كانت حرب السادس من أكتوبر 1973، والتي خاضها الجيشان المصري والسوري، وشاركت معهما جيوش معظم الدول العربية نصراً للأمّة ولفكرة التضامن العربي الذي انطلق من قمة الخرطوم في أغسطس 1967، حين اجتمع الحكام العرب حول جمال عبد الناصر الذي أعلن لاءاته الشهيرة “لا صلح، لا تفاوض، لا اعتراف”، وجرى فيها تجاوز صراعات وفتن وحروب بينية عديدة أهمها حرب اليمن آنذاك بين مصر والمملكة العربية السعودية.
وعظمة حرب أكتوبر جاءت من ذاتها، كانت تتويجاً لحرب استنزاف طويلة خاضها جيشا مصر وسورية ومعهما طيران عربي من سورية والعراق والجزائر ليبيا والمغرب وأقطار أخرى، وارتقى فيها شهداء من الجيشين أبرزهم الشهيد الفريق عبد المنعم رياض الذي تم اغتياله على الخط الأمامي من الضفة الغربية لقناة السويس، مقدماً نموذجاً للقائد الذي يتقدم جنوده ،ولو أدى ذلك إلى استشهاده.
أعادت حرب تشرين للأمّة ثقتها بقدرتها على مواجهة الكيان الصهيوني، وأكّدت أنه كان ممكناً لها أن تزيل هذا الكيان من الوجود لولا الجسر الجوي الذي أقامته واشنطن إنقاذاً لكيان كان على وشك الإنهيار، بل نستطيع القول أن روح تشرين، رغم كل ما أصابها من تراجعات واتفاقات بقيت حاضرة في وجدان الأمّة وعقلها ومقاومتها حتى اليوم، خصوصاً أنها أكّدت قدرة الأمّة على هزيمة عدو صوروه لنا أنه لا يقهر..
كانت ملحة “طوفان الأقصى” بهذا المعنى امتداداً لروح تشرين، وكان تحرير لبنان عام 2000، وانتصار لبنان عام 2006، ولانتفاضات الفلسطينية المجيدة طيلة سنوات هي امتداد لروح أكتوبر التي حاول الأعداء القضاء عليها، لاسيّما بعد معاهدة “كمب دايفيد” التي واجهها شعب مصر بإجماعه على مقاومة التطبيع مستنداً أيضاً إلى روح أكتوبر العظيمة.
حتى ملحمة “طوفان الأقصى” استلهمت روح السادس من أكتوبر في عمليتها النوعية ومبادرات مقاوميها في غزّة وفلسطين وجنوب لبنان وكافة قوى المقاومة، وفي قدرتها على حشد طاقات الأمّة في عدة أقطار كما كان حشد طاقات الأمّة يوم حرب السادس من أكتوبر.
لكن الفارق بين السادس من أكتوبر 1973، والسابع من أكتوبر عام 2024، هو أن الحرب الأولى تم الإجهاز على نتائجها عبر فك الارتباط وزيارة الكنيست ومعاهدة “كمب دايفيد” لأن السادات وقع تحت تأثير النظرية المشؤومة “أن 99 % من أوراق اللعبة بيد واشنطن”، وأن الرضوخ لإملاءاتها هو السياسة الحكيمة، وهو منطق لم تسلّم به القيادة السورية، التي كان، وما زال، لها رأي آخر هو أن أوراق اللعبة (إذا كان الصراع مع المحتل أصلاً لعبة لها أوراق)، هي بيد الشعوب ولو بعد حين، فاختارت اعتماد نهج المقاومة الذي اعطى نتائج هامة لعل أبرزها ملحمة “طوفان الأقصى التي رغم الخسائر البشرية والعمرانية والاقتصادية الكبيرة، لكن خسائر العدو العسكرية والسياسية والأخلاقية أكبر بكثير من خسائرنا.
ولعل الفرق الرئيسي بين السادس من أكتوبر 1973، والسابع من أكتوبر 2024، هو أن بعض قادة أكتوبر كانوا يعتقدون أن استثمار نتائج تلك الحرب لا يكون إلا بالرضوخ ٌلاملاءات واشنطن والغرب، بيما كانت قناعة بعض قادة حرب السادس من أكتوبر، لاسيّما دمشق، وقادة المقاومة في فلسطين ولبنان ومن معهم من اليمن إلى العراق إلى إيران كانت تعتقد أن النصر لا يتحقق إلاّ بالمقاومة ولو أدى ذلك إلى استشهاد قادة أبطال كالسيد حسن نصر الله والحاج إسماعيل هنية وإخوانهما في الميدان.
واليوم ونحن نعّتز بحرب السادس من أكتوبر، رغم كل ما أحاط بنتائجها من شوائب، نشعر أن انتصاراً كبيراً ينتظر الأمّة، رغم كل ما نقدمه من تضحيات غالية وعزيزة.
معن بشور
5 / 10 / 2024م