تتجلى عظمة القرآن الكريم بشكل لا يُضاهى، فهو كلام الله سبحانه وتعالى، الذي أُنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ليكون هُدىً ونوراً للبشرية جمعاء، كما يعتبر القرآن الكريم مصدر الهداية والمعرفة للناس في كل مكان وزمان، فهو الكتاب الذي يحمل في طياته الحكمة والإرشاد والشفاء.
وتأتي عظمة القرآن الكريم أيضاً، من خلال عدة جوانب، أولها تنزيله من الله العليم الحكيم، الذي يعلم ما في السماوات والأرض، ويعرف ما يصلح للبشرية ويُهديها إليه، كما يتميز القرآن بأسلوبه الرفيع والجليل، وصدق ما يحمله من معانٍ عميقة تعبر عن حقائق الحياة وغاياتها، ومن جهة أخرى، يتسم القرآن الكريم بتنوع مواضيعه وشموليته، حيث يتناول جوانب مختلفة من الحياة الإنسانية، سواء في العبادات أو الأخلاق أو القوانين الاجتماعية، مما يجعله دستوراً شاملاً لتوجيه الإنسان في كل جوانب حياته.
ومن أهم ما يميز القرآن الكريم أنه لغة الله تبارك وتعالى، التي اختارها للتواصل مع خلقه، فهو يستخدم أفضل الأساليب وأجود العبارات للوصول إلى قلوب الناس وتوجيههم نحو الخير والصلاح، بالإضافة إلى ذلك، إن عظمة القرآن الكريم تظهر بوضوح في تأثيره على حياة المسلمين وتوجيههم نحو الخير والتقوى، وفي تحقيقه للسلام والتآخي بين الناس، لذا، فإن دراسة القرآن وتدبر آياته تعتبر من أعظم الطرق للوصول إلى السعادة الدنيوية وسعادة الآخرة.
من هنا، وفي هذا التمهيد قبل أن ندخل في تفسير آيات سورة النمل وتأملاتها، نجد أن سورة النمل تحدثت عن العديد من القصص والمواقف التي تعزز الإيمان بالتوحيد وترسخه في قلوب الناس، حيث تركز هذه السورة على نماذج ملهمة في دعوتها إلى الله تبارك وتعالى وتوحيده، وتقديم الأدلة على وحدانيته، واحدة من أبرز هذه النماذج هي قصة النبي سليمان عليه السلام، الذي جمع بين النبوة والملك واستخدم قوته وسلطته في خدمة الدين ودعوة الناس إلى التوحيد.
تبدأ السورة بتأكيد على ربانية القرآن الكريم وهدفه في توجيه البشر، وتستعرض بإيجاز بعض القصص التي تم ذكرها في سور أخرى، لتعطي بُعداً أوسع عن حكمة الله عزّ وجلّ في توجيه الخلق، ثم تقدم السورة أمثلة على الاستجابة الصالحة لدعوة الله تبارك وتعالى، مع التفصيل في بعض الحالات، وتعرض أيضاً أمثلة على المعاندة والتمرُّد على الحق، مع التأكيد على سرعة عقاب الله لأولئك، كما تقدم السورة الحجج والدروس المستفادة من هذه القصص، مع التركيز على القيم التي تهدف إلى ترسيخها في نفوس المؤمنين.
ففي بداية السورة، نجد أن مقدمة سورة النمل تتميز بالبساطة والعمق، حيث تبدأ بالحروف المقطَّعة، وهي من الظواهر اللغوية الغامضة التي لم يتمكن البشر حتى الآن من فهم معناها بالكامل، مما يجعلها موضوع اهتمام وتأمل لدى العلماء، ومن ثم، تستعرض السورة غايات القرآن الكريم وأهميته في إرشاد البشرية وتوجيهها نحو الحق، مؤكدة على أن القرآن كتاب مبين يحمل الهدى والبشرى للمؤمنين الذين يقيمون الصلاة ويتصدقون، ويرتبطون بثقة بالآخرة وجزاء الله فيها، من ثم، تنتقل السورة إلى إثبات أصالة القرآن الكريم ومنزلته الرفيعة، مؤكدة أنه وحي من عند الحكيم العليم، بالتالي، إن هذا الإثبات يشمل أيضاً تحدي البشر لإنتاج مثله، وهو تحدي لم يستطيعوا تحقيقه على مر العصور، مما يبرز الفرادة والتميز الإلهي في كتاب الله تبارك وتعالى.
بالإضافة إلى ذلك، تعتمد السورة على هذه القواعد في تقديم براهينها، حيث توضح مواقف الناس من دعوة الحق، سواء كانوا مؤمنين يقبلون بها، أو كافرين يعرضون عنها، وتبرز أيضاً أن القرآن ليس بوحي إنساني، بل هو وحي من الله لرسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، الذي لم يتسن له الوصول إلى هذا العلم وهذه التفاصيل بمجرد ذاته، بل جاءته من عند الله تبارك وتعالى.
وبهذه الطريقة، تقف السورة كشاهد واضح على النبوة الصادقة للرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وتشير بقوة إلى الأصالة والإلهام الإلهي لكتاب الله عزّ وجل!، الذي يعتبر الدليل الأكبر على وحدانية الله ونبوة الرسول، أيضاً في سورة النمل، يُقدِّم القرآن الكريم لنا عدة قصص تعكس استجابة الناس لدعوة الحق، حيث يبدأ بقصص الرفض وينتهي بها، ويُقدم أيضاً قصص القبول للدعوة والإيمان بها.
أولاً، قصة موسى: تُعد قصة نبينا موسى عليه السلام من بين أبرز القصص التي طرحها القرآن في سورة النمل، حيث يركز فيها على جوانب مهمة تسلط الضوء على قيم ومعانٍ عظيمة:
أحد هذه الجوانب هو عظمة الوحي، وما يتعرض له الأنبياء من تحديات وصعوبات عندما يتم تنزيل الوحي عليهم، حيث يُظهر القرآن الكريم كيف تفاجأ موسى عليه السلام بهذا الوحي فجأة، وكيف خاف من الآيات التي هي دليل على نبوته، وكيف حماه الله سبحانه وتعالى من الخوف والوحشة.
وثانياً، يُسلط الضوء في القصة على تصرفات فرعون وقومه تجاه هذه الرسالة الإلهية والآيات الباهرة التي أتت بها موسى، فكيف أعرضوا عنها على الرغم من يقينهم الكامل بصدقها؛ مما يُوضح لنا أن الجحود والتكذيب للحق ليس بالأمر الجديد، حيث يُريح الله في الآية 14 من السورة موسى ويُعلمه أن عواقب المكذبين ستكون سيئة، وهو ما يعطي الراحة والتأكيد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في مواجهة كذب المشركين له، رغم يقينهم بأنه الصادق الأمين الذي لم ينقض عهده ولا يخون أبداً.
وفي ختام الآية، يتحدث القرآن الكريم عن العواقب المأساوية التي ستلاحق المكذبين، مما يؤكد على أن قانون الله تبارك وتعالى لا يميِّز بين الناس في الحكم، ومن كذب وتكذب بالحق سيلحق به عقابه، فعاقبة المكذبين تكون كذلك، وهذا ما تعلمه قصة فرعون وقومه الذين استمروا في جحودهم للرسالة الإلهية، فكانت عواقبهم بالفعل كارثية.
أيضاً، في سورة النمل، نُسلّط الضوء على قصة نبييّ الله داود وسليمان عليهما السلام، تاركين بصمة من التأمل والعظة في قلوب المؤمنين، حيث تبدأ القصة بداود الشاكر، الذي تجسدت فيه معاني الشكر والامتنان لله على النعم، وهو نموذج للمسلم الذي يُفضل شكر النعمة على الدوام، ويرى في كل نِعمة فضلاً من الله يستحق الشكر والحمد، ثم ننتقل إلى قصة سليمان الشاكر، الذي تجلى فيه الشكر والامتنان بشكل أكبر وأعمق، حيث عبَّر عن شكره لله تبارك وتعالى على نعمه بشكل جلي وصريح، ولم ينسب هذه النعم إلى نفسه أو إلى أبيه، بل رد الفضل إلى الله عز وجل وحده، ومن خلال دعائه المخلص، نتعلم أهمية الدعاء بالثبات على الدين والاستمرار في الطاعة والإحسان.
بالتالي، تجسد قصة سليمان القائد القوة الإدارية والحكمة في تسيير شؤون المملكة، حيث يُظهر لنا كيف ينبغي للقائد النظر بعين العقل والحكمة في إدارة شؤون أتباعه وجنوده، وكيفية التعامل مع المواقف المختلفة بحسب طبيعتها وحسب الضوابط الشرعية والإدارية، ولا عجب أننا في زماننا هذا نفتقر إلى هذه الحكمة في إدارة شؤون الرعية في مختلف المجتمعات ربما لبعدهم عن الاقتداء بني الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعيدهم إلى جادة الصواب بما فيه الخير لهذه الشعوب المنهكة.
وفي ختام القصة، نتعرض لتفاصيل تواصل سليمان مع الهدهد، وكيفية تنفيذ أوامره بالأمانة والدقة، مما يُظهر لنا أهمية الثقة والموثوقية في العمل والتنفيذ، ومن خلال هذه القصة، نستلهم العديد من الدروس والعبر التي تثري حياتنا الدينية والعملية.
وبهدف استعراض قصة الهدهد وسليمان عليه السلام، يظهر أن سليمان قام بمهمة دعوية كبيرة، حيث أراد أن يضع بصمته على حكمه بقوة الدين والتمكين له، وقد أثبتت قصته وتفاعله مع ملكة سبأ هذا الطابع الدعوي القوي، فقد بدأت المهمة بانتقاده لحكومة ملكة سبأ بسبب تقديسها للشمس، حيث أشار إلى أن الدولة الرائدة يجب أن تكون مركزاً للعبادة لله تبارك وتعالى وليس لغيره، وهكذا، جعل سليمان من سجود بلقيس للشمس جريمة كبيرة، وأشار إلى أن العلاج الوحيد هو الدعوة إلى الله عز وجل وتوجيه العبادة إليه.
بعد ذلك، استخدم سليمان عليه السلام براعته في التواصل مع ملكة سبأ، فأرسل رسالتها بالبسملة، مما يعكس عمق المعنى والرمزية في الدعوة إلى الله عز وجل ورغم قدرته العسكرية الهائلة، فإنه لم يستخدم القوة، بل توجه بالدعوة والحوار، بالإضافة إلى ذلك، استخدم سليمان عليه السلام أساليب مختلفة من أجل إظهار سيطرته الدينية والحضارية، بما في ذلك تجنب قبول الهدايا واستخدام الطير لنقل الرسائل.
وفي نهاية المطاف، تمكن نبي الله سليمان من فرض تفوقه الحضاري على ملكة سبأ، حيث كشفت ملكة سبأ عن اندهاشها لحضارته وتقنياته، مما دفعها للاعتراف بتفوقه والاستسلام لله عزّ وجلّ.
من هنا، وباستخدام هذه الاستراتيجيات الدعوية والحضارية، نجح سليمان عليه السلام في تحقيق هدفه بتوجيه مملكته نحو العبادة الصحيحة والرفع من شأن الدين، بالتالي، إن قصة ملكة سبأ تبرز بين أحداث قصة النبي سليمان عليه السلام بوصفها محطة مهمة في السيرة الدينية، كما يُظهر القرآن الكريم كيف استخدمت ملكة سبأ الشورى لمواجهة التحديات واتخاذ القرارات الحكيمة، إذ تتضح المحطات الأساسية في هذه القصة من خلال الحوار الذي دار بين ملكة سبأ وقادة جيشها، حيث بيَّنت القصة مفهوم الشورى وأهميته في اتخاذ القرارات الصائبة والمدروسة.
أولاً، القصة تبرز أهمية بيان سبب الاجتماع وموضوعه بدقة، مما يعكس أهمية التواصل الفعال في حل المشاكل واتخاذ القرارات، ثانياً، تُظهر ملكة سبأ رغبتها في الحصول على الرأي المناسب والدعم الكامل من قادة جيشها، مما يبرز أهمية جمع الآراء والتشاور في المواقف الصعبة، ثالثاً، تعكس القصة استعداد القادة لتقديم الولاء والدعم التام لقرارات ملكتهم، مما يعكس أهمية الوحدة والتضامن في مواجهة التحديات.
وبعد فشل الخطة الأولى، اتخذت ملكة سبأ القرار الحكيم بالاستجابة لمطالب النبي سليمان عليه السلام، مما يُظهر أهمية الاستجابة للأمور بحكمة وتأمل، وفي النهاية، عندما غلبت ملكة سبأ بالتحديات الحضارية التي فرضها النبي سليمان عليه السلام، حيث أعلنت عن قناعتها التامة بدينه، مما يُظهر أهمية التفوق الحضاري في نشر الدين والإيمان.
بالتالي، يمكن استخلاص العبر والعظات من قصة ملكة سبأ بأن الوسائل المادية والقوة العسكرية لا تكفي في حماية الإنسان أو إيمانه، بل يجب أن يكون للإنسان رؤية دينية وفكرية توجهه في استخدام ثرواته وقوته، كما تظهر القصة أهمية الشورى والتشاور في اتخاذ القرارات الهامة، وضرورة الاستجابة لدعوة الدين بحكمة وتأمل.
أيضاً، ينبثق القرآن الكريم بأمثلة متعددة تندرج تحت سياق الرسالة الدينية، فإذا وردت أمثال ثمود ولوط، تُعرض تجاربهم ومصائبهم التي أصابتهم بسبب كفرهم ومخالفتهم للرسل الذين أتوا بهداية الله سبحانه وتعالى، حيث يُظهر القرآن العظيم كيف كادوا يقتلون أنبياءهم ويخالفون توجيهاتهم، كما حدث في قصة نبيهم صالح الذي أُرسل إليهم، والذين كادوا يطردون نبي الله لوط بسبب تمسكه بالحق، وحرصه على إصلاح قومه المفسدين، بالتالي، إن هذه القصص تعكس العبر والدروس التي يُراد منها توجيه المؤمنين للسلوك الصالح وتحذيرهم من المخالفة والكفر.
وفي السياق ذاته، يُوضح القرآن الكريم المحاور الأخيرة لسورة النمل، حيث يتم التعبير عن الفرق بين الله تبارك وتعالى وبين الأصنام والأشياء التي يدعى لها بالعبادة، إذ يُسلط الضوء على فضل الله عز وجل ورحمته التي ينعم بها على البشرية من خلال منحهم النعم والمزايا في الدنيا، وتخويفهم من عذابه في الآخرة إذا تجاهلوا شكر هذه النعم وأشكروا غيره بالعبادة.
ويعتبر القرآن الكريم هذه الأسئلة الموجودة في سورة النمل محيرةً لمن يزعم أنه يعبد شيئاً من دون الله عز وجل، سواء كان ذلك ء نبياً أو ولياً أو صنماً أو ناراً أو شمساً أو قمراً، إنه يُذكِّر الإنسان بتفكيره السليم ويُشير إلى الحقيقة العظمى أن كل شيء يأتي من الله تبارك وتعالى وإليه عائد، وأنه لا ينبغي للإنسان أن يحتكم إلى مخلوق في العبادة بل ينبغي له أن يعبد الله وحده.
ومن خلال تدريب القرآن الكريم على التفكير السليم والتدبر في الآيات، يُظهر لنا كيف أن من يعبدون مخلوقات مثل الأصنام أو الأشخاص كانوا معرضين للعذاب والهلاك، ويُظهر القرآن كيف أن الله تبارك وتعالى وحده هو المعبود الحق، وكيف أنه لا يشبهه شيء في الخلق، وأنه الخالق الحقيقي والمُعين في الأوقات الصعبة والسهلة.
بالإضافة إلى ذلك، يتحدث القرآن الكريم في سورة النمل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والتوجيهات التي أُلقيت عليه للتعامل مع الكفار والمكذبين، حيث يُشدد القرآن الكريم على أهمية أن يكون النبي متمسكاً برسالته ومُصمماً على الدعوة لله دون الاهتمام بتكذيب الكفار ومعارضتهم، حيث يُعلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن الأمر ليس بيده، وإنما بيد الله سبحانه وتعالى، وعليه أن يثق بالحق ويركن إلى الله في كل أمر.
ونجد أيضاً في هذه السورة أن الآيات القرآنية، تعلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه ينبغي له أن يدعو الناس إلى الله بروح السكينة والثقة، دون أن ينزعج من أقوالهم أو يحزن على تكذيبهم، وأنه يجب عليه الاعتماد على الله تبارك وتعالى في كل شيء وعدم الاعتماد على الناس.
كما يؤكد القرآن أن الله وحده هو المعبود الحق، وأن المرد إليه في جميع الأمور، وأنه هو الذي يحكم بين الناس ويجزي كل شخص حسب أعماله، سواء كانت خيراً أم شراُ، وتُظهر الآيات الكريمة مصير المكذبين وما ينتظرهم من عذاب في الدنيا والآخرة، وكيف أنهم يدركون الحقيقة ويتوبون بعد فوات الأوان، ويختم القرآن السورة بوصايا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، تشجعه على الصبر والاستمرار في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، وتذكره بأنه سيروي للناس آيات الله لكي يعرفوا حقيقته، وأن الله لا يغفل عن أعمالهم.
وبهذه الطريقة، تكون سورة النمل قد أوجزت رسالتها، وحددت دور النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وفي الإرشاد للحق، وفي تحذير المكذبين من عذاب الله.
أما في الحديث عن سورة النمل، فهي تتميز بثراء بلاغي كبير، وتحتوي على العديد من المحسنات البديعية واللغوية التي تبرز جمال النص القرآني وفصاحته، على سبيل المثال، في الآيات من 1 إلى 30 من السورة، نجد استخدامات متنوعة للمحسنات البديعية واللغوية، والتي تساعد في توضيح المعاني وتقوية التأثير البلاغي للنص، وهذا ما سنوضحه لكامل الآيات في قادم الأيام.
ففي المحسنات البديعي، نجد الجناس والذي هو تشابه لفظين في النطق واختلافهما في المعنى، يظهر الجناس في الآية: “إِنَّهُۥ مِن سُلَيۡمَٰنَ وَإِنَّهُۥ بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ” (30)، حيث الجناس بين “سُلَيۡمَٰنَ” و”بِسۡمِ”.
أما الطباق، فهو الجمع بين الشيء وضده، ويظهر الطباق في الآية: “ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ” (3)، حيث يتم الجمع بين الإيمان وعدم الإيمان بالآخرة.
والمقابلة، هي ذكر معنيين أو أكثر، ثم الإتيان بما يقابلها. يظهر ذلك في الآية: “وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلۡقُرۡءَانَ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ عَلِيمٍ” (6)، حيث المقابلة بين “حَكِيمٍ” و”عَلِيمٍ”.
بالنسبة للتوريةـ فهي هي استخدام كلمة ذات معنيين، أحدهما قريب ظاهر، والآخر بعيد خفي. تظهر التورية في الآية: “إِنِّي وَجَدتُّ ٱمۡرَأَةٗ تَمۡلِكُهُمۡ” (23)، حيث أن المعنى الظاهر هو الملك بمعنى السيطرة، والمعنى الخفي هو النعمة والتمكين.
المحسنات اللغوية، التكرار ر يستخدم لتأكيد المعنى وتقوية الوقع النفسي. في الآية: “ٱلۡمُؤۡمِنِينَ” (2)، يتم تكرار الفعل “يُقِيمُونَ” و”يُؤۡتُونَ” لتأكيد أهمية الصلاة والزكاة.
أما الترادفـ فهو استخدام كلمات متعددة للدلالة على معنى واحد. في الآية: “هُدٗى وَبُشۡرَىٰ” (2)، نجد كلمتي “هُدٗى” و”بُشۡرَىٰ” كترادف للدلالة على الإرشاد والخير.
بالنسبة للتوازن الصوتي، فهو يعزز جمالية النص ويجعل تلاوته أكثر سهولة وانسيابية. في الآية: “قَالَتۡ نَمۡلَةٞ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّمۡلُ ٱدۡخُلُواْ مَسَٰكِنَكُمۡ” (18)، يتجلى التوازن الصوتي في توزيع الحروف والكلمات بما ينسجم مع السمع.
والتشبيه: هو عقد مقارنة بين شيئين. يظهر ذلك في الآية: “كَأَنَّهَا جَآنّٞ” (10)، حيث يشبّه العصا بالجانّ لإيصال سرعة حركتها.
ومن الأمثلة الإضافية:
الاستعارة: في الآية: “زَيَّنَّا لَهُمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ” (4)، حيث تُستخدم الاستعارة لبيان تزيين الشيطان لأعمال الكفار.
الاستفهام البلاغي: في الآية: “مَا لِيَ لَآ أَرَى ٱلۡهُدۡهُدَ” (20)، يستخدم الاستفهام لإثارة التساؤل والبحث عن الهدهد.
هذه الأمثلة تبرز جمال البلاغة في القرآن الكريم وتوضح كيفية استخدام المحسنات البديعية واللغوية لتعزيز المعاني وتقوية الرسالة التي يحملها النص القرآني.
من هنا، وفي ختام سورة النمل، نجد أنها ترسخ في قلوب المؤمنين عبر العصور عِظمَ قدر الله تبارك وتعالى وتعظيمه، وتبين أنواع الهداية التي ينعم بها الله على عباده المؤمنين، ومن خلال تدبر محتوى السورة، نستقرئ عدة مآثر وعبر نافعة تثري الحياة الدينية والعملية للمؤمنين:
أولاً: تأكيد على الإيمان بالله وتوحيده وحده لا شريك له، وأنه الخالق العظيم الذي يدير أمور الكون بحكمته وقدرته اللامتناهية.
ثانياً: التأكيد على أن الهداية والضلالة بيد الله وحده، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس معيناً في هداية البشر، ولكن دعوته هي لبيان الحق والإرشاد فقط.
ثالثاً: تحذير من الكفر والمعاندة، وتبيان عواقبهما الخطيرة في الدنيا والآخرة، وذلك من خلال قصص القرون السابقة وكيف انقلبت عليهم آيات الله بسبب كفرهم وتكذيبهم للرسل.
رابعاً: توجيهات ووصايا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين بضرورة الصبر والثبات في مواجهة الشكوك والتحديات، والاعتماد على الله وحده في كل أمور الحياة.
فسورة النمل تمتاز بأنها تحمل في طياتها دروساً عظيمة وعبراً مفيدة تستلهمها النفوس المؤمنة، وتثري بها حياة المسلمين في كل الأزمان والأماكن، إن فهمنا لمحتوى هذه السورة وتطبيق ما تضمنته من توجيهات يعد أساساً للسعادة في الدنيا ولحفظ الآخرة، وللوصول إلى رضا الله تبارك وتعالى وقبوله في الدنيا والآخرة.
عبدالعزيز بن بدر القطان / كاتب ومفكر – الكويت.