الطعن مجرد ادعاء بعدم صحة الحكم المطعون عليه، وبالتالي يجب على الطاعن توضيح الأسباب والمناعي التي يعتمدها في طعنه.
بالتالي، إن قانون المرافعات قد حدد وحصر أسباب الطعن بالنقض في مواده القانونية، وبناءً عليه، يجب على الطاعن ذكر الأدلة على صحة تحقق السبب أو المطعن في الحكم المطعون فيه في نهاية كل سبب من أسباب الطعن، كما يأتي ذلك لضمان الجدية والموثوقية في الطعن، ولضمان أن الطاعن قد قدم الأدلة الكافية التي تدعم طلبه بعدم صحة الحكم.
وبناءً على ما سبق، فإن الإيراد الدقيق للأدلة والحجج في العريضة يعزز فرص النجاح في الطعن بالنقض، إذ يسهم في إقناع المحكمة بصحة المطاعن وفي تحقيق أهداف الطاعن في طعنه.
بالإضافة إلى ذلك، إن الجدية في الطعن بالنقض تتطلب من الطاعن أن يكون قادراً على توضيح وتقديم الأدلة القانونية والواقعية التي تدعم المناعي والمطاعن التي يطرحها في عريضة الطعن، فعندما يكون الطاعن قادراً على ذكر المناعي أو المطاعن بدعم من الأدلة، يزداد اعتبار الطعن وجدية، بينما يجعل ذكرها بدون دليل يجعل الطعن عقيماً وغير جدي.
وبالإضافة إلى ذلك، إن محكمة الطعن تقوم بالنظر والفصل في الطعن بحسب الأدلة المقدمة، وليس بحسب الأمور التي تكون عارية من الدليل، فتقديم أدلة غير موثقة بحد ذاتها لا تكفي لدعم الطعن، بل يجب أن تكون مدعومة بأدلة تؤكد صحتها وتوجه النظر فيها، بالتالي، يجب على الطاعن أن يكون حريصاً على توضيح المطاعن والمناعي التي يثيرها في عريضة الطعن، وأن يدعمها بالأدلة القانونية والواقعية المناسبة، لضمان جدية الطعن وفعاليته في تحقيق الأهداف المرجوة منه.
ومن الناحية القانونية، يُسمح في بعض الحالات بنقل عبء الإثبات، حيث يُمكن للخصم أن يُطلب من محكمة الموضوع إلزام الطرف الآخر بتقديم دليل على نفسه، ومع ذلك، فيما يتعلق بالطعن بالنقض، فإنه لا يُجوز مطالبة الطرف الآخر بتقديم دليل على نفسه، فهذا الطلب لا يُعتد به أمام المحكمة العليا، لأن المحكمة العليا تُعتبر محكمة قانونية ولا يُسمح بقلب قواعد الإثبات في الطعن بالنقض.
بناءً على ما سبق، يتضح أن عدم جواز نقل عبء الإثبات في الطعن بالنقض هو مبدأ قانوني يُعتمد عليه لضمان العدالة والنزاهة في الإجراءات القانونية، حيث يُحافظ على توزيع الأدوار والمسؤوليات بين الأطراف بما يتماشى مع مبادئ العدالة والمساواة في المحاكمة.
وفي الختام، يظهر من السياق القانوني الذي تمت صياغته أهمية مبدأ عدم جواز نقل عبء الإثبات في عملية الطعن بالنقض، فهذا المبدأ ليس مجرد تفاصيل قانونية، بل يمثل أساساً قانونياً يحافظ على مبادئ العدالة والمساواة أمام القانون.
بالتالي، ومن خلال تطبيق هذا المبدأ، يتأكد المبدأ القانوني الأساسي الذي ينص على أن المطالبة بإثبات صحة القرار القضائي يقع على الطاعن نفسه، وبالتالي، فإن الطاعن يتحمل المسؤولية الأساسية عن تقديم الأدلة والحجج التي تثبت عدم صحة الحكم المطعون فيه، دون أن يُفرض على الخصم تقديم دليل على صحة الحكم.
وبناءً على ذلك، يتضح أن هذا المبدأ يعكس روح العدالة والمساواة في القانون، حيث يحمل الطاعن مسؤولية إثبات الخلاف عن الحكم القضائي، وهو ما يعكس مبدأ “المتهم بريء حتى تثبت إدانته” في القانون، ومن هنا، فإن تطبيق مبدأ عدم جواز نقل عبء الإثبات يعزز مبادئ العدالة والنزاهة في القضاء، ويحمي حقوق الأفراد في الحصول على قرارات قضائية عادلة ومنصفة.
عبدالعزيز بن بدر القطان / مستشار قانوني – الكويت.