سجَّلت سلطنة عُمان علامةً مضيئةً في العلاقات الدوليَّة والمُعاملة الإنسانيَّة واحترام الآخرين، حيث بَنَتْ صورتَها على الأخلاق والقِيَم الإنسانيَّة، وكرَّست نموذجها الحضاري في علاقاتها مع الأشقَّاء العرب والجوار الإقليمي ودوَل العالَم أجمع، وطبَّقت تلك القِيَم والمبادئ قولًا وعملًا في سياستها وتعاملاتها مع الآخرين؛ لذلك سنَّت تشريعاتها وقوانينها وفقًا لهذا النَّموذجِ الاستثنائي رغم صعوبة تطبيقه في عالَمٍ تسُودُه المصالِحُ والمعايير المزدوجة، وهذا النَّهج الإنساني الفريد رسمَ صورةَ عُمان أمام العالَم، ورسَّخ نموذجها وحدَّد مسارها.
كرَّست سلطنة عُمان قواعد سياساتها، ومن أبرزها عدم التدخُّل في شؤون الغير، والحياد الإيجابي، والبحث عن السَّلام والاستقرار، وطبَّقت العديد من المفاهيم السِّياسيَّة القائمة على المبادئ والأخلاق وحقوق الإنسان، فاستطاعَتِ العيشَ بسلامٍ ووئامٍ، وهذا هو واقع الحال لكُلِّ مَن زارَ هذا البلد وعرفَ ثقافة عُمان وطِيبة شَعبها، فقدَّم شهادته للتَّاريخ في حقِّ هذا الوطن؛ لذا لا غرابةَ أن تستقطبَ عُمان أنظارَ العالَم إعجابًا بهذا النَّموذجِ السِّياسي والإنساني الفريد. ولا شكَّ أنَّ هذه المبادئ والقِيَم الإنسانيَّة لها قواعد راسخة ومتجذِّرة في البيئة العُمانيَّة ومُستقاة من الإرث الحضاري الَّذي تَشكَّل عَبْرَ مراحل تاريخيَّة طويلة، فميَّز نموذجها السِّياسي منذُ عصورٍ قديمة. وهنا لا بُدَّ من الإشارة إلى قولِ الرسول محمد (صلَّى الله عَلَيْه وسلَّم) لأحَدِ مبعوثيه عِندما عاد إلى المدينة المنوَّرة وقد تلقَّى معاملةً سيِّئة فقال صلَّى الله عَلَيْه وسلَّم: «لو أتَيْتَ أهْلَ عُمان ما سبُّوك ولا ضربوك». وهناك أمثلة كثيرة وشواهد تاريخيَّة بَيَّنَت حقيقة الأخلاق العُمانيَّة لا يتَّسع لها السِّياق، وهكذا كانت سياسة عُمان في مختلف العهود مرورًا بعهدِ اليعاربة ثمَّ الدَّولة البوسعيديَّة الَّتي تُعَدُّ من أطوَلِ الأُسر الحاكمة في العالَم اليوم، وتجلَّت هذه الصورة العُمانيَّة عِندما جاء باني نهضة عُمان الحديثة السُّلطان قابوس بن سعيد ـ طيَّب الله ثراه ـ لِيكرسَ ويصقلَ هذا النَّموذج العُماني خلال نِصْفِ قرنٍ، ورسَّخ نموذج الشَّخصيَّة العُمانيَّة وحدَّد الإطارَ والمسارَ لها. واليوم يستكمل مُجدِّد نهضتِها الحديثة جلالة السُّلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ورعاه ـ ذات الخطِّ السِّياسي القويم؛ لِتنالَ عُمان ثقة العالَم في أن تكُونَ هي العنوان الَّذي يجمع الفرقاء؛ ذلك لأنَّها دائمًا صادقة مع نَفْسها وصادِقة مع الآخرين، ورسَّخت نموذجًا سياسيًّا حكيمًا يتمحور على قاعدة المبادئ والأخلاق الإنسانيَّة.
المواقف السِّياسيَّة العُمانيَّة القائمة على قاعدة الأخلاق والقِيَم الحضاريَّة تعمل وفقًا لهذا النَّموذج العُماني المعروف، وسلطنة عُمان ملتزمةٌ بهذا النَّهج القويم تبحثُ عن الخير والسَّلام والاستقرار والازدهار للجوارِ والعالَم أجمع، فكانت مسقط هي قِبلة السَّلام للحوارِ وتقريب المسافات بَيْنَ الأصدقاء والفرقاء، ونالَتْ ثقة المُجتمع الدولي ومؤسَّساته.
سلطنة عُمان تحمَّلت الإساءة من قِبل الآخرين أحيانًا، ولكنَّها لم تلتفت يومًا إلى أيِّ محاولة من محاولات التَّشويه والإساءة، مؤكِّدةً أنَّها تحتضنُ بقَلْبِها كُلَّ الأشقَّاء، واثقةً من نَفْسِها صادِقة مع نَفْسِها ومع الآخرين، وقد تأكَّد لِلكثيرينَ تلك الحقيقة الرَّاسخة في النَّموذج العُماني؛ لذلك يعُودُ الأشقَّاء إِلَيْها واثقينَ بأنَّ هذا النَّموذج لن يتخلَّى عن نهجِه، وهي كما وصفها رسولنا الكريم والخلفاء قَبل أربعة عشر قرنًا، فلن يتغيَّرَ معدنُها، بل تزدادُ جَمالًا وتألقًا ونقاءً، وكُلُّ ما تُقدِّمه للأشقَّاء والعالَم نابعٌ من منهجِها الإنساني القويم، ولا يُمكِن في هذا المقام حصر المواقف العُمانيَّة المُتعدِّدة الَّتي قدَّمت فيها إضاءاتها وجوهر نموذجها. كما لا يُمكِن للأحداث إلَّا أن تعطيَ رسالة عُمان الرَّاسخة إلَّا مزيدًا من الثَّبات والرُّسوخ، والتمسُّك بالأخلاق والفِطرة السَّليمة. حفظ الله عُمان وسائر بلادنا العربيَّة والإسلاميَّة وكافَّة دوَل العالَم المُحبَّة للسَّلام والخير وستظلُّ عُمان شامةً بيضاءَ على صفحات التَّاريخ.
خميس بن عبيد القطيطي