أصبحت مُغريات الحياة كثيرة ومُنوَّعة ومُتجدِّدة، والنفس راغبة إذا رغبَتْها، ومقاومة إشباع الرغبات أصبحت يومًا بعد يوم أكثر صعوبة، ولابُد- في أحيان كثيرة- من وجود المال لإشباع هذه الرغبات، وفي الجانب الآخر هناك شركات التسويق التي تتفنن بكافة الأدوات المبتكرة والمقنعة والمغرية في إرغامك إلى مزيد من الاستهلاك من سلع وخدمات.
شركات التسويق هي جزء من المعادلة، أما الجزء الآخر من المعادلة فهو الشركات التي تعدك بعوائد عالية وخيالية والتي تسمى بشركات توظيف الأموال، وهذه الشركات تستهدف من لديه مدخرات مالية ولا يعرف كيف يستثمرها أو أن هذا الشخص يريد أن يضاعفها أضعافًا مضاعفة في وقت قياسي وبأقل جهد ممكن، وقلة من الناس ومن منَّا لا يرغب في ذلك.
القصص المُرعبة لشركات توظيف الأموال موجودة في كثير من أنحاء العالم، وبمجرد ضغط زر محركات البحث في الإنترنت ستجد مئات القصص ذات النهايات المحزنة هنا وهناك، ومن خصائص هذه الشركات أنها تظهر لفترة من الزمان ثم تختفي لسبب أو لآخر. والمحزن في الأمر أنها تختفي بعد أن تجر معها الآلاف من الضحايا والملايين من الريالات أو الدولارات، وبعد فترة تظهر شركات أخرى تحت شعارات مُغرية بعوائد خيالية؛ كالاستثمار في الأسهم والسندات العالمية أو العقارات أو عقود النفط والغاز والسلع الاستراتيجية أو المعادن النادرة أو غيرها من طرقٍ وحِيَلٍ يَسيلُ لها اللُعاب، وتغيب عنها لغة المنطق والأرقام والتحليل، فهم لا يتحدثون عن فائدة سنوية من 5% إلى 15% كحد أقصى، إنما عن عشرين ضعف هذه الفائدة، نتحدث عن 100% من الفائدة، وفي أحيان كثيرة أكثر من ذلك بكثير!!
في هذه المقالة، أكرِّرُ تقديم هذا المقترح لأهميته في الوقاية من وقوع ضحايا جُدُد الذين يظلوا صامتين بعدما خسروا كل ما جمعوه من المدخرات المالية من العمل الجاد والتضحية من أجل حياة كريمة.
المقترح هو عبارة عن إجراء وقائي، وفكرته تكمن في تنظيم حملات توعوية عصرية جذّابة ومُبتكرة، هدفها إيصال رسائل توعوية سهلة ومقنعة عن شركات توظيف الأموال المشبوهة والوهمية والتي تعد بالثراء السريع، على أن تقوم هيئة الخدمات المالية والبنك المركزي العماني بتبني هذه الحملات من خلال فريق مشترك، وتتشارك معها في الأفكار والتنفيذ كل من وزارة الاقتصاد ووزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار والادعاء العام وشرطة عمان السلطانية، وأن يتم تمويلها من غرفة تجارة وصناعة عمان والبنوك وشركات التمويل، وتبقى المسؤولية جماعية؛ إذ لن ينحج أي جهد إلّا بالتضامن والتكامل.
الحملات التوعوية المُكرَّرة والمُبتكَرة وقائية في المقام الأول، ستضمنُ حماية الأموال من اختفائها؛ بل ستضمن ضخّها في الاقتصاد القانوني الصحيح، وسوف تقلل من آلالاف الضحايا الذين نقرأ أخبارهم من وقت لآخر؛ فالعمل الوقائي سيمنع وقوع الفأس في الرأس.
رغم أن المقترح مُقدَّم إلى الجهات التشريعية والتنفيذية والتمويلية، إلّا أن رسالة أخيرة أود التأكيد عليها وهي رسالة تذكيرية موجهة إلى كل فرد من أفراد المجتمع: حافظ على أموالك، استشر من هو أخبر منك، فكِّر ألف مرة في أي استثمار قبل اتخاذ قرارك، لا تستثمر في أي شركة غير مُرخصة من الدولة، وأخيرًا تذكر أنَّه لا توجد أي أدوات استثمارية تُحقِّق لك الثراء السريع دون تعب. وضع هذه القاعدة نصب عينيك: القانون لا يحمي المُغفلين، وسقوط الشركات الوهمية والمشبوهة ليس سوى مسألة وقت وتسقط، وسوف يسجلك التاريخ بأنك أحد الضحايا! فلا تلومن إلّا نفسك.
خلفان الطوقي