الحوار / نيوز
سأتناول الدروس و العِبرْ ذات البعد او الشأن السياسي ، وأراها اهّم من دروس وعِبر الجريمة ذات الشأن العسكري او الأمني .
اغتالت إسرائيل، ليس مقاتلاً في الميدان في غزّة او في جنوب لبنان ،إنما اغتالت مفاوضاً معها للوصول الى صفقة تبادل اسرى ،وقد تكون خطوة نحو سلام مؤقت ، وربما ابعد من سلام مؤقت . غدرت اسرائيل كعادتها ،و ما لبني صهيون من شيمٍ غير الغدرُ ،وهذا هو ديدنهم عبر التاريخ .
الشهيد إسماعيل هنيّة لم يك الاول ،الذي تفاوضت معه إسرائيل عبر وسطاء ،ثّمَ اغتالته. سبقه في هذا المسار ،الشهيد ياسر عرفات ،والذي اغتالته اسرائيل أيضاً ، مع العلم ان ياسر عرفات تفاوض مباشرة مع اسرائيل،وتنازل لها الكثير ، و ندم ، وحين ندمْ طالته
يدُ الغدر . لم تعترف إسرائيل ولن تعترف بإغتيال هنيّة ،مثلما لم تعترف بقتل عرفات .
وهذا هو الدرس الاول ،الذي ينبغي استنتاجه من جريمة الغدر والاغتيال ، و مفاده أن لا ثقة ولا أمان لا مع إسرائيل و لا مع امريكا ،كلاهما ينهلان في سلوكهما وعقيدتهما من مخزون الجريمة والقتل والسادية الذي تزخر به الصهيونية والنازية .
ما اقدمت عليه إسرائيل ليس فقط غدر ، وانما استخفاف بدور الدول التي تتولى الوساطة بين إسرائيل والجناح السياسي لحماس ،من اجل الوصول إلى صفقة تبادل وتهدئة ، استخفاف واستهتار . وهذا دليل آخر سياسي وليس ميدانيا او عسكريا ،على ان الكيان المحتل مُجرد من الاخلاق ،ليس فقط تجاه اعدائه ،و انما تجاه مَنْ يسعون إلى مساعدته في ايجاد حل لأسراه وورطته .
سلوك الكيان اسوأ من سلوك عصابة اجرام و قتل ، ولا يستحق اسم و علم دولة ولها مقعد في الامم المتحدة ، ولا يستحق حتى ادنى مستوى من تعامل مع هذه او تلك الدولة !
الدرس الثاني وهو ذو بعد استراتيجي ،علينا ان نكتب الختام على مساعي وآمال سلام وحل سياسي مع الكيان المحتل المجبول على القتل والغدر والتوسّع .
الصهاينة لا يريدون السلام ،بل العكس يعتقدون ان الحرب والفتن هي ضمانات وجودهم في المنطقة والاسباب التي خُلقوا من أجلها . وهنا أيضاً يلتقون مع العقيدة الأمريكية القائمة على خلق الحروب وفرض الحروب هنا وهناك .
وللعلم ،إسرائيل مُدركة تماماً لهذا الدرس ،وتعاملت مع الفلسطينيين ومع العرب ومع العالم ،وتتعامل اليوم وفقاً لهذا الإدراك ،ألا وهو انها في صراع مستدام ، وصراع وجود مع دول وقوميات المنطقة ،من عرب وفرس وترك .
وتتوسع مساحة المقاومة الفكرية والثقافية والسياسية والعسكرية لوجود اسرائيل في المنطقة ، لم يعدْ الفلسطينيون و لا العرب فقط من يقاومون هذا الوجود ،وانما كل شعوب ودول المنطقة ، في الأمس ايران ،واليوم تنضّمُ تركيا رويدا رويدا حكومة وشعباً .
اقنعتْ إسرائيل ، على ما يبدو ،مرتزقتها ( امريكا ودول الغرب المؤيدة لها ) بأنها في صراع وجود مع دول وشعوب المنطقة ، واصبحت في حلٍّ عن التزامات اخلاقية ودوليه ، وفي عذر مشروع لارتكاب ما يسرّها من خروقات و جرائم واعتداءات هنا وهناك . لذلك رؤساء امريكا و فرنسا و المانيا يصرحّون بين الحين والآخر ، بأنَّ لإسرائيل ” حق الدفاع عن النفس ” ! وكل ما قامت به من جرائم نازية واعتداءات متكرّرة على سيادة الدول ،تصنفّه الدول الديمقراطية تحت باب ” حق الدفاع عن النفس ” .
والدرس الثالث هو للمقاومة الفلسطينة والإسلامية في فلسطين وللمقاومة الإسلامية و الفلسطينية و العربية في جنوب لبنان، أنْ لا تفاوض غير مباشر مع الكيان المحتل ، ولا استقبال وسطاء امريكين ، يحملون رسائل مغلوطة او ملغومة . الجميع في حالة حرب ، ونتائج الحرب هي التي تفرض حالة وشروط التفاوض . إسرائيل في حالة هرج و مرج ، وفي حالة استنزاف عسكري كبير واستنزاف سياسي ،ويوما بعد يوم تتوسع مساحة العداء والرفض لوجودها من شعوب و دول المنطقة ،بل من شعوب العالم .
لاول مرّة ، ومنذ عام ١٩٤٨ ، يصبح مسار الوقت ليس في صالح إسرائيل ،و انما في صالح الشعوب العربية وفي صالح المقاومة لوجود إسرائيل .
اعادة العلاقات التركية -السوريّة ،في اجواء تترسخ فيها كراهية الشعب التركي لإسرائيل . وما قامت به من جرائم نازية ،وتبّنت تصريحات عدائية وعنصرية ازاء تركيا ، ستكون في صالح المقاومة ضّدَ اسرائيل ، وستجعل إسرائيل اكثر هواناً وقلقاً وخوفا .
والدرس الرابع الذي نستنتجه من جريمة الغدر وحيثياتها ،هو ليس فقط انعدام ثقة التعامل مع الكيان المحتل ،و مع حكومته ،وانما انعدام الثقة حتى بالذين يضمنون و يراهنون على صدق وصحة التزامات الكيان ، اما لعدم قدرتهم على دفعه بالالتزام والانصياع ،و إما لتواطؤهم معه حباً به او خوفاً منه او إذعاناً له .
على الوسطاء العرب ،و الذين بذلوا جهداً للوصول إلى حّلْ او هدنة ، وقد اكتشفوا الآن خبث وغدر نتنياهو ،الذي يفاوضهم وفي ذات الوقت يخطط لاغتيال رئيس الوفد المفاوض ، ان يوصدوا أبوابهم بوجه نتنياهو ومبعوثيه ، لخيانته وغدره ،وان يشترطوا ،ان اقتضت ضرورة ،بالتواصل غير المباشر، وهذا اضعف الايمان ،كي يوصلوا رسالة إلى الكيان و إلى امريكا ، والتي تمارس ضغوطاتها على الدول و تدعم ،دون شروط كيانا محتلا متمرّدا على القوانين والسيادة والشرعية الدولية .
السفير الدكتور جواد الهنداوي