في سياق القانون الدولي والالتزامات الإنسانية، يتطلب منع الإبادة الجماعية تنفيذ تدابير متعددة الأوجه تستند إلى الاتفاقيات الدولية والأعراف القانونية، يشكل الصراع الصهيوني الفلسطيني، ولا سيما الوضع في غزة، محوراً مهماً في هذا السياق، حيث تتزايد المطالبات باتخاذ إجراءات دولية لوقف ما يُعتبر انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، حيث تقع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية مشتركة لمنع تكرار الفظائع التي شهدها التاريخ، مثل الإبادة الجماعية في رواندا والبوسنة، والتي تشكل أمثلة بارزة على الفشل الدولي في منع الإبادة الجماعية.
وتلزم اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948 الدول الأطراف بمنع الإبادة الجماعية ومعاقبة مرتكبيها، إذ تنص المادة الأولى من هذه الاتفاقية على أن الإبادة الجماعية، سواء ارتُكبت في وقت السلم أو في وقت الحرب، هي جريمة بموجب القانون الدولي، وتتعهد الدول الأطراف بمنعها والمعاقبة عليها، وتتضمن هذه الالتزامات منع الأعمال التي تهدف إلى تدمير جماعة وطنية أو إثنية أو عرقية أو دينية بالكامل أو جزئياً.
وتُعتبر قضية البوسنة والهرسك ضد صربيا والجبل الأسود أمام محكمة العدل الدولية من أبرز الأمثلة على تطبيق هذه الاتفاقية، في هذه القضية، قضت المحكمة بأن جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية (صربيا والجبل الأسود) كانت ملزمة ببذل قصارى جهدها لمنع الإبادة الجماعية التي ارتكبها صرب البوسنة في سريبرينيتسا عام 1995، وجدت المحكمة أن العلاقات السياسية والعسكرية الوثيقة بين يوغوسلافيا وصرب البوسنة كانت تعني أن يوغوسلافيا كان لديها قدرة خاصة على التأثير وكان ينبغي عليها استخدام هذا النفوذ لمنع حدوث الإبادة الجماعية.
وفي سياق غزة، يشمل واجب منع الإبادة الجماعية مجموعة من التدابير المهمة، حيث يجب على الدول ممارسة جميع وسائل الضغط السياسي والدبلوماسي المتاحة لوقف العمليات العسكرية الصهيونية في غزة، إضافة إلى ذلك، يتوجب على الدول فرض عقوبات على انتهاكات اتفاقية الإبادة الجماعية، ويشمل ذلك المساعدة في تحديد المسؤولية الجنائية الفردية عن الجرائم المرتكبة، وتقديم الدعم للتحقيق مع المشتبه بهم أو مقاضاتهم أو تسليمهم للجهات القضائية المختصة. الدول الأطراف في نظام روما الأساسي يجب أن تعمل على تمكين محاكمة المشتبه بهم في المحكمة الجنائية الدولية، والتعاون بحسن نية بين الدول يعد ضرورياً لضمان محاسبة المسؤولين عن الإبادة الجماعية ومنع الإفلات من العقاب.
بالتالي، إن تفعيل الآليات القانونية الدولية ومراقبة تنفيذ العقوبات الدولية هي خطوات حيوية في هذا السياق. إن تعزيز الوعي الدولي وتكثيف الجهود الدبلوماسية والعمل على تطبيق القانون الدولي الإنساني تعد من الوسائل المهمة لتحقيق هذا الهدف. يتطلب منع الإبادة الجماعية تعاوناً دولياً مكثفاً وإرادة سياسية قوية لضمان احترام وحماية حقوق الإنسان وحفظ السلام والأمن الدوليين، ومن خلال هذه الإجراءات المتكاملة، يمكن للمجتمع الدولي أن يفي بالتزاماته القانونية والأخلاقية في منع تكرار الفظائع وحماية الإنسانية.
يختلف واجب منع الإبادة الجماعية وفقاً لقدرة الدولة السياسية على التأثير على الطرف الذي يرتكب الإبادة الجماعية، حيث يتعين على الدول استخدام جميع الوسائل المتاحة لها بشكل معقول لمنع الإبادة الجماعية، بالتالي، إن واجب منع الإبادة الجماعية يختلف بشكل كبير من دولة إلى أخرى ويعتمد على قدرة دولة معينة على التأثير بفعالية على تصرفات الأشخاص الذين يحتمل أن يرتكبوا جريمة الإبادة الجماعية أو يرتكبونها بالفعل، كما أن هناك عدة عوامل يمكن أن تحدد قدرة دولة ثالثة على ممارسة التأثير، بما في ذلك البعد الجغرافي للدولة المعنية عن مسرح الأحداث، وقوة الروابط السياسية فضلاً عن الروابط من جميع الأنواع الأخرى بين الدولتين، إذ يقع على عاتق الدول التي تقدم الدعم العسكري للدولة المرتكبة للجريمة واجب أعلى يتمثل في منع حدوث الإبادة الجماعية.
ففي قضية البوسنة والهرسك ضد صربيا والجبل الأسود، رأت محكمة العدل الدولية أن جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية كان لها تأثير فريد على صرب البوسنة، الذين ارتكبوا أعمال الإبادة الجماعية في سريبرينيتسا، بسبب قوة الروابط السياسية والعسكرية والمالية بين جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية من جهة وجمهورية صربسكا وجيش جمهورية صرب البوسنة من جهة أخرى. أربعة وأربعون بالمائة من الذخيرة التي يستخدمها جيش جمهورية صربسكا موروثة من الجيش اليوغوسلافي السابق، كما واصل الجيش اليوغوسلافي السابق توفير 47 بالمائة من المتطلبات العسكرية لجيش جمهورية صربسكا؛ وقدمت الحكومة اليوغوسلافية ما يكفي من الدعم المالي إلى الحد الذي جعلها، لو سحبت دعمها، تقيد إلى حد كبير الخيارات التي كانت متاحة لسلطات جمهورية صربسكا، ونظراً لهذه الروابط، كان على يوغوسلافيا الالتزام ببذل أقصى ما في وسعها لمحاولة منع ارتكاب الإبادة الجماعية في سريبرينيتسا.
بالتالي، شددت محكمة العدل الدولية أيضاً على أن أفعال التقصير تنتهك واجب المنع بموجب المادة الأولى، وبعبارة أخرى، تنتهك الدولة اتفاقية الإبادة الجماعية إذا فشلت في التصرف بعد أن علمت بخطر انتهاك دولة أخرى لاتفاقية الإبادة الجماعية، وفيما يتعلق بصادرات الأسلحة والمساعدة العسكرية، على وجه الخصوص، يقع على عاتق جميع الدول الأطراف التزام قانوني دولي بممارسة العناية الواجبة، كما تم التأكيد عليه في إعلان منفصل للقاضي كليفلاند في قضية نيكاراغوا ضد ألمانيا.
من هنا، تتطلب الجهود القانونية لمنع الإبادة الجماعية تعاوناً دولياً شاملاً، حيث تتحمل الدول التي لها تأثير سياسي وعسكري على الأطراف المتنازعة مسؤولية مضاعفة لمنع مثل هذه الجرائم، وكذلك تعزيز المراقبة الدولية، فرض العقوبات المناسبة، وتقديم الدعم الإنساني والمساعدات اللازمة هي من بين الخطوات الأساسية التي يجب اتخاذها، إن التزام الدول بمكافحة ومنع الإبادة الجماعية يعكس مسؤولية جماعية لحماية الإنسانية والحفاظ على السلام الدولي، ويجب على كل دولة أن تتبنى موقفاً استباقياً في هذا الشأن لضمان عدم تكرار مثل هذه الفظائع في المستقبل.
وفي هذه القضية، يتضمن واجب منع الإبادة الجماعية في غزة اتخاذ مجموعة من التدابير المهمة، أولاً، يجب على الدول ممارسة جميع وسائل الضغط السياسي والدبلوماسي المتاحة لوقف العمليات العسكرية الصهيونية في غزة، وبالنسبة للدول التي تصدر أسلحة أو معدات عسكرية إلى الكيان الصهيوني، أو تقدم أشكالاً أخرى من المساعدات العسكرية أو اللوجستية التي تساهم في العمليات العسكرية الصهيونية ضد الفلسطينيين في غزة أو تمكّنها، ملزمة بوقف هذه المساعدات فوراً. عدم اتخاذ تدابير لوقف هذه المساعدات يمكن أن يشكل انتهاكاً لالتزامات الدول بموجب المادة الأولى من اتفاقية الإبادة الجماعية.
إضافة إلى ذلك، يتوجب على الدول فرض عقوبات على انتهاكات اتفاقية الإبادة الجماعية، ويشمل ذلك المساعدة في تحديد المسؤولية الجنائية الفردية عن الجرائم المرتكبة، وتقديم الدعم للتحقيق مع المشتبه بهم أو مقاضاتهم أو تسليمهم للجهات القضائية المختصة، كما أن الدول الأطراف في نظام روما الأساسي يجب أن تعمل على تمكين محاكمة المشتبه بهم في المحكمة الجنائية الدولية، أيضاً التعاون بحسن نية بين الدول يعد ضرورياً لضمان محاسبة المسؤولين عن الإبادة الجماعية ومنع الإفلات من العقاب.
بالتالي، يجب أن يكون للدول دور فعال في الضغط الدولي والعمل ضمن الإطار القانوني الدولي لمنع الجرائم ضد الإنسانية، حيث يتطلب ذلك التزاماً قوياً من المجتمع الدولي بالتعاون على جميع المستويات لضمان تنفيذ القوانين الدولية المتعلقة بالإبادة الجماعية وحماية حقوق الإنسان، كما تتحمل الدول التي لها تأثير سياسي أو عسكري على الأطراف المتورطة مسؤولية خاصة لضمان عدم تكرار مثل هذه الجرائم، كما أن تفعيل الآليات القانونية الدولية ومراقبة تنفيذ العقوبات الدولية هي خطوات حيوية في هذا السياق.
بالإضافة إلى ذلك، إن الدور الفاعل للمجتمع الدولي في منع الإبادة الجماعية يستوجب أيضاً تقديم الدعم الإنساني للفئات المتضررة، وتوفير الحماية اللازمة لهم. تعزيز الوعي الدولي وتكثيف الجهود الدبلوماسية والعمل على تطبيق القانون الدولي الإنساني تعد من الوسائل المهمة لتحقيق هذا الهدف، ويتطلب منع الإبادة الجماعية تعاوناً دولياً مكثفاً وإرادة سياسية قوية لضمان احترام وحماية حقوق الإنسان وحفظ السلام والأمن الدوليين.
من هنا، إن عدم احترام القانون الدولي وعدم الامتثال للالتزامات الإنسانية المترتبة عليه يحمل تبعات خطيرة تتجاوز حدود النزاع المحلي. إن الحالة الراهنة في غزة تجسد بوضوح المخاطر والآثار السلبية لعدم التزام الدول بالاتفاقيات الدولية، وخاصة تلك المتعلقة بمنع الإبادة الجماعية وحماية حقوق الإنسان. عندما تُغفل الدول واجباتها القانونية وتتجاهل النداءات الدولية لوقف الأعمال العدائية واحترام حقوق الإنسان، فإنها تفتح الباب أمام تكرار الفظائع في مناطق أخرى من العالم، مما يؤدي إلى زعزعة الاستقرار العالمي وانتشار العنف.
كما أن الصراع في غزة يجب أن يكون جرس إنذار للمجتمع الدولي بأسره، مذكراً بأهمية الالتزام بالقانون الدولي وتفعيل آليات المحاسبة لمنع تكرار المآسي الإنسانية. إن تجاهل التزامات المجتمع الدولي يعزز مناخ الإفلات من العقاب، ويشجع الأطراف المتنازعة على الاستمرار في انتهاك حقوق الإنسان دون خوف من العواقب. لتحقيق السلام العالمي والعدالة، يتعين على الدول التعاون بشكل فعال وتطبيق القانون الدولي بحزم، بما في ذلك فرض العقوبات المناسبة وتقديم المساعدة اللازمة للمحاكم الدولية.
فقط من خلال الالتزام الصارم بالقوانين الدولية والعمل الجماعي يمكننا أن نأمل في منع تكرار الجرائم ضد الإنسانية وحماية الأجيال القادمة من ويلات الحروب والصراعات. إن بناء مستقبل آمن ومستقر يتطلب منا جميعاً أن نلتزم بالقيم الإنسانية المشتركة وأن نحافظ على كرامة الإنسان في كل مكان.
عبدالعزيز بن بدر القطان/ مستشار قانوني – الكويت.