سورة النمل، واحدة من السور المكية التي تتجلى فيها عظمة البيان القرآني والإعجاز الرباني في تصوير سنن الكون وتنظيم شؤون الحياة. لقد جاءت هذه السورة محكمة النسج، مترابطة المعاني، تسطر قصصاً حافلة بالعبر، وتعكس حكمة الله البالغة في تدبير شؤون عباده، وفضله العظيم على أنبيائه ورسله، تبدأ السورة بآيات تفيض نوراً وعظمة: “طس ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ” (النمل: 1)، لتؤكد على وضوح هذا الكتاب وعظمته، وعلى كونه هدى وبشرى للمؤمنين.
كما يظهر الإعجاز البياني في سورة النمل جلياً من خلال تنوع أساليبها اللغوية، حيث تجمع بين قصص الأنبياء وأحوال الأمم السابقة، وبين الإرشاد والتوجيه، وبين عرض مشاهد يوم القيامة وإثبات التوحيد، وقد وردت في السورة قصص عظيمة كقصة سيدنا سليمان عليه السلام مع الهدهد وملكة سبأ، وقصة موسى عليه السلام مع ربه، وهي قصص تعكس حكم الله وعدله وفضله على أوليائه، ففي تصوير الحوار بين سليمان عليه السلام والهدهد، مثلاً، تتجلى الدقة البلاغية والإعجاز اللغوي: “فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ” (النمل: 22). هذا المشهد لا يعكس فقط القدرة الإلهية في خلق لغة التواصل بين الكائنات، بل يشير أيضاً إلى أهمية التثبت من الأخبار، وهو درس خالد لكل عصر.
بالإضافة إلى ذلك، إن سورة النمل تسرد قصصاً عديدة تحمل العبر والحكم، وقصة سليمان وملكة سبأ، على سبيل المثال، ليست مجرد سرد لحادثة تاريخية، بل هي درس في الحكمة والسياسة وإدارة الأمور، سليمان عليه السلام لم يكتفِ بالقوة والسلطان، بل استخدم الحكمة في دعوة ملكة سبأ إلى الإيمان بالله الواحد، كما قال تبارك وتعالى: “قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ” (النمل: 41). وهنا تظهر قيمة التعقل والتدبر قبل اتخاذ القرارات.
وفي القصة أيضاً، يظهر دور المرأة في الحكم والسياسة من خلال ملكة سبأ، التي أظهرت حكمة وتدبيراً حين قالت: “إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ” (النمل: 34)، هذه الآية تشير إلى وعيها السياسي والاجتماعي، مما يعكس اهتمام القرآن بإبراز جوانب من حياة الإنسان تخدم تنظيم شؤون الحياة.
وتعتبر سورة النمل مثالاً حياً على شمولية القرآن الكريم، فهي تُعنى بتنظيم حياة الإنسان والمجتمع، وتعكس ارتباط العقيدة بالعمل، كما تظهر في قصصها القيم الأخلاقية والعملية التي تهدف إلى بناء مجتمع قائم على العدل والتوحيد، وقد كان علماء التفسير وعلماء اللغة، كالإمام الطبري والقرطبي وابن كثير، يعنون بتفسير هذه السورة وغيرها لتوضيح ما تحمله من معانٍ عميقة تدعو للتفكر.
بالتالي، إن القرآن الكريم، كما قال تبارك وتعالى: “مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ” (الأنعام: 38)، لم يترك جانباً من جوانب الحياة إلا وتناوله، ففي سورة النمل، نجد الإشارة إلى أهمية العلم كما في قوله تعالى: “وَعُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ” (النمل: 16)، والإشارة إلى أهمية الشورى والحكمة في اتخاذ القرارات كما في تصرف ملكة سبأ.
كما تدعونا سورة النمل إلى التفكر في آيات الله والتسليم بحكمته المطلقة، وتشجعنا على الاستفادة من العلم والعقل في حياتنا اليومية، ومن أهم الدروس التي تقدمها السورة: أهمية التثبت من الأخبار، كما في قصة الهدهد، وأهمية الحوار والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، كما في دعوة سليمان لملكة سبأ، وكذلك، فإن السورة تدعونا إلى التدبر في قدرة الله تبارك وتعالى في الكون، كما في قوله تبارك وتعالى: “قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَىٰ ۗ آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ” (النمل: 59).
وبهذا، تبقى سورة النمل شاهداً على عظمة القرآن الكريم، كتاب الله الخالد الذي يحمل بين طياته من البيان والإعجاز ما يجعل كل إنسان يقف أمامه متأملاً، مستنبطاً، ومستلهماً معاني الحكمة والتنظيم في الحياة، ومن هذه المقدمة الموسعة، نستكمل نهايات سورة النمل المباركة من خلال الإضاءة على تفسيرها وعانيها وقوة إعجازها ومآثرها وما تضمنته من تدبر وغير ذلك.
بسم الله الرحمن الرحيم
وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(90) إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَٰذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ ۖ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ(91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ ۖ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ(92) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ(93).
الآيات الكريمة في هذا المقطع القرآني من سورة النمل، تجمع بين مشهد الجزاء الأخروي، وأمر النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالتوحيد وعبادة الله، ودعوته إلى تبليغ القرآن، ثم الثناء على الله والتذكير بعلمه المحيط بأعمال العباد، ووفقاً للتفاسير المعتبرة كابن كثير، والطبري، والقرطبي، فإن تأمل هذه الآيات يُظهر ترابطها الدقيق وشمولها لمعانٍ عميقة تعبر عن منهج الله في الدعوة والجزاء.
وفي قوله تعالى: “وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ” (النمل: 90)، بيان واضح للجزاء العادل الذي ينتظر أهل السيئات، “السيئة” هنا تشمل الكفر والمعاصي، وأبرزها الشرك بالله، وهو أعظم السيئات، و “كُبَّتْ وُجُوهُهُمْ” تصور مشهداً مهيباً لعقوبة أهل النار، إذ يُطرحون على وجوههم في تعبير عن الذل والإهانة، ويؤكد النص أن الجزاء مرهون بالعمل: “هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ”، مما يشير إلى عدل الله المطلق في محاسبة عباده.
ثم يرد توجيه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ليبين منهج العبودية والتوحيد في قوله: “إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَٰذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ” (النمل: 91). يلفت النص الأنظار إلى خصوصية مكة المكرمة “البلدة” التي حرمها الله، فجعلها آمناً وقدسياً، ويفيد الأمر بالعبادة تخصيصاً لله دون غيره، إذ هو المالك لكل شيء، وتأتي العبارة التالية “وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ” لتبين أن الإسلام والاستسلام لله هو الدين الحق الذي بُعث به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو السبيل الوحيد للنجاة.
ويُكمل النص في قوله: “وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ” (النمل: 92)، فيُبرز أن من أعظم المهام التي أُمر بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي تلاوة القرآن للناس، تلاوةً تجمع بين القراءة والتبليغ والتذكير، فالقرآن هو الهداية والنور، ومن اهتدى به فقد اهتدى لنفسه، أي أن منفعة الهداية تعود إلى صاحبها، كما قال تعالى: “فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ”، أما من ضل واختار طريق الغواية، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس عليه إلا البلاغ والإنذار: “وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ”، فهو منذر بأمر الله، ولا يملك هداية أحد، إذ الهداية بيد الله وحده.
ويختتم النص بآية تحمل الثناء والحمد لله مع وعد صادق برؤية آياته العظيمة: “وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا” (النمل: 93)، والحمد هنا يشمل الشكر والثناء، ويشير إلى قدرة الله الباهرة، إذ ستظهر آياته في الأنفس والآفاق، كما قال تعالى: “سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ” (فصلت: 53)، وعندما تظهر هذه الآيات وتتحقق، سيعرفها العباد ويتيقنون من صدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحقانية دعوته. ويُختم النص بتذكير جامع: “وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ”، تأكيداً على علم الله المحيط بكل صغيرة وكبيرة، مما يوجب الخشية والطاعة.
بالتالي، إن هذا التفسير يُظهر كيف أن هذه الآيات مترابطة، تحمل في طياتها منهجاً متكاملاً من التحذير، والتوحيد، والبيان، والتوجيه نحو التفكر في آيات الله، وتعظيم أمر الحساب والجزاء في الآخرة.
كما أن الآيات الكريمة التي بين أيدينا تتجلى فيها روعة البيان القرآني وجمال اللغة وعظمة الإعجاز، حيث تتشابك المحسنات البديعية والأساليب البلاغية لتصوغ المعاني بعمق ودقة تلامس القلوب والعقول.
ففي قوله تعالى: “وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ”، تظهر براعة التصوير البياني في التعبير عن حال أهل السيئات يوم القيامة، حيث استعيرت صورة “كُبَّتْ وُجُوهُهُمْ” للتعبير عن الإلقاء والإذلال، إذ الوجه هو موضع الكرامة والتشريف، وإذا أُلقي في النار دلّ ذلك على أقصى درجات الإهانة، وجاء استخدام صيغة الماضي “كُبَّتْ” رغم أن الحديث عن يوم القيامة للدلالة على التحقق والقطع بوقوع الأمر، وهذا من الإعجاز البلاغي، ثم تأتي الجملة الاستفهامية “هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ” في صيغة حصر تُظهر عدل الله المطلق، حيث لا يُزاد في الجزاء ولا يُنقص، وإنما يجازى الإنسان بما قدمت يداه.
وفي قوله: “إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَٰذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ”، تتجلى بلاغة الإيجاز في قوله: “الَّذِي حَرَّمَهَا”، حيث أوجزت العبارة ما تحمله مكة من قدسية وأمن بفضل الله، وفي ذلك استحضار لعظمة الله في اختيار هذه البلدة، أما عبارة “وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ”، فهي تأتي بأسلوب القصر لتقرير ملكية الله المطلقة لكل شيء، مما يعزز معنى التوحيد ويدفع إلى إخلاص العبادة له وحده.
وعند قوله: “وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ”، نلاحظ الانسيابية في الانتقال من التوحيد إلى الاستسلام الكامل لله، حيث جاء الفعل “أمرت” في صيغة المبني للمجهول ليدل على عظمة الآمر وهو الله تعالى، وتكتمل الصورة في الآية التالية: “وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ”، حيث يتجلى الإعجاز في اختيار كلمة “أتلُو” لتدل على القراءة والتبليغ معاً، مشيرة إلى أن القرآن ليس مجرد نص يُقرأ، بل رسالة تُبلغ وتُعمل.
أما في قوله: “فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ”، نجد جمال التوازن بين الفعلين “اهتدى” و”ضل”، ليظهر عدل الله في ترك الخيار للإنسان مع بيان مسؤولية الفرد عن مصيره، كما أن استخدام “إنما” في الجملتين يفيد الحصر، مما يبرز أن الهداية أو الضلال تعود فائدته أو وباله على الشخص نفسه، بينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم دوره محصور في الإنذار، وهذا منتهى العدل والإيضاح.
ويأتي قوله: “وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا” ليضفي على النص جواً من التذكير بعظمة الله، حيث يحمل أسلوب الأمر في “قل” دلالة الاستمرارية والثبات على الحمد، أما “سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ” فهي وعد صادق بصيغة الاستقبال، مما يشير إلى التجدد المستمر في كشف الحقائق والآيات الدالة على قدرة الله في الأنفس والآفاق، والختام: “وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ” يحمل إيقاعاً رناناً بتكرار حرف العين، ويؤكد شمول علم الله وإحاطته بأعمال العباد، مما يوقظ في النفوس إحساساً بالمسؤولية والمراقبة.
بهذا الأسلوب المتفرد في التعبير، نجد أن الآيات تحمل من الإعجاز اللغوي ما يعجز اللسان عن وصفه، إذ تتضافر فيها عناصر الجمال البلاغي والبياني مع العمق المعنوي لتبني نصاً متكاملاً يرسخ في القلوب ويهدي العقول.
وفي ختام تفسير سورة النمل، نجد أنفسنا أمام إشراقات ربانية تتجلى في كل آية، وومضات إلهية تحمل عظمة الله وحكمته التي لا تحد، وتكشف عن منهج حياة متكامل أراده الله لنا، حيث يتداخل فيها البيان بالحكمة، والقصص بالعبرة، والتوجيه بالإعجاز، إنها سورة تحمل في طياتها أسمى المعاني الروحية والوجدانية التي ترسخ في القلب إيماناً عميقاً بالله وقدرته، وتضع الإنسان أمام مسؤوليته في إعمار الأرض وفق مراد الله، وتحذره من الغفلة عن الغاية الكبرى التي خلق من أجلها.
لقد رسمت سورة النمل مشهداً مهيباً يتناغم فيه الخلق مع الخالق في سلسلة من الأحداث التي يتداخل فيها عالم الإنس والجن والطير والنمل، لتؤكد لنا أن الكون بأسره يخضع لسلطان الله ويسبح بحمده، وأنه لا منجى ولا ملاذ إلا بالعودة إليه، ومن خلال قصص الأنبياء وأقوامهم، نرى كيف أدار الله عجلة التاريخ بحكمته، وكيف جعل لكل قومٍ رسولاً يُبلغهم دعوته بالحكمة والموعظة الحسنة، تلك الدعوة التي تتكرر أصداؤها اليوم في أسماعنا من خلال القرآن الكريم، فتبعث فينا روح العمل لنكون جزءاً من هذا الإرث العظيم.
كما أن السورة تؤكد على قيمة العلم والمعرفة، وتبين كيف رفع الله شأن من التزم بهما مقترنين بالإيمان، فكان سليمان عليه السلام نموذجاً للحاكم العالم المؤمن الذي وظّف كل ما أوتي في خدمة الدعوة وإقامة العدل، وهذا درس لكل مسلمٍ ومسلمةٍ بأن العلم إنما يُنير الطريق، إذا استضاء بنور الإيمان، ليكون سبيلاً للرفعة في الدنيا والآخرة.
ولعل ختام السورة، بتوجيه النظر إلى قدرة الله وآياته في الكون، يحمل رسالة عظيمة: أن على الإنسان أن يبقى يقظاً، قارئاً في كتاب الله المسطور، ومتدبراً في كتابه المنظور، فلا غفلة عن الآيات الكونية ولا تهاون في تلاوة الآيات القرآنية، لأن في كليهما دعوة إلى الإيمان واليقين، فالله الذي أوحى إلى النملة لتدبر شأنها، هو ذاته الذي أمرنا بتدبر كتابه، لنكون على وعي بحقيقتنا ورسالتنا.
وفي النهاية، نُهدي هذا العمل، بكل ما فيه من جهد وتفكر، إلى كل طالب علمٍ نهم، وإلى كل من تمسك بكتاب ربه وسنة نبيه الأكرم ، متشبثاً بحبل الله تبارك وتعالى المتين، مستضيئاً بنور الإسلام الذي لا يخبو، إنه إهداء لكل من يجد في القرآن الكريم نبراساً يهديه في ظلمات الحياة، ولكل من يستشعر مسؤوليته تجاه أمته الإسلامية ودينه الحنيف، ويُدرك أن التمسك بالقرآن هو التمسك بالحياة، لأنه دستور الله الذي يُنظم حياة البشر في كل زمان ومكان.
ونسأل الله أن يجعلنا من الذين يتدبرون آياته حق التدبر، ويعملون بها حق العمل، وأن يوفقنا لحمل رسالته ونشرها في الأرض بكل إخلاص وصدق، وأن يجمعنا جميعاً في ظلال رحمته يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.
عبد العزيز بدر عبد الله القطان/ كاتب ومفكر – الكويت.