التَّاريخ الإسلامي يحمل الكثير من الأحداث العظيمة والعِبَر، فعندما بُعث رسول الله صلَّى الله عَلَيْه وسلَّم في مكَّة كان أوَّل مَن وقف ضدَّ الدَّعوة الإسلاميَّة هُمْ عشيرته وقومه من قريش فناوأوه وناهضوا دعوته، وحاصروه وقومه في شعب أبي طالب، وعندما طلب الرسول مناصرة هذا الدِّين لم يجدْ من قبائل الجزيرة العربيَّة إلَّا الأوس والخزرج وسمَّاهم الرسول الأنصار، وهاجر رسول الله وأصحابه إلى يثرب الَّتي سُمِّيت بعدها المدينة المنوَّرة. ويعُودُ أصول الأوس والخزرج إلى الأزد، والمفارقة أنَّ القضيَّة الفلسطينيَّة قضيَّة المُسلِمين الأولى اليوم تمرُّ بمنعطفٍ تاريخي كبير في ظلِّ العدوان والحصار والقتل الَّذي يتعرض له الأبرياء في قِطاع غزَّة لم يجدوا مَن يناصرُهم سوى أنصار الله في اليمن، وكذلك المقاومة في جنوب لبنان والعراق. وسياق حديثنا عن اليمن ونصرته للأشقَّاء في فلسطين، فرغم ما تعرَّض له اليمن من عدوان أميركي بريطاني لمحاولةِ عزْلِه عن توسيع الصِّراع ومنعِه عن مناصرة الأشقَّاء في فلسطين، لكنَّ اليمن أبَى على نَفْسِه إلَّا أن يواصلَ بَيْعته على نُصرة فلسطين كما بايع أسلافُهم رسولَ الله في بَيْعةِ الرِّضوان. ورغم العدوان الصهيوني الأخير على ميناء الحُديّدة، وهي محاولة يائسة وغبيَّة من قِبل الصهاينة، ردًّا على هجوم الطَّائرة المُسيَّرة «يافا» الَّتي ضربت ما يُسمَّى تل أبيب، لكنَّ الصهاينة لا يعرفون إرادة أهْلِ اليمن أنَّهم ماضون في مناصرة الأشقَّاء حتَّى يتوقفَ العدوان على قِطاع غزَّة وعلى الأقصى ومُدُن الضفَّة الغربيَّة. فلله درّكم أبطال اليمن وأنصار الله الَّذين بايعوا على النُّصرة والانتصار لفلسطين، ولم يكترثوا للعواقب ووقوف قوى العدوان ضدَّهم، ومهاجمة اليمن أكثر من مرَّة. فلا غرابةَ أن نجدَ أنصار الله في نصرة القضيَّة، ولا غرابةَ أن نشاهدَ هذا التَّصميم بشكلٍ أكبر كُلَّما تعرَّضوا للعدوانِ، فقد قال فيهم رسول الله: «أتاكم أهْلُ اليمن، هُمْ أرقُّ أفئدة، وألْيَنُ قلوبًا، الإيمان يمان والحكمة يمانيَّة» وأهْلُ اليمن هُمْ أهْلُ الإيمان والحكمة.
نقولُ لَكُم يا أهْلَنا في اليمن، وبعد أن قلَّ النَّصير لأهْلِنا في غزَّة، وبعد أن تفشَّى العدوان واستفردَ بِهم العدوُّ واستهدف النِّساء والأطفال بمجازر يوميَّة وإبادة جماعيَّة، لم يجدوا في الأرض مَن يُناصرهم سواكم، فاضربوا بني صهيون وصوِّبوا رميَكم في مقتل، فهناك ممَّا يوجع وقد انتقلَ الصِّراع إلى المرحلة الخامسة كما أعلنَ القائد عبدالملك الحوثي في خِطابه الأخير وأشار: نحن لا نحتفظ بالردِّ، بل الردُّ سيكُونُ مقدمًا على طبقٍ من ذهبٍ، لقد فتحتم على أنْفُسِكم باب الجحيم». وهؤلاء الصهاينة المُجرمون يصبُّون وابل حقدهم وغيظهم في أولئك الأبرياء من الأشقَّاء، ونحن نناشدُكم بالله أن تجعلوا ضرباتكم قاتلةً وموجِعة كما هو عدوانهم على أهْلِنا في غزَّة، فالرَّدع لن يأتيَ إلَّا من قِبلكم وبقيَّة قوى المقاومة العربيَّة الإسلاميَّة؛ وذلك عندما تخاذلَ الجميع عن الانتصار لمظلوميَّة غزَّة. هنيئًا لَكُم هذا الشَّرف العظيم، والله معكم وهو ناصرُكم، نصرٌ من الله وفتْحٌ قريب، قال تعالى: «كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ واللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ» وسيعْلَمُ الَّذين ظلموا أيَّ منقلبٍ ينقلبون، الله أكبر ولله العزَّة ولرسولِه وللمؤمنين.
خميس بن عبيد القطيطي