يشكل التحريض على الإبادة الجماعية أحد أخطر الانتهاكات للقانون الدولي، حيث تنص اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، والتي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 9 ديسمبر 1948، على ضرورة اتخاذ جميع التدابير لمنع ومعاقبة التحريض العلني والمباشر على ارتكاب الإبادة الجماعية، كما تنص المادة الثالثة من الاتفاقية على أن التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية يعد جريمة يعاقب عليها، بالإضافة إلى ذلك، تفرض المادة الرابعة من الاتفاقية مسؤولية جنائية على الأفراد، سواء كانوا حكوميين أو غير حكوميين، الذين يرتكبون هذه الأفعال.
وفي السياق الحالي، يتضح أن تصريحات العديد من الشخصيات البارزة داخل الكيان الصهيوني، بما في ذلك الصحفيين ورجال الدين والمسؤولين الحكوميين، تدعو إلى التدمير الكامل لغزة وسكانها الفلسطينيين، هذه التصريحات لا تنتهك فقط القانون الدولي، بل تمثل أيضاً تحريضاً صريحاً على ارتكاب أعمال إبادة جماعية، على سبيل المثال، عزرا ياكين، جندي احتياطي في الجيش الصهيوني، نشر مقطع فيديو يدعو فيه إلى قتل العرب وتدمير منازلهم بالكامل، وأيضاً، صرح الحاخام شموئيل إلياهو بأن “عرب غزة يتمتعون بوضع عماليق القانوني، ونحن ملزمون بتنفيذ التزامنا بإبادة عماليق فيما يتعلق بهم”.
تأتي هذه التصريحات في ظل التزامات الكيان الصهيوني القانونية بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، وتدابير محكمة العدل الدولية التي تطالب كيان الاحتلال باتخاذ إجراءات فورية لمنع مثل هذه التصريحات ومعاقبة مرتكبيها، ومع ذلك، يبدو أن الكيان الصهيوني لم يتخذ التدابير اللازمة للرد على هذه التحريضات العلنية، مما يعكس تواطؤاً مقلقاً مع هذه الدعوات.
ووفقاً للمادة السادسة من الاتفاقية، فإن الدول الأطراف ملزمة بتقديم الأشخاص المتهمين بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال المدرجة في المادة الثالثة إلى المحاكمة أمام محاكم مختصة، بالتالي إن عدم اتخاذ الكيان الصهيوني إجراءات فعالة لمحاسبة الأفراد الذين يحرضون على العنف والإبادة الجماعية يمثل انتهاكاً صريحاً لهذه الالتزامات الدولية، بالإضافة إلى ذلك، فإن استمرار هذه التصريحات التحريضية دون عقاب يعزز مناخ العداء والعنف ويزيد من تعقيد الوضع الإنساني في غزة.
من هنا، إن التحريض على الإبادة الجماعية ليس مجرد خطاب كراهية؛ إنه فعل يحمل في طياته دعوة مباشرة للعنف والقتل الجماعي، وهنا يجب على المجتمع الدولي أن يتخذ موقفاً حازماً في مواجهة هذه التصريحات والتحركات، وأن يضمن تقديم الجناة إلى العدالة بموجب القانون الدولي، وإن الصمت أو التهاون أمام هذه الانتهاكات يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة، ليس فقط على السكان المستهدفين، ولكن على استقرار المنطقة ككل.
وفي ضوء هذه التطورات، يتعين على المجتمع الدولي تعزيز آليات المساءلة والضغط على الحكومات للالتزام بتعهداتها بموجب القانون الدولي، وإن حماية حقوق الإنسان ومنع الجرائم الفظيعة مثل الإبادة الجماعية تتطلب التزاماً جماعياً وإرادة سياسية قوية لضمان عدم تكرار مثل هذه الفظائع، لكن فيما يبدو وليس الآن بل منذ احتلال فلسطين لم يكن موجوداً لأنهم شركاء فيما يحدث في غزة وداخل فلسطين.
بالتالي، لقد فشل الكيان الصهيوني في معاقبة ومنع التحريض على الإبادة الجماعية، حيث أدلى أعضاء بارزون في الصحافة الصهيونية ورجال الدين وشخصيات بارزة أخرى بتصريحات علنية تدعو صراحة إلى التدمير الكامل لغزة والفلسطينيين فيها، حيث تعكس هذه التصريحات تعبيرات الإبادة الجماعية على الرغم من التزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية لمنع ومعاقبة التحريض العلني والمباشر على الإبادة الجماعية، وكذلك التدابير المؤقتة التي أصدرتها محكمة العدل الدولية في 26 يناير 2024 والتي تتطلب نفس الشيء، ولم يتخذ الكيان الصهيوني تدابير للرد على العديد من حالات التحريض الصارخة على الإبادة الجماعية داخل مجتمعها.
وفيما يلي بعض الأمثلة على هذا التحريض العلني: فقد قال ديفيد أزولاي، رئيس بلدية المطلة، خلال ظهوره في إحدى محطات الإذاعة “الإسرائيلية”: “يجب أن يكون قطاع غزة بأكمله فارغاً، مسطحاً تماماً كما حدث في أوشفيتز، وليكن متحفاً للعالم أجمع ليرى ما يمكن أن تفعله “إسرائيل: لا ينبغي لأحد أن يقيم في قطاع غزة أمام أعين العالم أجمع، لأن السابع من أكتوبر كان بطريقة ما محرقة ثانية”، وبعد أن أدان متحف أوشفيتز – بيركيناو الحكومي البولندي هذا البيان، أوضح أزولاي لصحيفة “تايمز أوف إسرائيل”: “أود أن أرى سكان غزة يتم نقلهم”.
وفي بيان آخر في أكتوبر 2023، كتب الحاخام شموئيل إلياهو، الحاخام الأكبر لصفد: “إن عرب غزة يتمتعون بوضع عماليق القانوني، ونحن ملزمون بتنفيذ التزامنا بإبادة عماليق فيما يتعلق بهم، ولذلك فإن من الواجب [أمر إلهي] أن نقاتلهم حتى يهلكوا تماماً، ويمنع إجراء أي مفاوضات للسلام معهم، إنهم تجسيد للشر”، كما يواصل الحاخام شموئيل إلياهو الكتابة والتحدث بصفته حاخاماً اعتباراً من أبريل 2024.
بالإضافة إلى ذلك، إن الحاخام إلياهو مالي، رئيس مدرسة شيرات موشيه هسدير الدينية في يافا، أشار بالمثل إلى أوامر دينية بقتل كل فلسطيني في غزة، وقال مالي في خطاب: “القانون الأساسي في الحرب الدينية، وفي هذه الحالة في غزة، هو ‘لا تترك شيئاً حياً’ (تثنية)، وإذا لم تقتلهم، فسوف يقتلونك، المخربون اليوم هم أطفال العملية العسكرية السابقة الذين أبقيتموهم على قيد الحياة والنساء هم من ينتجون المخربين، إما أنت أو هم، لا يمكن لأي نفس أن تعيش على أساس: ‘إذا جاء أحد ليقتلك، قم واقتله أولاً’ (التلمود البابلي)، وهذا لا ينطبق فقط على الصبي البالغ من العمر 14 أو 16 عاماً، أو الرجل البالغ من العمر 20 أو 30 عاماً الذي يوجه مسدسه نحوك، ولكن أيضاً على جيل المستقبل، وهذا ينطبق أيضاً على أولئك الذين ينتجون جيل المستقبل أيضاً، لأنه في الواقع لا يوجد فرق”.
وعندما سئل مالي عما إذا كان موقفه ينطبق على كبار السن في غزة، قال: “هناك فرق بين السكان المدنيين في مكان آخر والسكان المدنيين في غزة، في قطاع غزة، بحسب التقديرات، 95-98% يريدون إبادتنا”، وعندما سئل عن الأطفال، تابع: “إنه نفس الشيء، لا يمكنك تزيين التوراة، اليوم هو طفل، وغداً هو مقاتل، لا توجد أسئلة هنا، كان الإرهابيون اليوم أطفالاً يبلغون من العمر 8 سنوات في العملية العسكرية السابقة، لذا، لا يمكنك التوقف عند هذا الحد، ولذلك فإن الحكم فيما يتعلق بغزة مختلف”.
بالتالي، يعد التحريض على الإبادة الجماعية جريمة خطيرة تتطلب التدخل الدولي والمحاسبة الصارمة، ولكن، عدم اتخاذ أي إجراءات ملموسة من قبل السلطات الصهيونية يعكس تواطؤاً مقلقاً مع هذه التصريحات التحريضية، مما يزيد من تعقيد الوضع ويعزز مناخ العداء والعنف في المنطقة.
مثال آخر على التحريض، عزرا ياكين، جندي احتياطي في الجيش الصهيوني نشر مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي وصل إلى مليوني مشاهدة أرشد فيه الناس قائلاً: “اقضوا عليهم ولا تتركوا أحداً خلفكم، امسحوا الذاكرة منهم، امحوهم وأهلهم وأمهاتهم وأطفالهم، هذه الحيوانات لم تعد قادرة على العيش، يجب على كل يهودي يحمل سلاحاً أن يخرج ويقتلهم، إذا كان لديك جار عربي، لا تنتظر، اذهب إلى منزله وأطلق النار عليه، نريد الاجتياح، ليس كما في السابق، نريد أن ندخل ونهدم ما أمامنا، ونهدم البيوت، ثم نهدم التي بعدها، بكل قواتنا، تدمير كامل، ادخل ودمر، دعهم يسقطون القنابل عليهم ويمحوهم”.
ووفقاً للناقد “الإسرائيلي” حنانيا نفتالي، فقد تم “تجنيد ياكين إلى الاحتياط لرفع الروح المعنوية من خلال التحدث مع الجنود”، تستمر التصريحات التي تحرض على الإبادة الجماعية في التردد في الخطاب العام الصهيوني، بما في ذلك من قبل المشرعين ورجال الدين وأعضاء الجيش وغيرهم من المسؤولين والشخصيات، مع الإفلات من العقاب، وقد أدلى العديد من أعضاء الصحافة “الإسرائيلية” على وجه الخصوص بتصريحات عامة علنية عن الإبادة الجماعية.
كما أعلن يهودا شليزنجر، وهو صحفي إذاعي “إسرائيلي”، خلال مقابلة متلفزة على القناة 12 في 7 أكتوبر 2023، أنه “لا يوجد أبرياء” في غزة، “ليس هناك أبرياء في غزة، وغزة كلها تدعم الإرهاب، غزة كلها ماتت، لقد حان الوقت لجنون المالك”، بالإضافة إلى هذا التصريح، نشر شليزنجر عدة منشورات أخرى على منصة X (تويتر سابقاً) منذ 7 أكتوبر 2023، والتي كررت الادعاء بأنه لا يوجد أبرياء في غزة، بما في ذلك منشور ذكر فيه: “لا يوجد أبرياء في غزة، لا يوجد مواطنون عاديون في غزة، لقد تم تدريب كل شخص بالغ على القتل، كل امرأة وحش، كل طفل يطمح لأن يكون شهيداً، كل طفل سيكبر ليصبح إرهابياً، امسح، اقتل، دمر، دمر”، وذلك أثناء ظهوره على القناة في 21 أبريل 2024.
بالتالي، إن هذا النوع من الخطاب العلني الذي يدعو إلى الإبادة الجماعية يعتبر انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، ولا سيما اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، التي تلزم الدول باتخاذ جميع التدابير لمنع ومعاقبة الأعمال المحرضة على الإبادة الجماعية، على الرغم من التزاماته، لم يتخذ الكيان الصهيوني أي إجراءات ملموسة لردع أو معاقبة هذه التصريحات التحريضية الصادرة من شخصيات بارزة في المجتمع الصهيوني.
بالإضافة إلى ذلك، فإن مثل هذه التصريحات تساهم في تأجيج الكراهية والعنف وتزيد من تفاقم الوضع الإنساني المتدهور في غزة. ويثير استمرار الإفلات من العقاب لأولئك الذين يروجون للخطاب التحريضي تساؤلات جدية حول مدى التزام كيان الاحتلال الصهيوني بتطبيق القوانين الدولية المتعلقة بمنع التحريض على الإبادة الجماعية ومعاقبته، كما أن عدم اتخاذ إجراءات رادعة يعكس تواطؤاً خطيراً ويساهم في خلق مناخ من العداء والعنف المستمر، مما يعرض المدنيين لمخاطر جسيمة ويعوق أي جهود نحو السلام والاستقرار في المنطقة.
من هنا، وفي ظل هذا السياق، يبرز الدور الحاسم للمجتمع الدولي في مساءلة الدول والأفراد الذين ينتهكون المبادئ الأساسية للقانون الدولي وحقوق الإنسان، إذ يجب أن تتضافر الجهود العالمية لضمان تقديم الجناة إلى العدالة ومنع تكرار مثل هذه الأعمال التحريضية، وإن الصمت الدولي أو التهاون في مواجهة هذه الانتهاكات يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة، ليس فقط على المستوى المحلي ولكن أيضاً على الساحة الدولية الأوسع.
بالتالي، إن ما يحدث في قطاع غزة يمثل جريمة خطيرة بحق الإنسانية، تتطلب وقوف القانون الدولي والمجتمع الدولي بحزم ضدها، لأن التحريض العلني على الإبادة الجماعية، كما تجلى في التصريحات الصادرة عن شخصيات بارزة في “إسرائيل”، يشكل انتهاكاً صارخاً للاتفاقيات والمعاهدات الدولية، خاصة اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، هذه الاتفاقية كما أشرنا في جميع المقالات السابقة، تلزم الدول باتخاذ جميع التدابير الممكنة لمنع ومعاقبة الأفعال التحريضية التي يمكن أن تؤدي إلى الإبادة الجماعية، كما تفرض محاسبة الأفراد المتورطين في مثل هذه الأفعال.
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تكون هذه الجرائم محط اهتمام دولي، حيث يتعين على المجتمع الدولي العمل بجدية لضمان تحقيق العدالة وحماية المدنيين في قطاع غزة وأي بقعة في العالم تتعرض لما يتعرض له الشعب الفلسطيني، وذلك من خلال محاسبة المسؤولين عن هذه التصريحات التحريضية، وإلزام الكيان الصهيوني بواجباته القانونية الدولية، يمكن تحقيق خطوة نحو حماية حقوق الإنسان ومنع تصاعد العنف والجرائم ضد الإنسانية.
القانون الدولي يقف بوضوح إلى جانب الضحايا وحقوق الإنسان، ويعتبر التحريض على الإبادة الجماعية جريمة تستوجب أشد العقوبات، ويجب على المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة والمحاكم الدولية، أن يعمل على محاسبة الأفراد الذين يحرضون على الكراهية والعنف، وضمان عدم تكرار مثل هذه الأفعال الفظيعة، بالتالي، إن الوقوف مع غزة في هذه اللحظة الحرجة ليس فقط واجباً أخلاقياً، بل هو أيضاً التزام قانوني يتطلب من الجميع التحرك لوقف هذه الجرائم وحماية الأبرياء من عواقب التحريض على الإبادة الجماعية.
وبالتزامنا جميعاً بالقانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان، يمكننا أن نعمل نحو عالم أكثر عدالة وسلاماً، حيث لا مكان للكراهية والعنف، يجب أن تكون رسالة المجتمع الدولي واضحة: لن يتم التسامح مع التحريض على الإبادة الجماعية، وسيتم محاسبة كل من يسعى إلى ترويج العنف والكراهية.
عبدالعزيز بن بدر القطان/ مستشار قانوني – الكويت.