عندما تعجز وسائل الإعلام عن تحريك النِّظام الرَّسمي العربي، وعندما تعجز تلك المشاهد المأساويَّة المؤلمة ودماء الشهداء عن تحريك الدِّماء في النِّظام الرَّسمي العربي فلَمْ يبقَ سوى التذكير بالرسائل الإلهيَّة الَّتي وردت في القرآن الكريم تلك آيات الكِتاب المُبين، فقال تعالى في محكَم كتابه العزيز: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ وقد جاءت الكتب السماويَّة مُحذِّرةً بني «إسرائيل» وجاء القرآن الكريم متمِّمًا لتلك الكتب السماويَّة، وتحدَّث في آيات كثيرة عن بني «إسرائيل». ولعلَّ أجلَّ وأعظمَ الرسائل وردت في سورة الإسراء أو كما تُسمَّى سورة بني «إسرائيل» الَّتي بَيَّنَت باختصار تاريخ بني «إسرائيل» ووجَّهت تحذيرات مفصَّلة منذ بدايَّة وجودهم من بني «إسرائيل» مع نبي الله يعقوب عَلَيْه السَّلام وقصَّة سيِّدنا يوسف مرورًا باضطهاد فرعون لهم في مصر وقصَّة سيِّدنا موسى عندما أرسله الله إلى فرعون وأخيه هارون وإنقاذهم من بطشه، وعبور البحر ثمَّ غرق فرعون والتِّيه أربعين سنَةً في أرض سيناء. وقد بَيَّنَ القرآن الكريم صفاتهم ووقاحتهم وطغيانهم وعبادة العجل، ورفضهم الذَّهاب إلى الأرض المقدَّسة؛ لأنَّ فيها قومًا جبَّارين، فقد كان يسكن أرض فلسطين العرب الكلدانيون والآشوريون ثمَّ ظهر فيهم يوشع بن نون ونهاهم عن شرب ماء النَّهر، ولكنَّهم شربوا مِنْه إلَّا قليلًا، مبَيِّنًا الله عصيانهم المستمر لأنبيائهم ثمَّ أخذهم إلى الأرض المباركة وبقاءهم كجاليَّة يهوديَّة في فلسطين، كما بَيَّنَ الله اضطهاد وتعذيب الأنبياء الَّذين أرسلهم الله، وصولًا إلى نبيِّ الله داؤود عَلَيْه السَّلام الَّذي تمكَّن من قتل جالوت وآتاه الله الحُكم والنبوَّة فاستطاع تشكيل دَولة وكيان سياسي لليهود استمرَّ مع نبيِّ الله سليمان ما يناهز العقد الثامن وبعد موته عَلَيْه السَّلام شتَّتهم الله وأزال كيانهم، وهنا يذكرهم الله سبحانه في مُحكم كتابه العزيز: «وَقَضَيْنَا إلى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا» وقد حدَّث ذلك العلو الأوَّل حيث سلَّط الله عَلَيْهم بختنصر من العراق فدمَّر دَولتهم وساقهم أسْرَى إلى بابل في أسوأ مرحلة تاريخيَّة مرَّت على بني «إسرائيل» وفي هذه المرحلة كتب اليهود كِتاب التلمود الأسود الَّذي يرضعونه أجيالهم المتعاقبة ويلقنونهم سمومه. ثمَّ يكمل الله سبحانه الآيات من سورة الإسراء: «فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أوَّل مرَّة وليتبِّروا ما علوا تتبيرًا» ويأتي هذا البلاغ السماوي كما هو نذيرًا لبني «إسرائيل» هو بشرى لأصحاب الأرض من شَعب فلسطين الَّذين يتعرضون اليوم لأعظم ابتلاء وهو بشرَى صادقة قال تعالى: «إنَّ الله اشترى من المؤمنين أنْفُسهم وأموالهم بأنَّ لهم الجَنَّة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدًا عَلَيْه حقًّا في التوراة والإنجيل والقرآن ومَن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الَّذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم [التوبة]. فهذا المشهد العظيم والابتلاء الكبير وعشرات الآلاف من الشهداء قد بشَّرهم الله بالجَنَّة، وبشَّرهم في سورة الإسراء بنصرٍ مُبِين وفتحٍ قريب ليسوؤوا وجوه الصهاينة، وهو ما يحدُث الآن بعد عشرة أشْهُر من العدوان على قِطاع غزَّة، وما تقدِّمه المقاومة من ملاحم الصمود والصبر تلقِّن بني صهيون الدروس مصداقًا لقوله تعالى في إساءة وجوه بني «إسرائيل» وهذا هو العلوُّ الأخير ووعدُ الآخرة الَّذي بدأ يقترب ويشدُّ الخِناق على هؤلاء الطغاة من الصهاينة الظالمين قتَلَة الأنبياء. فما يحدُث اليوم على أرض فلسطين من قتلٍ ومجازرَ بحقِّ الأبرياء هو بُشرَى للمؤمنين الصابرين، وما تحقَّق في معركة طوفان الأقصى يؤكِّد أنَّ حركة التاريخ تَسير نَحْوَ تحقيق مشروع التحرير ـ بعون الله ـ والله مع الصابرين. ولا شكَّ أنَّ الكيان الصهيوني في هذا الزمان يكمل أواخر عقده الثامن، وكما سقطت دَولتهم الأولى قَبل إكمال العقد الثامن فإنَّ الوعد الإلهي الصَّادق بالنَّصر والتمكين للمؤمنين الصابرين من أبناء فلسطين قد اقترب وما تقدِّمه المقاومة العظيمة الَّتي تصدَّت لأعتى القوى الدوليَّة خلال عشرة أشْهُر يبَيِّنَ أنَّها معزَّزة منصورة بنصر الله يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ وقال تعالى: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُم»ْ صدَق الله العظيم، صدَق وعدَه، ونصرَ عبدَه، وأعزَّ جندَه، وهزمَ الأحزاب وحدَه، الله أكبر ولله العزَّة ولرسوله وللمؤمنين .
خميس بن عبيد القطيطي