لا شكَّ أنَّ أصعبَ الملفاتِ الَّتي تحاول الحكومةُ معالجتَها حسب الإمكانات هو ملف «الباحثين عن عمل»، وهو يُمثِّل إشكاليَّة وطنيَّة في أغْلَبِ دوَل العالَم، وحالة وطنيَّة عُمانيَّة للأسف أنَّها تتَّسع وتتفاقَم في ظلِّ الحلول الواردة من داخل الصندوق. ولا شكَّ أنَّها قضيَّة وطنيَّة تثقلُ كاهلَ الوطنِ العزيز، وتُحمِّله عبئًا ثقيلًا يتطلب حالة استنفار حكوميَّة، بل وطنيَّة شاملة، ومحاولة للخروج بحلولٍ ناجعة من خارج الصندوق، ومشاركة وطنيَّة فاعلة على شكلِ ندوات حواريَّة انتقائيَّة للمساعدةِ في مواجهةِ هذا الهَمِّ الوطني الثَّقيل.
نعم حاولت وزارة العمل في سلطنةِ عُمان وما زالت تبذُل جهودًا مُضنية في سبيل التَّخفيف من وطأة هذا الحِمل الثقيل، ولكنَّ الأمْرَ يتطلب أن يكُونَ الشّغل الشَّاغل للحكومة عمومًا؛ باعتبار أنَّ هذا الملف يمَسُّ حياة الإنسان والمُجتمع، وقد جُرِّبت حلول مختلفة للمعالجة، ولكنَّها ما زالت تراوح مكانها، إلَّا أنَّ الجهات الرسميَّة ترَى أنَّ هذا الأمْرَ مُحاطٌ بكثيرٍ من التحدِّيات والتَّحديدات العامَّة على مستوى الوطن وحسب الإمكانات المُتاحة، وأنَّ خطَّة المعالجة تَسير قُدُمًا إلى الأمام حسب المُعطيات والإمكانات. وهناك قاعدة بيانات وطنيَّة ومؤشِّرات تتعاملُ معَها الحكومة، لكنَّ الواقع الماثل أمام الرَّأي العامِّ والمُجتمع واقعٌ صعبٌ، ولا بُدَّ من تداركه وإعادة التَّنبيه حَوْلَه، والمطالَبة بالتَّركيز عَلَيْه؛ نظرًا لأنَّ نتائجه خطيرة على الدَّولة والمُجتمع، والدَّولة تدرك مخاطره بشكلٍ تامٍّ.
قانون الحماية الاجتماعيَّة الَّذي صدَر بمرسومٍ سُلطاني ومرَّ على مجلس عُمان وأُشبع بحثًا خلال المرحلة الماضية، وبدأ العمل به مطلع العامِ الجاري، بلا شكٍّ أنَّ هذا القانون يُمثِّل نقلةً وطنيَّة للحياة الاجتماعيَّة في هذا الوطن. ولكن في الحقيقة لا أستطيع فَهْمَ خروجِ فئةِ الباحثين عن عمل من قانون الحماية الاجتماعيَّة، وهي الفئة الأهمُّ في المُجتمع المعوَّل عَلَيْها في بناء الوطن، وهي الباحثة عن بناء حياة اجتماعيَّة كريمة تتطلب الكثير من الاحتياجات الضروريَّة، وخصوصًا في ظلِّ التَّراكمات السَّابقة لملفِّ الباحثين، وهناك أُسرٌ تعيش فعلًا المعاناة رغم الجهود الجادَّة الَّتي تُقدِّمها الحكومة لمختلفِ الفئات، لكنَّها ـ للأسف ـ لا تُلبِّي هذه الفئة الاجتماعيَّة مع كونها الأهم بَيْنَ جميع فئات المُجتمع. وهُنَا نرفعُ نداءنا مُجدَّدًا لإعادةِ النَّظر في تضمينِ فئة الباحثين ضِمْنَ هذا المشروع الوطني الاجتماعي النَّبيل الَّذي تكفَّل بمختلف فئات المُجتمع ضِمْن «قانون الحماية الاجتماعيَّة»؛ لِمَا له من أهميَّة في معالجةِ ملف الباحثين جزئيًّا حتَّى لو تطلَّب الأمْرُ إعادة جدولة تتناسب مع إدراج هذه الفئة، والشَّباب هُمْ ثروة المُجتمع ومن خلال وجودهم ضِمْنَ القانون يُمكِنهم تفعيل وتنمية ما يتوافر لدَيْهم من مستحقَّات ماليَّة بما يعُودُ نفعًا على الاقتصاد الوطني.
ندركُ أنَّ الحكومةَ ووزارةَ العملِ مُلمَّة بكُلِّ تفاصيل هذا الملف، وسبرَتْ أغواره، ولكن كونه يُمثِّل حالة وطنيَّة تتطلب المشاركة والتَّفاعل معها بما يُسهم في معالجةِ هذا الملفِّ، ويُسهم في رُقِيِّ الوطن والمشاركة في إيجاد الحلول.. وفَّقَ الله هذا الوطن العزيز في كُلِّ خير، والحمد لله سلطنة عُمان بها كُلُّ الخير بما يُحيط أبناءها والمقيمين على أرضها. ولا شكَّ أنَّ المواقفَ العُمانيَّة والسياسات العُمانيَّة المرتكزة على القواعد الإنسانيَّة داخليًّا وخارجيًّا ستُؤتي أُكُلَها ولو بعد حين، ونحن على ثقة تامَّة بهذا الوطنِ وقيادتِه الحكيمة، وإيمانٍ عميقٍ بأنَّنا في عُمان نبْعِ الخير ومنارةِ السَّلام، وكما قال عَنْها رسولُ اللهِ صلَّى الله عَلَيْه وسلَّم: «لو أنَّ أهْلَ عُمان أتَيْتَ ما سبُّوك ولا ضربوك» وأثنى عَلَيْها الخلفاء الراشدون، فهي مشمولةٌ بعنايةِ الله.. حفظَ اللهُ عُمان وقائدَها وشَعْبَها.. واللهُ وليُّ التَّوفيق والسَّداد.
خميس القطيطي