أما وقد بدأ تنفيذ قرار “وقف القتال” في جنوب لبنان، فقد يكون من الصعب بهذه العجالة، الإحاطة الكاملة به، لكن يمكن قراءة أهم خطوطه العريضة، والظروف التي أحاطت بالتوصل إليه.
بداية لابد من الإشارة، إلى أن القراءة الموضوعية، تتطلب أن نتجاوز، محاولات نتنياهو وبعض أعضاء حكومته، وإعلام التطبيع، تصوير الأمر، وكأنه هزيمة للمقاومة (وشبه انتصار) للعدو، وأن تتجاوز أيضاً، المشاهد المؤلمة، لعمليات القتل والدمار، واستشهاد القادة، وفي مقدمتهم السيد ح.س.ن ن.صر الله، لأن قوانين الحروب والصراعات، لا تعترف بالعواطف، والقوانين والأخلاق، وإنما بما يحققه الميدان فقط.
فحكومة الا.حتلا.ل، لا يمكن أن تطلب إيقاف القتال، وهي بحالة تفوق، وتحقق أهدافها في الميدان.
وما جرى، هو قرار بوقف القتال فقط، وليس اتفاقاً جديداً، وجاء بعد اليوم الطويل والمرعب، الذي دكت فيه المقا.و.مة الكيا.ن، بأكثر من أربعمئة صار.وخ، طالت كل مدنه ومستو.طنا.ته الرئيسية، ومواقعه العسكرية والاستراتيجية، وبعد استنفاذ العد.و، لكل ما يمكنه من إمكانات عسكرية، وبعد تحذيرات أمريكية، بأن القتال سيأخذ منحى خطيرا، لن يكون في مصلحة الكيا.ن، وهو ما دفع المبعوث الأمريكي هوكشتاين، للتهديد بانسحابه من جهود الواسطة، إذا لم توافق حكومة نتنياهو على وقف القتال.
القرار لم يتضمن أي من الشروط، التي كان يتحدث عنها العد.و الص.هيو.ني وهوكشتاين، والذي كان يريد استسلام المقا.و.مة، ووضع لبنان تحت الوصاية الإسرائيلية، فهو محصور، في منطقة جنوب الليطاني فقط، ولا يتضمن نزع سلاح الحز.ب، أو تفكيك ترسانته، خارج جنوب الليطاني.
كما لا يتضمن، حرية التدخل العسكري الإسرائيلي، ضد ما تعتبره أي خرق للقرار 1701، ولا أي وصاية، أو تدخل مباشر، للجنة الدولية، ولا تدخل عسكري أميركي مباشر، وإنما مراقبين أمريكيين وفرنسيين، وتم استبعاد البريطانيين والالمان، بناء على رفض المقا.و.مة بسبب انحيازهم للعدو.
أما التفاوض حول القرار 1701، والترتيبات على تطبيقه، فسوف تكون بعد وقف القتال، وليس تحت النار، كما كان يحاول الاحتلال فرضه.
الأوهام الإسرائيلية، تساقطت بسرعة، من تغيير الشرق الأوسط، وفق الخرائط التي رفعها نتنياهو في الأمم المتحدة، إلى محاولة استعادة القرار 1559، وربطه بالقرار 1701، وإيجاد ملاحق للقرار، لفرض استسلام المقا.و.مة، والوصاية على لبنان، إلى محاولة التفاوض تحت النار، لينتهي الأمر، إلى استجداء وقف القتال، بشروط أخف من القرار 1701.
القاعدة الميدانية، الأقرب لوصف ما انتهت إليه المواجهة، يمكن وصفها كالتالي ” المقا.و.مة لم تنهزم، وإسرائيل لم تنتصر” أما في السياسة، وتداعيات ما جرى، فهذا ستكون له حسابات اخرى، ونستطيع التأكيد، أنها ستظهر حجم الإنجاز الكبير، الذي حققته المقا.و.مة.
ردود الفعل، على وقف القتال، يمكن قراءتها من المشهد العام، على طرفي القتال.
ففي الكيا.ن الصه.يو.ني، لم نسمع ولا مسؤول واحد، سواء من المعارضة، وحتى الحكومة، ومن المراقبين والمحللين، ووسائل الإعلام، ورؤساء بلديات المستو.طنات، وخاصة الحدودية، من يقول ان قرار وقف القتال، يعكس صورة انتصار لكيانهم، وهو ما عبر عنه، رؤساء بلديات ومستو.طنات الشمال، الذين وصفوا الاتفاق، بأنه “مذل ولا عودة المستوطنين اليها الآن” كما كان لافتاً، ما قاله أحد وزراء الحكومة الإسرائيلية، بأن “هناك اسباباً، معقدة وسرية، دفعت إسرائيل للقبول بالاتفاق، رغم عيوبه”.
أما اهل الجنوب، وجمهور المقا.و.مة، فقد سارعوا من الصباح الباكر، للعودة إلى قراهم، لتفقد بيوتهم، والبدء بعمليات الترميم، وبدأت الآليات والورشات، العمل لفتح الطرقات.
النتائج التي تحققت في الميدان، ثبتت وقائع جيوسياسية، وحقائق هامة على الأرض، أكثر خطورة على كيا.ن ا.لعد.و من الميدان، وهي..
فقدان الشعور بالأمان، لدى المجتمع الإسرائيلي، وفقدان ثقته بقدرة جيشهم على حمايتهم، وهذا سيترجم، تسارعا في هروب المستو.طنين، من فلس.ط.ين المح.تلة، وضرب اهم مقومات وجود ا.لكيا.ن.
الأموال والاستثمارات التي توقفت، او هربت من القتال، لن تعود ابدا، وهذا سيضعضع، الركن الثاني من أركان وجود العد.و، وهو الاقتصاد المتطور، الذي يؤمن الرفاهية للمستو.طنين.
أنظمة التطبيع، وخاصة السعودية، ستتردد كثيراً، في المضي قدما بعملية التطبيع، بعد فشل ا.لكيا.ن في حماية نفسه.
بعد وقف القتال، سنسمع كثيراً، عن الحجم الكبير للخسائر، التي أوقعتها المقا.و.مة داخل ا.لكيا.ن، والتي حاول قادة ا.لكيا.ن إخفاءها، كما سنرى لجان تحقيق، في عملية طو.فان الأ.قص.ى، وأسباب الفشل في تحقيق أهداف العد.وا.ن، وسنرى تقاذف للمسؤوليات عن ذلك.
سيلي الاتفاق، الانتقال الى معركة سياسية ودبلوماسية، لن تكون أقل شراسة من الميدان، وستكون انعكاساً لنتائجه، وهذه النتائج تقول، إن العد.و، لن يستطيع أن يأخذ في السياسة، ما فشل بأخذه في الميدان.
الاتفاق سينعكس على بقية الجبهات، والنقاط الساخنة، في المنطقة، لمحاولة منع العودة إلى القتال، وتمدده وهذا سيعني، ان هناك محاولات ستجري، لإيجاد تفاهمات، على النقاط الساخنة، وخاصة في غ.ز.ة، وسورية واليمن، والملف النووي الإيراني.
كما سيلي الاتفاق، قراءة واستخلاص العبر، لأدوار كل الأطراف والدول، سواء في محور المقا.و.مة، أو أنظمة التطبيع، وستكون لهذه القراءة، تأثيرات كبيرة، على الصورة التي ترتسم للمنطقة، على المديين المتوسط والبعيد.
أحمد رفعت يوسف