بادئ ذي بدء ، يجب أن نميز بين شرعية إبرام عقد / إتفاق / معاهدة ، وبين مشروعية الوثيقة نفسها .
هناك فارق دقيق ما بين الشرعية legality والمشروعية legitmacy.
يمكن لأي سلطة حكم أن تتقمص الشرعية ، سواء في حالة إغتصاب السلطة أو ما يسمي سلطة الأمر الواقع ، ولكن ليس كل سلطة حكم تمتلك المشروعية .
الشرعية هي الشكل والهيكل والإجراء وهيلمان الحكم ؛
والمشروعية هي الجوهر والموضوع والحالة الدستورية الصحيحة .
قرارات الشرعية الشكلية قابلة للإبطال وفق محددات قانونية حاكمة ؛
قرارات المشروعية محصنة بطبيعتها ، والخضوع لها من النظام العام الذي لا يجوز الإتفاق علي مخالفته .
الشرعية قد تكون قشرة زمنية محدودة ، وطلاء علي جدار أي سلطة ، يتلاشي بمرور الزمن أو بغياب تلك السلطة ؛
المشروعية بناء متماسك يتحدي مرور الزمن ، ولا تخترقه العواصف العابرة ، وإن كانت غير أبدية .
في العلاقات الدولية تتعامل الدول وتتبادل في الغالب علي اساس الشرعية الشكلية الظاهرة apparent formal legality ، إلا أنه طبقا لإتفاقية فيينا لقانون المعاهدات ، تكون الإتفاقيات التي تم توقيعها بالمخالفة للمشروعية non-legitmate لأي طرف ، أو إذا ثبت فساد تفويض المفاوض وفقا للمشروعية المحلية ، أو إذا ثبت فساد المفوض بالتوقيع أو تدليسه أو خضوعه للضغط الذي أفسد إرادته ، فإن تلك الإتفاقيات تكون قابلة للإبطال ، أو باطلة وفقا لكل حالة .
لقد وقع مصطفي النحاس معاهدة 1936 ، ثم قال عندما أراد إلغاءها : ” لقد وقعت المعاهدة من أجل مصر ، ومن أجل مصر اطلب اليوم إلغاؤها ” .
في الحالتين ، كانت لديه شرعية التوقيع ، وشرعية الإلغاء للأسباب القانونية التي ذكرها ، وفي الحالة الأولي اكتسبت المعاهدة مشروعيتها ، وصارت جزء من النظام القانوني المصري ، وفي الحالة الثانية فقدت المعاهدة مشروعيتها ، ولم تعد ترتب إلتزامات علي طرفيها .
معاهدة كامب ديفيد ، ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية ، لا تزال شرعية بحكم إجراءات إبرامها ، ولكن هناك ظلال شديدة من الشك حول استمرار مشروعيتها بعد أن نقضت إسرائيل عديد المواد الحاكمة ، وخاصة تلك التي تناولت شمولية السلام ، والتزام إسرائيل بقرارات الشرعية الدولية الخاصة بالأراضي المحتلة .
في تقدير عدد كبير من رجال الفقه الدولي ، سقطت معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية ، ولم يتبق منها سوي شرعية الأمر الواقع القابل للإبطال .
معصوم مرزوق