من أجل تنظيم التبرعات الخيرية وبلورتها بشكل رسمي بعيدًا عن الاستغلال؛ فإن جمع الأموال من الجمهور محظور بدون الحصول على ترخيص، وتأسيسًا وتقنينًا لثقافة التبرعات، تُعد منصة “جود” الرسمية الإلكترونية التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية خطوة متقدمة؛ لتسهيل عملية جمع المساعدات النقدية، وتوجيهها لمستحقيها ولفائدة كافة الجمعيات الخيرية والتطوعية والحالات التي يتوجب مساعدتها وفق الآليات الواضحة والمصرح بها لتسريع عملية المساعدات وتقنينها وفق الحاجة الفعلية والظروف، وتقليلًا للوقت والجهد المطلوب، وضمان إيصال المساعدات للمستفيدين إلكترونيًّا فضلًا عن دعم الجهات ذات العلاقة .
الأمر الذي يبعث على الارتياح لمثل هذه المنصات التي تفتح آفاقًا أوسع للعمل الخيري المنظم، ومن ثم تصفير حالات استغلال حاجات الناس، والمتاجرة فيها وبها فضلًا عن تحجيم الازدواجية في الاستفادة من التبرعات.
بلا شك أن العمل الخيري المنظم أصبح مطلبًا شعبيًّا بعد تزايد حالات العبث في هذا الجانب الاجتماعي الهام، وأهمية الحفاظ على كرامة الإنسان وصون خصوصيته إلى غير ذلك من الأخطاء التي (كانت) تُصاحب عمليات جلب التبرعات عشوائيًّا، فكان لا بد من إيجاد القنوات والمنصات الحكومية المختصة بجمع التبرعات لأي حالات أو جمعيات بشكل آمن، فهذا التوجه أضحى من الضروريات الحضارية الهادفة إلى توجيه التبرعات إلى مكانها الصحيح، والعمل على تعظيم الاستفادة منها بشكل يُعزز من الجهود المبذولة من الجهات الرسمية والأهلية في تخفيف أعباء الحياة عن كاهل شرائح واسعة من أفراد المجتمع هم في أمس الحاجة إلى المعونات، غير أنهم يملكون من معين ترياق التعفف والعفاف قدرًا هائلًا يمنعهم من مد أياديهم إلى الآخرين حتى لو تجاوز بهم الجوع حدود الصبر الأليم .
على ذلك فإن هذه المنصات من شأنها أن تُنظم عمليات التبرع بشكل يكفل حقوق الإنسان، ويحفظ في ذات الوقت كرامته وعزة نفسه، فالمنصة شاملة وكافية ووافية فهناك خانة توضح فيها ظروف الحالة التي أوجبت رفعها للمنصة، وخانة للمبلغ المطلوب سداده، وخانة للمبلغ الذي تم جمعه، ثم المبلغ المتبقي حتى تاريخه، وهناك شريط أفقي يتحرك نحو نقطة الاكتمال مع كل تبرع جديد، ذلك يعني أن كل شخص في إمكانه متابعة الحالة بنفسه في إطار شفافية لا مزيد عليها.
بلا شك أن تدشين منصة جود بشقيها الخاص بالتبرع للجمعيات الخيرية والتطوعية التي تقوم بدور مماثل ومساند لجهود الوزارة في بلورة التبرعات وفق دراسات وبيانات دقيقة عن الحالات المستحقة، وفتح باب التبرع لها من خلال المنصة أو حساباتها المرخصة يُعد إضافة حيوية لهذه الجمعيات التي لها قوائم بأسماء حالات مستحقة للتبرع وفق الدراسات، ووفق المراقبة والمتابعة والتدقيق لأعمالها من جانب الوزارة .
اليوم توجد 21 جمعية خيرية لديها عشرة فروع داخل سلطنة عُمان وعدد أعضائها يُناهز الـ 6.000 عضو حتى نهاية 2022، فهذه الجمعيات تضطلع بدور حيوي في رفد العمل الخيري والإنساني، وكذلك التبرع عبر المنصة للمؤسسات الخيرية البالغ عددها 10 مؤسسات تضطلع بدور جيد في تعزيز الجهود المبذولة في هذا الشأن وفق الأنظمة المعمول بها؛ خاصة قانون الجمعيات الأهلية الصادر بالمرسوم السلطاني السامي رقم 2000/14، ناهيك عن فتح التبرع للفرق الخيرية التي أمسى لها دورًا محوريًّا في الولايات؛ إذ يزيد عددها عن 64 فريقًا خيريًّا تؤدي دورًا مهمًا في رفد العمل الخيري، وتعمل تحت إشراف وزارة التنمية الاجتماعية، ويترأس أصحاب السعادة الولاة لجانها؛ حيث تضم ما يُقارب من 6.000 متطوع، فهذه الجهات والمؤسسات والمنصات تنظم العمل الخيري من خلال التبرع لها من خلال منصة “جود”؛ وبذلك ستسهم في تسهيل التبرع لهذه الجمعيات والمؤسسات والفرق الخيرية .
فاليوم لا مجال للتبرع لأية جهة شخصية أو اعتباربة، إلا عبر هذه القنوات المرخص لها لضمان وصول التبرعات إلى مستحقيها عبر التبرع من خلال كافة البطاقات البنكية الائتمانية والتحويلات بطرق مشفرة وآمنة وبنحو مباشر، بل يمكن الاطلاع على تبرعاتك بدون قيود تمنعك من التبرع للجمعيات والمؤسسات والفرق الأخرى .
في الواقع فإن هذه الجهود وتدشين المنصات الإلكترونية للتبرع تأتي في إطار مواكبة التحولات التقنية الرقمية التي تشهدها البلاد؛ وبهدف توفير قنوات أكثر سهولة وسرعة في عملية التحويل من خلال الموبايل.
بالطبع الجهود المبذولة لتعزيز التبرعات الخيرية ماضية في مساراتها الصحيحة والمرخصة والهادفة إلى توفير المزيد من القنوات للتبرع من الخيرين من أبناء هذا الوطن والمقيمين فيه، وإعمالًا لعظمة أجر الصدقات كما ورد في الآية 10 من سورة المنافقون :
(وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ)
صدق الله العظيم
نأمل أن تُكلل هذه الجهود الخيرة بالنجاح في تحقيق التطلعات، والوصول إلى الغايات في تخفيف الأعباء الحياتية عن شرائح عصامية بالمجتمع تعيش بيننا مرفوعة الهامة، وأن نعمل ما يكفي للنهوض بالعمل الخيري المنظم والمرخص إلى آفاق أرفع وأوسع.
علي بن راشد المطاعني