تعتبر المساءلة القانونية من الموضوعات الأساسية التي تحظى بأهمية كبيرة في النظام القانوني الكويتي، إذ تشكل ضمانة لحماية حقوق الأفراد وتعزيز العدالة داخل المؤسسات، في هذا السياق، يتناول هذا المقال الحالة القانونية المتعلقة بالعامل المتهم بخيانة الأمانة، حيث يتجلى مبدأ استقلال المساءلة الإدارية عن المساءلة الجزائية والمدنية.
إن فشل صاحب العمل في اتخاذ الإجراءات التأديبية اللازمة قبل إحالة القضية إلى النيابة العامة يُبرز أهمية الالتزام بالمبادئ الأساسية في قانون العمل الكويتي، التي تفرض ضرورة حماية نزاهة العمل وسلوك العمال، ومن خلال تحليل هذه الحالة، سنستعرض الأبعاد القانونية المتعلقة بمسؤولية الأطراف المختلفة وكيفية تأثير ذلك على فعالية النظام الإداري والجزائي، مما يعكس أهمية اتخاذ خطوات متزامنة ومتكاملة لضمان تحقيق العدالة.
ويواجه بعض العمال في الكويت اتهامات جنائية من قبيل خيانة الأمانة أو الاختلاس أو السرقة أثناء تأديتهم لعملهم، مما يستدعي إحالتهم إلى جهات الضبط والتحقيق الجنائي، وفي هذه الحالات، تقوم النيابة العامة بإحالة العمال المتهمين إلى المحاكمة الجنائية أمام القاضي الجزائي، ووفقاً للقانون الكويتي، يتوجب على صاحب العمل دفع 50% على الأقل من الأجر الأساسي للعامل المتهم خلال فترة التحقيق والمحاكمة، ويستمر هذا الالتزام حتى صدور حكم نهائي في القضية، وإذا صدر حكم بإدانة العامل، فإنه يكون ملزماً بإعادة المبالغ التي تقاضاها خلال تلك الفترة، بينما إذا تمت تبرئته، يتعين على صاحب العمل دفع الفارق.
ومن المهم أيضاً الإشارة إلى أنه لا يجوز لصاحب العمل فصل العامل المحتجز على ذمة القضية، إلا في حالة صدور حكم نهائي يدينه بجريمة مخلة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة، وفقاً لما نصت عليه المادة (35) من قانون العمل، وهذا ما أكده الحكم الصادر في إحدى الدعاوى الذي أقر بأن سلطة صاحب العمل في إنهاء عقد العمل ليست مطلقة، بل مقيدة بشروط معينة، مما يضمن حقوق العمال حتى في ظل التهم الجنائية، هذا التوازن بين حقوق العمال وواجبات أصحاب العمل يعكس حرص المشرع الكويتي على حماية حقوق كل الأطراف المعنية.
كما يعتبر فصل العامل أثناء المحاكمة الجنائية موضوعاً حساساً في إطار القانون الكويتي، حيث يتعين على صاحب العمل مراعاة حقوق العامل المتهم وفقاً للقوانين المعمول بها، ففي حال اتهام العامل بارتكاب جريمة تتعلق بعمله، مثل الاختلاس أو خيانة الأمانة، فإن إجراءات الضبط والتحقيق تُناط بسلطات الضبط الجنائي، مثل المباحث الجنائية وأقسام الشرطة، بعد إجراء التحقيق، تقوم النيابة العامة بإحالة القضية إلى القاضي الجزائي، حيث يحق لصاحب العمل رفع دعوى مدنية تبعية للمطالبة باسترداد الأموال المختلسة.
أما إذا أقرت المحكمة بالإدانة، فإن الحكم الابتدائي يكون قابلاً للاستئناف، مما قد يطيل أمد القضية لفترات قد تمتد لعشر سنوات أو أكثر، وخلال هذه الفترة، يتوجب على صاحب العمل دفع 50% من أجر العامل وفقاً للمادة (59) من قانون العمل، مما يعكس حرص المشرع على حماية حقوق العمال وضمان عدم تعرضهم للفصل التعسفي أثناء فترة التحقيق أو المحاكمة، إن عدم الالتزام بهذه الأحكام قد يعرض صاحب العمل للمساءلة القانونية، مما يستدعي ضرورة التوازن بين حقوق صاحب العمل وحقوق العامل في هذه الحالات.
ويتناول موضوع فصل العامل المتهم أثناء ضبطه والتحقيق معه ومحاكمته جوانب قانونية مهمة في إطار قانون العمل الكويتي، ووفقاً للمادة (37) من قانون العمل، يُقيد حق صاحب العمل في فصل العامل بحالات معينة، حيث لا يجوز له إنهاء عقد العمل أثناء وجود نزاع بين الطرفين أو في حالة احتجاز العامل بسبب عمله، حتى يتم البت في القضية بشكل نهائي، وبالتالي، إذا كان العامل محبوساً على ذمة قضية جنائية متعلقة بعمله، مثل خيانة الأمانة أو الاختلاس، فإنه لا يمكن لصاحب العمل فصله في تلك الأثناء، مما يعكس أهمية حماية حقوق العمال وضمان عدم التعسف في استخدام سلطات الفصل.
ومع ذلك، يحق لصاحب العمل فصل العامل إذا صدر حكم قضائي بات بإدانته في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة، بغض النظر عما إذا كانت الجريمة متعلقة بالعمل أم لا، وتُعتبر هذه النقطة جوهرية، حيث تُظهر أن المشرع قد منح صاحب العمل الحق في اتخاذ إجراءات فورية بعد صدور حكم بالإدانة، مما يضمن سلامة بيئة العمل وحماية مصالح الشركة، بالتالي، وبالنظر إلى هذه المعطيات، يتضح أن هناك ضرورة لتوازن دقيق بين حقوق العامل وحماية صاحب العمل، مع مراعاة الإجراءات القانونية المقررة لضمان العدالة لكلا الطرفين.
كما تتناول المادة (59) من قانون العمل الكويتي مسألة أجور العمال الموقوفين عن العمل بسبب قضايا تتعلق بالعمل، حيث تنص على استحقاق العامل لأجره الكامل خلال فترة التوقيف، شريطة ألا يقل ما يدفع له عن 50% من أجره الأساسي، وبذلك، يكون القانون قد وضع إطاراً يحمي حقوق العمال في حالات التوقيف، مما يتيح لهم الحصول على جزء من مستحقاتهم المالية أثناء فترة التحقيق، وفي حال صدور حكم ببراءة العامل، يستحق الحصول على الجزء المتبقي من الأجر، مما يعكس الحرص على عدم الإضرار به في حالة عدم ثبوت التهمة.
من جهة أخرى، في حال صدور حكم بات بإدانة العامل، يُلزم بإعادة المبلغ الذي تم صرفه له خلال فترة التوقيف، مما يضمن عدم استغلال الأوضاع القانونية لصالح العامل في حالة الإدانة، هذه الأحكام تعكس توازنًا بين حماية حقوق العمال وضمان حقوق أصحاب العمل، مما يعزز من استقرار بيئة العمل في الكويت.
كما أن فصل صاحب العمل للعامل المتهم أثناء التحقيق أو المحاكمة قبل صدور حكم نهائي بإدانته يعد تصرفاً تعسفياً وفقاً لأحكام قانون العمل الكويتي، إذ يحق للعامل المطالبة بتعويض لا يزيد عن أجر ستة أشهر في حال حدوث فصل تعسفي، وذلك وفقاً للمادة (39) من القانون المذكور، كما يُلاحظ أن بعض أصحاب الأعمال قد يفضلون اتخاذ قرار بالفصل في حالات معينة، خاصةً إذا كانت التهمة واضحة وثابتة، حيث يبدو لهم أن تحمل تعويض الفصل، رغم كونه أقل من الاستمرار في دفع 50% من أجر العامل المتهم، هو الخيار الأكثر جدوى.
هذا الوضع يثير تساؤلات قانونية حول مدى حماية العمال وحقوقهم في ظل الظروف القانونية المعقدة، مما يستدعي ضرورة مراجعة سياسات الفصل والتعويض لضمان تحقيق التوازن بين حقوق العامل واحتياجات صاحب العمل، وضمان تحقيق العدالة في تطبيق النصوص القانونية.
ويتضح من خلال التطبيقات القانونية المتعلقة بوقف الدعاوى العمالية في الكويت أن هناك مبدأً ينص على استقلال المساءلة الجزائية عن المساءلة المدنية والإدارية، فعند ارتكاب العامل لجريمة تتعلق بالعمل، فإنه يتحمل المسؤولية الجزائية وفقاً لقانون الجرائم والعقوبات، ويكون أيضاً مسؤولاً إدارياً عن أي إخلال بواجباته، في هذا الصدد، يمكن للجهة العمل أن ترفع دعوى مدنية للمطالبة بالتعويض عن الأضرار الناجمة عن فعل العامل.
ومع ذلك، يُشير الحكم القضائي المتعلق بهذا الموضوع إلى وجوب وقف الدعوى العمالية حتى يتم الفصل في الدعوى الجزائية المقامة ضد العامل، وهذا يعتمد على ما نصت عليه المادة (44) من قانون الإجراءات، التي تؤكد على ضرورة تعليق الدعوى المدنية في حال وجود دعوى جزائية، مما يعني أن نتيجة الدعوى الجزائية تؤثر بشكل مباشر على مصير الدعوى العمالية، حيث إذا تمت إدانة العامل، فإنه لن يكون له الحق في المطالبات المتعلقة بالتعويض، بينما في حالة البراءة، يصبح له الحق في المطالبات.
لذا، فإن الحكم الذي يقضي بوقف الإجراءات العمالية حتى الفصل في الدعوى الجزائية يعد حكماً سليماً ويعكس التوجه القانوني الذي يسعى للحفاظ على العدالة والتوازن بين حقوق الأطراف المعنية.
كما يتضح من خلال تحليل الحالة القانونية المتعلقة بالعامل المتهم بخيانة الأمانة أن هناك مبدأً مهماً في القانون الكويتي يتمثل في استقلال المساءلة الإدارية عن المساءلة الجزائية والمدنية، ففي هذه الحالة، لم تقم الجهة التي يعمل بها العامل بإجراء تحقيق إداري أو اتخاذ أي إجراءات تأديبية ضده قبل إحالة القضية إلى النيابة العامة، إن هذا الإجراء يعد تناقضاً مع المبادئ الأساسية في قانون العمل الكويتي، حيث يتوجب على صاحب العمل اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية نزاهة العمل وسلوك العمال.
كما يجب أن يُعتبر ارتكاب العامل لجريمة داخل مقر العمل أو أثناء أداء الواجبات الوظيفية بمثابة مخالفة إدارية تستوجب المساءلة، إضافة إلى كونه جريمة جنائية تتطلب المحاكمة أمام الجهات المختصة، حيث يهدف النظام الإداري إلى تعزيز الأخلاق والنظام داخل بيئة العمل، وبالتالي فإن عدم اتخاذ الإجراءات الإدارية المناسبة قبل إحالة العامل إلى النيابة العامة قد يُعتبر إخلالاً بالواجبات القانونية.
لذا، فإن استقلال المساءلة الإدارية عن الجزائية يعني أنه يجب على كل من الجهات الإدارية والجزائية القيام بدورها المنوط بها، مما يعزز من مبدأ العدالة وكفاءة العمل في المؤسسات، ويعكس أهمية اتخاذ خطوات متزامنة ومتكاملة عند وقوع الأفعال المخالفة.
وفي ختام هذا الموضوع، يتضح أن المساءلة القانونية للعامل المتهم بخيانة الأمانة تعد من القضايا الحساسة التي تتطلب توازناً دقيقاً بين حماية حقوق الأفراد وضرورة ضمان نزاهة العمل، إن الالتزام بالمبادئ القانونية الأساسية، مثل فصل المساءلة الإدارية عن الجزائية، يمثل ضمانة حقيقية لتحقيق العدالة وحماية حقوق العمال وأصحاب العمل على حد سواء.
كما أن ضرورة اتخاذ صاحب العمل للإجراءات التأديبية المناسبة قبل إحالة القضية إلى النيابة العامة تعكس أهمية الالتزام بإجراءات قانونية واضحة وشفافة، لذا، فإن تعزيز الوعي القانوني لدى جميع الأطراف المعنية، بالإضافة إلى تطوير إطار عمل مرن وفعّال، يعد أمراً ضرورياً لضمان تحقيق العدالة وتعزيز الثقة في النظام القانوني، وإن تحقيق العدالة لا يتوقف عند حدود الالتزام بالقانون، بل يتطلب أيضاً ثقافة مؤسسية تضمن احترام الحقوق وتعزز من بيئة العمل الآمنة والمستقرة.
عبد العزيز بدر عبد الله القطان/ مستشار قانوني – الكويت.