تنويه : (المقال كتب قبل
الضربة الايرانية)
منذُ بداية معركة طوفان الأقصى في السَّابع من أكتوبر 2023م، وما تلاه حتَّى اللَّحظة الرَّاهنة، والمواجهة قائمة مع العدوِّ الصهيوني من عدَّة اتِّجاهات لقوى المقاوَمة الَّتي تعمل وفقَ استراتيجيَّة معركة استنزاف العدوِّ ومَن يقفُ خلْفَه، وهي ـ بلا شكٍّ ـ استراتيجيَّة لهَا ثمارها، ولهَا مرجعيَّة تاريخيَّة في إطار الصِّراع العربي ـ الصهيوني، وقد أثبتَتْ جدواها خلال السَّنوات الثَّلاث لحربِ الاستنزاف منذُ عام 1967م حتَّى 1970م، ولكنَّ المواجهةَ الرَّاهنة مع العدوِّ الصهيوني كلفتُها البَشَريَّة والمادِّيَّة على الجانب العربي تتفاقم. ورغم ما يُميِّز محور المقاوَمة من ثباتٍ وبُعد نَظَر في المواجهة، على عكسِ الجانب الصهيوني الَّذي اتَّسم وضعُه بالتَّهوُّر والاندفاع، وعدم وجود خطَّة واضحة، وعدم تحقيق نجاحات نَوْعيَّة في تحقيق أهداف العدوان، وذلك مع الدَّعم الهائل وغير المحدود من قِبل بعض القوى الدوليَّة، وعلى رأسها الولايات المُتَّحدة الَّتي تقفُ على خطِّ المواجهة، مؤكِّدةً التزامها بأمْنِ ما يُسمَّى (إسرائيل).
التَّمادي الصهيوني في المواجهة القائمة ضدَّ محور المقاوَمة تجاوزَ كُلَّ الخطوط عِندما استهدفَ قيادات سياسيَّة، مِنْها رئيس المكتب السِّياسي لحركة حماس في عاصمة دَولة ثالثة (إيران)، ضاربًا بعُرض الحائط كُلَّ المواثيق والأعراف الدّوليَّة سبَقَه ضربُ القنصليَّة الإيرانيَّة في سوريا واغتيال قيادات عسكريَّة، واستباحة الأراضي السوريَّة بشكلٍ مستمرٍّ، يضاف إلى عددٍ كبير من الاغتيالات سبَقَ تنفيذها عن سبقِ إصرار وترصُّد، مِنْها اغتيال قاسم سليماني والمهندس وعددٍ من العُلماء في إيران، مِنْهم آية الله مطهري وبعض قيادات الحرس الثَّوري في سوريا ولبنان، وأخيرًا تنفيذ عددٍ من الاغتيالات المؤثِّرة والَّتي طالت قياداتٍ بارزةً لدَى حزب الله بدءًا بفؤاد شكر قائد العمليَّات في الحزب وخليفته إبراهيم قبيسي ومعركة (البياجر)، وآخر وأبرز اغتيال استهداف طال سماحة السَّيد حسن نصرالله الأمين العامَّ لحزب الله.. وكُلُّ هذه الاغتيالات رغم أنَّها لم تُقلِّل من مستوَى المقاوَمة والمواجهة مع العدوِّ، بل صعَّدتِ الموقفَ ولم تتوقفْ حركة النِّضال لدَى محور المقاوَمة. وهكذا هو الحال منذُ اغتيال القيادات الأولى من الرَّعيل الأوَّل مِثل مؤسِّس حركة حماس الشَّيخ أحمد ياسين، إضافةً إلى قائمة كبيرة من القيادات لا يتَّسع المجال لذِكْرها. وهُنَا يتكرَّر دائمًا السُّؤال: ماذا جنَى العدوُّ من خلال تلك الاغتيالات؟! هل توقَّفت عجلة المقاوَمة؟ أم تصاعدَتْ وتيرتها؟!
العدوُّ الصهيوني أسقطَ بالفعل عددًا من القيادات المُهمَّة، وعاثَ في قِطاع غزَّة الفساد والدَّمار، فوصلَ عددُ الشُّهداء من المَدَنيِّين الأبرياء أكثر من (41) ألفَ شهيدٍ وعدَّة آلاف تحت الأنقاض والرُّكام، وما يناهز مئةَ ألفِ مُصابٍ، مع دمارٍ هائل في القِطاع، وتجاهلَ كُلَّ النِّداءات والقرارات الدّوليَّة ولم يكترثْ للمُجتمع الدّولي قاطبةً، بل واصلَ عدوانه الهمجي يضربُ في كُلِّ اتِّجاه مِثل القطِّ المحاصَر. وبالفعل هو محاصَر من قِبل محور المقاوَمة. ولكن يتجلَّى سؤال آخر أكثر أهميَّة وهو: هل هذه الضَّربات المُوَجَّهة من قِبل محور المقاوَمة تتماثل في التَّأثير مع ضربات العدوِّ الصهيوني؟!
أعتقدُ أنَّ تأثير ضربات محور المقاوَمة رغم شدَّة تأثيرها المادِّي والمعنوي على الكيان الصهيوني، لكنَّها لا تتوازَى مع حجمِ الدَّمار الهائل والاغتيالات الَّتي نفَّذها الكيان المُجرِم، وما زال يتغوَّل في هجمتِه البربريَّة على الضفَّة والقِطاع وجنوب لبنان. صحيح أنَّه لم يحقِّقْ أهداف العدوان الَّتي حدَّدها منذُ بداية العدوان فيما يتعلق بإعادة الأسرَى وإنهاء قدرات فصائل المقاوَمة في فلسطين، أو وقفِ انطلاقِ الصَّواريخ والكمائن، لكن مع ذلك فإنَّ حجمَ التَّأثير على الأرض بَيْنَ الجانبَيْنِ لا يُقارن نظرًا للتَّفوُّق الصهيوني والإسناد المادِّي الهائل الَّذي يتلقَّاه بشكلٍ مستمرٍّ. وبالتَّالي يبرزُ سؤال آخر وأخير: هل استمرار المعركة بهذه الوتيرة يُحقِّق أهداف محور المقاوَمة، ويُرغِم الكيان الصهيوني على وقفِ إطلاق النَّار؟ أم يجعل الكيان الغاصب يستكمل عدوانه وإبادته للأبرياء في اتِّجاهات دوائر المقاوَمة؟!!
أعتقدُ أنَّ الوضعَ الحاليّ للمواجهةِ ورغمَ ثبات موقف محور المقاوَمة وحقيقة الاستنزاف والإنهاك على الصَّهاينة، وعدم تحقيق أهداف العدوان، لكنَّه بالمقابل يفسح المجال لاستمرارِ الإبادة والعدوان والتَّمادي على الحقوق الإنسانيَّة والمبادئ الدّوليَّة، وعدم انصياع الصهيوني لأيِّ رادع، ولن يتوقَّفَ إلَّا بضرباتٍ نَوْعيَّةٍ رادعة يُمكِن أن تكُونَ نقطة الرَّدع النَّوْعي لهذا الكيان لِيقفَ أمام حقيقة جليَّة واضحة تُلزم الكيان بالانصياع لمفاوضاتِ وقفِ إطلاق النَّار على مختلف الجبهات والتَّسليم بالهزيمة، وبالمقابل تحقّق معادلة الرَّدع بعد هذه المعركة الَّتي أكملتِ الآن سنَةً كاملة.
وهذا لن يتأتَّى لمحور المقاوَمة من خلال حالة الصَّبر الاستراتيجي الَّذي جعلَ محور المقاومة يتلقَّى المزيد من الضَّربات، وسيتلقَّى مزيدًا من الاغتيالات والهجمات الشَّرسة. وعلى المحور انتظار الزَّمن حتَّى يصلَ الوسطاء إلى صيغة معيَّنة تضعُ حدًّا لهذا العدوان الهمجي وبالتَّالي أعتقدُ أنَّ التَّحوُّل من حالة الصَّبر الاستراتيجي إلى الضَّربات الاستراتيجيَّة الَّتي تُشكِّل معادلةَ الرَّدع وهي الكفيلة بلجمِ هذا الطَّاغوت قَبل أن يستكملَ هجماتِه على قوى المحور، ولا يستبعد أن يطولَ في المرَّات القادمة الخطوط الحمراء الأكثر خطورةً على قوى المحور.. وهُنَا يأتي دَوْر أبرز قوى المحور (إيران) لتقديرِ الموقف بشكلٍ عامٍّ وفقًا لهذه الحالة قَبل أن تتزايدَ التَّكاليف وقد أدركَ الصهيوني هذه الحقيقة وهذه الحالة السَّائدة والآن يقتطف ثمارها، فهل يُوضَع حدٌّ قَبل فواتِ الأوان؟!
خميس بن عبيد القطيطي