تُعتبر مسألة إعلان الخصوم بالحكم أو القرار من القضايا الجوهرية التي تتعلق بضمان حقوق الأفراد في التقاضي، حيث تلعب دوراً محورياً في تحديد مدى فاعلية الإجراءات القانونية ونجاحها، كما يتطلب القانون الكويتي، كما هو الحال في العديد من الأنظمة القانونية، أن يتم إبلاغ الأطراف بصدور الأحكام بشكل يتماشى مع مبادئ العدالة والإجراءات القانونية السليمة.
وإن عدم وجود إطار زمني محدد لإعلان الخصوم بالحكم قد يؤدي إلى إطالة أمد التقاضي ويحد من إمكانية الطعن الفعال في الأحكام الصادرة، لذلك، يُعتبر من الضروري دراسة الممارسات الحالية وتحديد الحاجة الملحة لوضع قواعد واضحة تلزم المحاكم بإعلان الأطراف بالحكم خلال فترة زمنية محددة. سيساهم هذا التوجه في تعزيز حقوق الأطراف المعنية، وضمان تحقيق العدالة بكفاءة، وتخفيف الأعباء عن النظام القضائي.
فقد حدد قانون المرافعات الكويتي تاريخ بدء ميعاد الطعن في بعض الأحكام بأنه يبدأ من تاريخ صدور الحكم، مثل الطعن في الأحكام والقرارات المتعلقة بعدم اختصاص المحكمة أو إحالة القضية إلى محكمة أخرى أو بوقف الخصومة، ويُحتسب ميعاد الطعن بالنسبة لهذه الأحكام من تاريخ صدور الحكم، وذلك وفقاً لما ورد في المادة (274) من قانون المرافعات، وليس من تاريخ استلام نسخة من الحكم كما هو محدد في المادة 276.
ومن المهم توضيح مفهوم تاريخ صدور الحكم، والذي قد يشير إلى تاريخ النطق بالحكم أو تاريخ تحرير نسخة الحكم والتوقيع عليها، في كل الأحوال، يُفترض أن الخصوم قد حضروا جلسة النطق بالحكم أو أنهم على علم بميعاد الجلسة التي تم النطق فيها، إذا قامت المحكمة بالنطق بالحكم في غياب الخصوم، وثبت عدم علمهم بميعاد الجلسة وعدم حضورهم، فلا يُحتسب ميعاد الطعن في الحكم إلا من تاريخ علمهم بالحكم الذي تم النطق به في غيابهم.
هذا ما قضت به محكمة التمييز في حكمها، حيث أظهرت أن الطاعنة قد نعت على الحكم الاستئنافي أنه تم قبوله بعد انقضاء الميعاد القانوني، مشيرة إلى أن القرار الصادر من المحكمة الابتدائية بإحالة القضية هو قرار غير منه للخصومة يتعلق بالاختصاص، مما يجوز الطعن فيه استقلالاً، في حين أن الطاعنة تقدمت بعريضة استئنافها بعد مرور فترة طويلة من تاريخ صدور الحكم، مما يجعل استئنافها قد أقيم بعد فوات الميعاد القانوني المقرر، وقد وجدت المحكمة أن هذا النعي قد ناقشته محكمة الاستئناف في حكمها وقضت برفضه استناداً إلى أن حكم المادة (274) لا يمكن تطبيقه إلا إذا كانت الإجراءات سليمة وكانت الأطراف على علم بموعد الجلسة.
وبناءً عليه، إذا كان هناك إخلال في إجراءات الإعلان أو إذا غاب الطرفان عن جلسة النطق بالحكم بسبب عدم إبلاغهم بميعاد الجلسة، فلا يُعتبر من العدل أن تُسقط حقوقهم في الطعن نتيجة لذلك، إذ يتطلب القانون ضمان حق الطرفين في المعرفة والتواجد أثناء النطق بالحكم، وبالتالي، فإن تطبيق المادة (274) يجب أن يكون مع مراعاة هذه النقاط لضمان العدالة.
بالتالي، لا يجوز الطعن في الأحكام غير المنهية للخصومة أثناء سير الدعوى إلا بعد صدور الحكم النهائي، وذلك باستثناء بعض الحالات المحددة. وبالرجوع إلى المادة (274) من قانون المرافعات الكويتي، يُسمح بالطعن بشكل مستقل في الأحكام المتعلقة بوقف الخصومة، أو بعدم الاختصاص، أو بالإحالة إلى محكمة أخرى لوجود ارتباط. في هذه الحالات، يجب تقديم الطعن خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدور الحكم. ويتعين على محكمة الاستئناف الفصل في هذه الطعون بشكل مستعجل.
أما بالنسبة للأحكام المستعجلة أو القابلة للتنفيذ الجبري، فيتم الطعن فيها وفق المواعيد المنصوص عليها في القانون، دون الخروج عن القواعد الإجرائية المحددة.
كما يتم تحديد بداية ميعاد الطعن في الأحكام والقرارات استناداً إلى تواريخ محددة في قانون المرافعات. على سبيل المثال، إذا صدر حكم بعدم اختصاص المحكمة، أو بإحالة القضية إلى محكمة أخرى، أو بوقف الخصومة، فإن ميعاد الطعن في هذه الأحوال هو خمسة عشر يوماً من تاريخ صدور الحكم، وذلك وفقاً للمادة (274) من قانون المرافعات، وبالمثل، في القرارات الصادرة في منازعات التنفيذ، يُحتسب ميعاد الطعن لمدة خمسة عشر يوماً تبدأ من تاريخ صدور الحكم كما هو منصوص عليه في المادة (501) من القانون، أما القرارات المتعلقة بالمسائل المستعجلة، فإن ميعاد الطعن فيها هو ثمانية أيام تبدأ من تاريخ النطق بالحكم، وفقاً للمادة (243)، وفيما يتعلق بالأحكام الموضوعية، فإن ميعاد الطعن هو ستون يوماً من تاريخ استلام المحكوم عليه لنسخة من الحكم أو إعلانه بها إعلاناً صحيحاً، كما هو منصوص عليه في المادة (276) من القانون.
بالإضافة إلى ذلك، هناك خلاف بين الفقهاء حول المقصود بمصطلح “تاريخ صدور الحكم”، حيث يرى بعض الفقهاء أن تاريخ صدور الحكم هو تاريخ النطق به في الجلسة العلنية، حيث يتم تلاوة الحكم من مسودة الحكم وإعلان القرار بشكل رسمي، بالتالي، عند إعداد النسخة المكتوبة من الحكم، يُعتبر تاريخ النطق هو تاريخ صدور الحكم، من جهة أخرى، يرى فريق آخر من الفقهاء أن المقصود بتاريخ صدور الحكم هو تاريخ تحرير النسخة المكتوبة من الحكم، وتوقيعها من القاضي، وختمها بختم المحكمة، هذا الرأي الأخير يعتبر الأكثر دقة، لأن قانون المرافعات الكويتي يستخدم مصطلح “تاريخ صدور الحكم” في بعض الحالات، بينما يستخدم مصطلح “تاريخ النطق بالحكم” في حالات أخرى، مثل القرارات المتعلقة بمنازعات التنفيذ.
أيضاً تناولت الأحكام الصادرة في الكويت مسألة اتصال علم الخصوم بصدور الحكم بعدم اختصاص المحكمة بشكل مفصل، إذ يُعتبر العلم بصدور الحكم من الشروط الأساسية التي تتيح للخصوم الحق في الطعن. ففي حالة عدم علم الخصوم بجلسة النطق بالحكم، أو بمضمون الحكم الصادر، لا يمكن حرمانهم من حق الطعن، يجب أن يكون قد تم تسليمهم نسخ من الحكم أو الإعلان عنه بشكل رسمي.
أما الحكم الابتدائي يجب أن يتضمن إشعار الأطراف بصدور الحكم، إما عن طريق تسليم نسخ من الحكم لهم أو من خلال إعلانهم به بصورة قانونية. إن عدم إثبات قيام محكمة الدرجة الأولى بتسليم النسخ أو إبلاغ الأطراف بالحكم يجعل الحكم الذي أصدرته تلك المحكمة غير قابل للاحتجاج به، وبالتالي، فإن الحق في الطعن يبقى محفوظاً للخصوم، لأن الحكم لم يصل إليهم بطرق صحيحة.
وتتعدد وسائل اتصال علم الخصوم بالحكم، وتتمثل في حضورهم لجلسة النطق بالحكم، واستلامهم نسخاً من الحكم، أو من خلال إعلانهم بشكل رسمي، إذا لم تتحقق أي من هذه الوسائل، يُعتبر الحكم غير مُبلغ للخصوم، مما يحق لهم الطعن فيه.
ويتضح من خلال القضية التي تم تناولها في الحكم محل التعليق أن هناك ضرورة ملحة لتحديد مدة زمنية محددة لإعلان الخصوم بنسخ الحكم أو القرار، فقد قدم المطعون ضده الطعن في الحكم الابتدائي بعد انقضاء 700 يوم من تاريخ صدوره، وهي فترة طويلة جداً تؤثر سلباً على سير العدالة.
الحكم أظهر نقاط الضعف في المادتين (274 و276) من قانون المرافعات، حيث لم تتضمن أي نصوص تلزم المحكمة المصدرة للحكم بإخطار الأطراف المعنية بالحكم خلال مدة معينة، وهذا النقص قد يؤدي إلى تأخير بدء سريان ميعاد الطعن ويعزز من أسباب إطالة إجراءات التقاضي.
من هنا، إن تحديد فترة زمنية لإعلان الحكم يعد أمراً ضرورياً، خاصة في الحالات التي لا يكون فيها الخصم حاضراً في جلسة النطق بالحكم، أو عندما لا يعلم بتفاصيل الجلسة التي صدر فيها الحكم، وضع إطار زمني واضح سيعزز من حقوق الأطراف ويضمن بدء ميعاد الطعن بشكل منتظم، مما يسهم في تسريع إجراءات التقاضي وتحقيق العدالة بكفاءة.
أخيراً، إن تحديد مدة زمنية لإعلان الخصوم بنسخ الحكم أو القرار يعد ضرورة ملحة لضمان سير العدالة بشكل فعّال. إن التحديات التي تبرز عند عدم وجود نصوص قانونية تلزم المحاكم بإبلاغ الأطراف بالحكم ضمن فترة معينة تؤكد الحاجة إلى تطوير الإطار القانوني لضمان حقوق الأفراد في التقاضي. وضع مثل هذه القواعد سيساهم في تسريع الإجراءات القضائية، وتقليل فرص التأخير غير المبرر، وتعزيز مبدأ الشفافية في العمليات القضائية. لذا، يُعتبر من الأهمية بمكان أن يسعى المشرع إلى تحديث قانون المرافعات بما يتضمن نصوصاً واضحة تلزم المحاكم بإعلان الأحكام في أوقات محددة، مما يحقق التوازن بين حقوق الخصوم ويعزز من فعالية النظام القضائي بشكل عام.
عبد العزيز بن بدر القطان / مستشار قانوني – الكويت.