تقديم قراءة معمقة من قبل المختصين ورجال الفكر والإعلام والمحللين أمرٌ على غاية من الأهمية، وهذا ما يظهر بوضوح عبر قناة الأستاذ ناصر قنديل الموقر، وكان لي شرف المشاركة للمرة الثانية بتاريخ 15/8/2024م. عبر تقديم قراءة للموقف المتشكل، وهذا يعني الإجابة على تساؤلات قد تراود أذهان الكثيرين، فهل واشنطن تدعم تل أبيب في توحشها وعدوانيتها، أم أنها شريكة وقائدة للحرب المسعورة التي يتصدرها نتنياهو وسموتريتش وبن غفير وغيرهم من العنصريين الصهاينة؟
الإجابة على هذا التساؤل العريض استغرق ربع ساعة من الحديث المركز على الدور الوظيفي للكيان منذ ما قبل إنشائه وحتى اليوم، بما في ذلك انتقال الرعاية من الحضن البريطاني إلى الحضن الأمريكي منذ لحظة الإعلان عن إنشاء الكيان، وهناك العديد من الأفكار والرؤى التحليلية لتقدير الموقف، ومنها:
ــ كل حديث عن إصرار نتنياهو على جر أمريكا للحرب يساعد أمريكا في تحقيق أهدافها من الحرب التي تقودها بصفاقة غير مسبوقة… نتنياهو وبايدن وغيرهما ينفذون ما تقرره الحكومة الخفية التي تقود الجميع.
ــ منذ الإعلان عن تنفيذ هدنة إنسانية قبل نهاية العام الماضي كان بالإمكان التوصل لوقف دائم لإطلاق النار، لكن استمرار حرب الإبادة الجماعية والتهجير القسري هدف أمريكي لإعادة إحكام القبضة والسيطرة على منطقة الشرق الأوسط.
ـــ انتقال الرعاية من الحضن البريطاني إلى الحضن الأمريكي منذ خمسينات القرن الماضي يؤكد أهمية الدور الوظيفي للكيان المؤقت، ففي ذاك الوقت لم تكن الإيباك قد ظهرت بعد /1954/، وأمريكا أول من اعترف بإسرائيل بعد دقائق من إعلان قيامها، وبالتالي النفوذ الإسرائيلي في الداخل الأمريكي لم يكن مؤثراً كما هو اليوم، أي الدعم الأمريكي بخلفيات ودوافع ذاتية أمريكية، وليس بضغط إسرائيلي.
ـــ حضور بايدن وبلينكن وأوستن ورئيس الأركان والاستخبارات والقادة العسكريين إلى تل أبيب منذ 8 تشرين الأول والتأييد والدعم اللامحدود يؤكد أن البيت الأبيض شريك في كل قطرة دم سفكت وكل حجر هدمت، وكل جريمة ارتكبت.
ــ منذ استقبال نتنياهو بالتصفيق المتواصل كان واضحاً أنه رسالة للداخلين الأمريكي والإسرائيلي لوقف تسارع التشظي والانقسام مهما كانت الأسباب والتداعيات بذريعة الدفاع عن أمن الكيان.
ــ القرار باغتيال اسماعيل هنية وفؤاد شكر تم تنفيذه ونتنياهو في واشنطن، أي أنه قرار أمريكي إسرائيلي مشترك، ورفع سقف الخطاب الأمريكي المؤكد انخراط واشنطن في منع الرد على تل أبيب خير دليل.
ــ واشنطن بحاجة إلى تصعيد مضبوط الإيقاع لترميم هيبة الردع التي تآكلت إسرائيلياً وأمريكياً، ووقف التبدل السريع في الرأي العام، فهي تحتاج إلى إفراط أكثر في التوحش واستخدام الطاقة التدميرية لعدة أيام، ومن ثم تظهر بمظهر الضاغط على تل أبيب لفرض وقف إطلاق نار بالشروط الإسرائيلية، واستعادة صورة حامي الديمقراطية والسلام.
ــ التصريحات المبطنة التي كانت تنتقل سريعا في الإعلام عن حتمية الرد من إيران وحزب الله كان ضمن سياق الحرب على الوعي لدفع الطرفين للتسرع في الرد، واستغلال الفرصة لتدمير ما يمكن تدميره من عوامل قوة ومنشآت اقتصادية وحيوية.
ــ محور المقاومة لم ينجر حيث تريد تل أبيب وواشنطن بل أكد على حتمية الرد، وقراءتي الذاتية التأخر في الرد مرده الرئيس تحصين ما يمكن تحصينه لأن الرد على الرد حتمي أيضاً.
ـــ التوتر والاضطراب وزيادة الانقسام في الداخل الإسرائيلي والبقاء في حالة استنفار وتخوف من حجم الرد والمناطق المستهدفة جزء من الرد المؤلم جداً.
ــ الخطأ القاتل الذي ما يزال يصبغ أداء إدارة بايدن وحكومة نتنياهو الانطلاق من كذبة تم تفصيلها وإطلاقها وتسويقها من تل أبيب والمتضمنة أن الحرب قد تستغرق أياماً، فما الضامن؟
ـــ الحديث عن إرسال أعداد كبيرة من طائرات إف22 وحاملة الطائرات لنكولن والغواصة جورجيا والتحشيد غير المسبوق جزء من حرب نفسية للتهويل واستعادة فرض الردع المسبق، وهذا لن يتحقق، فالقوات والقواعد والبوارج الحربية الأمريكية في المنطقة كافية ووافية، وما لم تستطيع هذه القوات تحقيقه لن تستطيع فعله بقية البوارج التي تم الإعلان عن توجهها إلى المنطقة.
ــ إذا كان المقاومون الغزاويون فرضوا معادلة الاشتباك من النقطة صفر فقدوم البوارج والأساطيل يساعد أطراف محور المقاومة على تكرار المعادلة إن لم يكنوا الاشتباك من النقطة صفر، فهو الاشتباك المباشر المضمون، وليس العكس
ــ الحديث عن مساعدة بقيمة 3،5 مليار لترميم العتاد العسكري، والإعلان بالأمس عن الموافقة على تأمين طائرات حربية وقذائف دبابات بمبلغ 20 مليار دولار برهان واضح على حجم الخسائر التي مني بها جيش الاحتلال، مع التذكير بأنه تم تقدير قيمة قذائف دبابات بنحو 774 مليون دولار، والمركبات العسكرية بقيمة 583 مليون دولار.
ــ استبعد التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في اجتماع الخميس غدا
المنطقة أمام فصل جديد من حرب مفتوحة تزداد فيها المقاومة حضورا وفاعلية، وتزداد صفوف الطرف الآخر انقساما، وهذا يبنى عليه الكثير
تصريحات غالانت عن أن نتنياهو هو من يمنع التوصل إلى اتفاق، وعن عبثية النصر المتوهم يشرح اللوحة بأبعادها المختلفة.
د. حسن أحمد حسن