لا افهم معني ‘ الصبر الإستراتيجي ‘ ، الذي تكرر مؤخراً علي ألسنة بعض خبراء السياسة المخضرمين ..
إذا كان ما يسمي ‘ صبرا ” هو الصبر الذي تناولته الأديان ، ومنه صبر أيوب وناعسة ، فربنا يعوض علينا عوض الصابرين .
ولكن الغموض يحل عند اقتران مصطلح “إستراتيجي ” مع الصبر ، فذلك علي أفضل
حال خلط لبن سمك تمر هندي ، لمجرد برجلة المتلقي من عامة الناس ، كي يتعللوا بالصبر دواء علي اعتبار أنه علم غويط لا يفهمه إلا حواة الإستراتيجية في الفصائيات العربية .
ولا مانع في هذا المجال ، أن يرشرش المصطلح الجديد ببعض التعبيرات الواسعة التي تناسب مقاس كل عقل all size ، مثل حكم الضرورة ، والتراتيبية الإقليمية ، والمقترب الفعال ..إلخ .
ومن ألطاف الله أن اولئك ” الخبراء” يبشرون في برامج حوارية لا يتابعها أحد ، فلا يمتد أثرها إلا إلي الموجودين في الأستوديو ، الذين لا يزيد حوارهم عن حوار الطرشان ، الذين يتقمصون الجدية والأكاديمية المفرطة ، وربما ارتفعت أصواتهم واختلفوا بشدة ، دون أن يعرف المذيع الذي يدير اللقاء علام يختلفون أو يتفقون ، فهو بدوره يشارك بحماس في “الزيطة الإستراتيجية “.
والناس في عموم القطر صابرة محتسبة ، تدعو في سرها علي من كان السبب في هذه الحفرة الإستراتيجية التي وقعوا فيها ، ولا يهتمون كثيرا بأن يكيفوا ” صبرهم ” ، فسواء أكان صبر إستراتيجي ام صبر أيوب ، فهو صبر مفروض عليهم لا يملكون منه فرارا .
فإذا طلبت ربة البيت مصاريف الشهر ، قال لها زوجها ببلاغة ‘ اصبري صبرا إستراتيجيا’ ، فإذا عاودت السؤال ، شرح لها أن ذلك ” الإستراتيجي ” يعني :” الله جاب ، الله خد ، الله عليه العوض ” ..
وفي الغالب تتكرر قصة المرأة التي ” أكلت ذراع زوجها” في نهاية حوارهما “الإستراتيجي ” .
لقد ارتفع الوعي السياسي في أرجاء القطر ، وفي ذلك لا تنتطح عنزتان ، فأصبحت “السياسة ” نوعاً من المسلسلات التلفزيونية التي لا يعرف الناس سببا في إضاعة وقتهم في متابعتها ، ومن الطريف أن محترفي السياسة المخضرمين يمارسونها بنفس الطريقة ، فيختلط الفهم العام مع الفهم الخاص ، “ويا دار ما دخلك شر “..
وإذا كان الصبر مفتاح الفرج ، فأنه فيما يبدو أن ” الصبر الإستراتيجي ” لا يفتح أي باب ، كما أن ” فرج ” لا يستسيغ هذه المصطلحات المتقعرة التي تستخدم كنوع من المخدرات لتلهية الناس عن همومهم .
وإذا كانت الست ام كلثوم تقول : ” ما تصبرنيش بوعود .. وكلام معسول وعهود
انا ياما صبرت زمان ،على نار وعذاب وهوان .. آهى غلطة ومش ح تعود ..
فأنها تؤكد رغم كل ” صبرها الإستراتيجي” ان للصبر حدود ..وأنه ” ماتصبرنيش ما خلاص ، انا فاض بيه ومليت” ..
معصوم مرزوق