تُمثِّل الأيدي الوافدة رقمًا صعبًا في المنظومة السكانيَّة في سلطنة عُمان، حيث تشير الساعة السكانيَّة إلى أنَّ إجمالي الأيدي العاملة الوافدة في سلطنة عُمان (1.80) مليون عامل في مختلفة القِطاعات بنهاية مايو 2024، حيث بلغت نسبة الوافدين إلى العُمانيِّين (43.17%) من إجمالي عدد السكَّان. ومع المخاطر والتداعيات الكبيرة الَّتي باتَ يُشكِّلها استمرار ارتفاع هذه الفئة على المنظومات الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والثقافيَّة والفكريَّة الوطنيَّة ومنظومة بناء الأسرة وتنشئة الأبناء، وما يحمله تدنِّي البُعد الثقافي والتعليمي لدى أكثر هذه الفئات من مخاطر أمنيَّة واجتماعيَّة باتتْ تطول كُلَّ تفاصيل الحياة اليوميَّة للمواطن، يظهر ذلك في حجم التشوُّهات الَّتي باتتْ تؤثِّر في المنظومة الأخلاقيَّة والاجتماعيَّة والفكريَّة والثقافيَّة، وما أكسبته ثقافة الكسب السريع وغياب الضَّابط أو الوعي القانوني لهذه الفئة من تأثيرات سلبيَّة باتتْ تدقُّ ناقوس الخطر إن لم يتمَّ التصدي لها ومعالجة هذا الملف بطُرقٍ مبتكرة والخروج من رتابة الوضع الحالي وعَبْرَ التفكير في استقطاب فئات من جنسيَّات أخرى غير الجنسيَّات الحاليَّة الَّتي تُشكِّل النسبة الأكبر في الوافدين في سلطنة عُمان وهي الجنسيَّات الآسيويَّة.
فمن حيث التداعيات الاقتصاديَّة والأمنيَّة لهذه الفئات تُشير الإحصائيَّات إلى أنَّ حجم التحويلات الماليَّة للوافدين خارج سلطنة عُمان بلغت في عام 2022 (3.488) مليار ريال عُماني بارتفاع بلغ (367) مليون ريال عُماني عن عام 2021، كما أشارت إحصائيَّات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات حَوْلَ الجرائم والجناة لعام 2022 إلى أنَّ توزيع الجرائم الوافدين كانت على النَّحْوِ الآتي: الجرائم الواقعة على الأموال (3.189) تليها الجرائم الواقعة على الأفراد (1.414) جريمة، والجرائم الأخرى (1.061). وارتفعت نسبة ارتكاب الوافدين للجرائم الآتية: الجرائم المخالِفة للقوانين (5.247) وافدًا، والجرائم المخلَّة بالعِرض والأخلاق العامَّة بواقع (443) جريمة، وجرائم السُّكْر والخمور (304) جريمة. وتُشير الإحصائيَّات إلى أنَّ عدد الجناة من الوافدين بلغ (12,863)، ويُمثِّل ما نسبته (51%) من مجموع الجناة في سلطنة عُمان في عام 2022. ومن حيث تصنيف الجرائم فإنَّ الجرائم الواقعة على الأموال هي أكثر الجرائم ارتكابًا في عام 2022 بـ(5821) بنسبة (34%) بزيادة بلغت (1700) جريمة على عددها في عام 2021 حيث بلغ عددها (4121) جريمة، لتُشكِّلَ الجرائم الواقعة على الأموال أعلى الجرائم ارتكابًا والأولى في تصنيف الجرائم في سلطنة عُمان في السنوات الأخيرة؛ وأنَّ (98%) من هذه الجرائم الواقعة على الأموال تتركز في السرقة والشروع فيها، والاحتيال، والإضرار بالأموال الخاصَّة، وغسيل الأموال، والإضرار بالأموال العامَّة، والقرصنة الإلكترونيَّة واستعمال بطاقة الغير دُونَ عِلْمه، والتعدِّي على البطاقات الماليَّة، والغشِّ والنَّصب والابتزاز الإلكتروني والمحافظ الوهميَّة والنَّصب على المواطن في الحسابات البنكيَّة وغيرها، وهي جرائم باتتْ تنشط بشكلٍ أكثر في القوى العاملة الوافدة لاعتبارات كثيرة.
وبحسب إحصائيَّات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، فقد شهد عام 2022 ارتفاعًا في العدد الإجمالي للقوى العاملة الوافدة بالقِطاع الخاصِّ، بمقدار (323.293) عاملًا وعاملة، حيث ارتفعت أعدادهم من (1.489.339) عام 2021 إلى (1.812.632) عاملًا وعاملة بنهاية عام 2022م، حيث توزعت على (81.2%) في فئة الأعمال التجاريَّة، و(18.8%) في فئة الخدمات الخاصَّة، حيث تتوزع القوى العاملة الوافدة بفئة الأعمال التجاريَّة على النَّحْوِ الآتي: الجنسيَّة البنجلادشيَّة (36.3%) والجنسيَّة الهنديَّة (35.5%)، والجنسيَّة الباكستانيَّة (17.7%)، وقد استحوذت هذه الجنسيَّات الثلاث مُجتمعة على نسبة مقدارها (89.6%) من العدد الإجمالي للقوى العاملة الوافدة بفئة الأعمال التجاريَّة. حيث بلغ عدد العاملين من الجنسيَّة البنجلادشيَّة (587917) عاملًا، تليها الجنسيَّة الهنديَّة وبلغ عددها (506184) عاملًا، فيما تأتي الجنسيَّة الباكستانيَّة في المرتبة الثالثة بواقع (228681) عاملًا، في حين يتوزع العدد الباقي مِنْهم على باقي الجنسيَّات.
وحسب النشاط الاقتصادي، أوضحت الإحصائيَّات إلى أنَّ ما نسبته (93.7%) من القوى العاملة الوافدة تتركز في فئة الأعمال التجاريَّة في القِطاع الخاصِّ، وبحسب النَّوع فإنَّ ما نسبته (96.9%) من القوى العاملة الوافدة يتركز أغلبهم في التشييد وتجارة الجملة والتجزئة، والصناعات التحويليَّة، وأنشطة الإقامة والخدمات الغذائيَّة، وفي أنشطة الخدمات الإداريَّة وخدمات الدَّعم، والنقل والتخزين، وأنَّ (3.1%) إناث، يتركز عملهنَّ في أنشطة صحَّة الإنسان والخدمات الاجتماعيَّة وفي أنشطة الخدمات الأخرى وتجارة الجملة والتجزئة والتعليم. وبحسب الأقسام المهنيَّة تُشير الإحصائيَّات إلى أنَّ توزيع القوى العاملة الوافدة بفئة الأعمال التجاريَّة عام 2022، جاء على النَّحْوِ الآتي: في المهن الهندسيَّة الأساسيَّة المساعدة (50.7%) وأنَّ ما نسبته (22.9%) يعملون في مهن الخدمات، و(8.2%) في مهن العمليَّات الصناعيَّة والكيميائيَّة والصناعات الغذائيَّة، و(7.4%) في مهن البيع، و(3.8%) اختصاصيُّون في المواضيع العلميَّة والفنيَّة والإنسانيَّة، و(7%) في باقي الأقسام المهنيَّة الأخرى.
أمَّا من حيث فئة القوى العاملة الوافدة في فئة الخدمات الخاصَّة والَّتي تُمثِّل ما نسبته (18.8%) فتُشير الإحصائيَّات إلى أنَّ القوى العاملة الوافدة بفئة الخدمات الخاصَّة بلغت في نهاية عام 2022 (340619) ألف عامل وعاملة، حيث تتوزع هذه الفئة من الجنسيْنِ بنسبة (68.1%) في مهنة عامل/ عاملة منزل، و(17.1%) في مهنة عامل زراعي، و(5.7%) في مهنة مربي إبل، و(5.5%) في مهنة سائق سيارة خصوصي، و(3.6%) في المهن الأخرى. وبحسب توزيع جنسيَّة القوى العاملة الوافدة في فئة الخدمات الخاصَّة، تُشير الإحصائيَّات إلى أنَّ الجنسيَّة البنجلادشيَّة تتصدر الجنسيَّات الأخرى بنسبة (49.6%) ـ كما تصدرت في فئة الأعمال التجاريَّة ـ تليها الجنسيَّة الهنديَّة (11%)، ثمَّ الجنسيَّة الفلبينيَّة (9.6%) وبلغت الجنسيَّة السريلانكيَّة (6.3%) و(5.2%) من الجنسية الباكستانيَّة، ثمَّ (18.3%) من جنسيَّات أخرى.
وعَلَيْه، فإنَّ السيطرة الديمغرافيَّة الَّتي أوجدها الكمُّ الهائل من الجنسيَّات الثلاث المذكورة، والسلبيَّات المترتبة على هذا الأمر، وتصدر إحداها التركيبة السكانيَّة للوافدين في سلطنة عُمان، أمْر يدعو للقلَق ويُنذر بمخاطر أمنيَّة واقتصاديَّة واجتماعيَّة وتغييرات في منظومة الهُوِيَّة والقِيَم والتقاليد الأصيلة ورفع درجة الجهد الوطني في مقاومة هذا الخطر، في ظلِّ ما باتَ يصدر مِنْها من جرائم وسلوكيَّات وممارسات أثَّرت سلبًا على كُلِّ تفاصيل الحياة الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة للإنسان العُماني، وحالة الاستنزاف وسوء الاستخدام للموارد، وغياب معايير الالتزام بقِيَم المُجتمع واحترام خصوصيَّاته، والَّتي شوَّهت وَجْه الحياة في سلطنة عُمان، وغيَّرت الكثير من المعالم والثوابت الَّتي ظلَّت حاضرة في حياة الإنسان العُماني.
على أنَّ القرار الاستراتيجي الوطني الَّذي تمَّ اتِّخاذه قَبل سنوات بسيطة بشأن وقف تأشيرة الوافدين من الجنسيَّة البنجلادشيَّة، وما عكسه ذلك من رضا المواطنين وتأكيدهم على هذا القرار، وشكرهم للجهات المعنيَّة على هذا الإجراء، يفترض أن يؤسِّسَ لمرحلةٍ جديدة في تقييم مسار التركيبة السكانيَّة للوافدين في سلطنة عُمان، في ظلِّ مطالبات من قِبل حكومات هذه الجنسيَّات وبرلماناتهم للمنظَّمات الدوليَّة بتشريع بعض الإجراءات الَّتي تُسهم في توطين هذه الفئة في دوَل مجلس التعاون الخليجي ومِنْها سلطنة عُمان، وبالتَّالي الإبقاء على هذا القرار الوطني نافذًا، والتفكير خارج الصندوق عَبْرَ بدائل أخرى في ظلِّ علاقات التعاون الَّتي رسَّختها سلطنة عُمان مع بعض الدوَل الإسلامية في شرق آسيا وإفريقيا والدوَل العربيَّة، ما يؤكِّد الحاجة إلى تصحيح هذا الملف وتوجيه الاهتمام بفتح المجال لجنسيَّات آسيويَّة أخرى من النيبال وتايلند وإندونيسيا وماينمار وجنسيَّات إفريقيَّة من تنزانيا وكينيا ونيجيريا ورواندا وغيرها من الجنسيَّات الإسلاميَّة والعربيَّة، الَّتي تمتلك المهارات والقِيَم والأخلاق المتناغمة مع خصوصيَّة المُجتمع العُماني وتحترم ثقافته، وبالتَّالي فإنَّ ما يُثار حَوْلَ فتحِ سلطنة عُمان تأشيرات للجنسيَّة البنجلادشيَّة يحمل في طيَّاته الكثير من التداعيات القادمة والمخاطر الَّتي يجِبُ أن تقفَ عَلَيْها الحكومة قَبل السَّماح لهذه الفئة للعملِ في سلطنة عُمان.
د.رجب بن علي العويسي